بعد مرور 60 عاماً على مُشاركته، للمرّة الأولى، في مهرجان "كانّ" السينمائيّ الدوليّ، في دورته الـ 10 (2 ـ 7 مايو/ أيار 1957)، يستضيف المهرجان نفسه فيلم "إلى أين؟"، الروائيّ الطويل الأول للّبناني جورج نصر (1927)، في برنامج "كانّ للأفلام الكلاسيكية" (Cannes Classics)، الذي يعرض نسخةً مرمَّمة له، في الدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017).
والنسخة المُرمَّمة نتاج جهد قائم بين "شركة أبّوط للإنتاج" و"مؤسّسة سينما لبنان"، اللتين أعلنتا ـ في بيان مشترك ـ أنهما بادرتا إلى ترميم النسخة الأصلية للفيلم "لأنه كنزٌ وطنيّ"، وذلك انطلاقاً من "ضرورة الحفاظ عليه، وإتاحة (الفرصة) لمشاهدته وإعادة اكتشافه (من قِبَل) جمهورٍ جديد، في السنة التي تصادف الذكرى الـ 60"، لمشاركته في "كانّ 1957". وأشار البيان إلى أن الترميم تمّ بدعمٍ من "بنك البحر المتوسّط"، وبالتعاون مع "نادي لكلّ الناس" وشركة "ذو توكيز" للإنتاج (The Talkies).
أما الفيلم، فمُصوَّرٌ بتقنيّة 35 ملم، وتمّ مسحه ضوئياً (Fine Grain Master Positive) بدقّة عرض 4K. كما تمّ تنقيحه وتصحيح ألوانه بدقّة عرض 2K. وتولّت الشركة الفرنسية Neyrac Films ترميم الصورة، في حين اهتمّ DB Studio بترميم الصوت. وبحسب البيان المشترك، فإن النسخة المرمَّمة "ستكون بالجودة نفسها التي عُرض بها الفيلم عام 1957".
إلى ذلك، تُنتج "شركة أبّوط للإنتاج" فيلماً وثائقياً بعنوان "نصر" (A Certain Nasser)، يتناول سيرة المخرج اللبناني وأعماله، ويُعرض لاحقاً، ضمن سلسلة نشاطات مرافقة للذكرى الـ 60 لتحقيقه. أما عنوان الوثائقيّ، الذي يُخرجه أنطوان واكد وبديع مسعد، فمأخوذٌ من مقالة فرنسية تناولت "إلى أين؟" بعد عرضه الأول، الذي تزامن وقيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتنفيذ سلسلة قرارات خاصّة بتأميم الشركات، وفي ظلّ صعود "نجمه" السياسي، والصراع الغربيّ ـ الإسرائيليّ معه.
واسم عائلة المخرج يُكتب، بالفرنسية، بشكل شبيهٍ باسم عائلة الرئيس المصري، ما جعل كثيرين في الغرب، ممن يناهضون السياسات الناصرية، يعتقدون أن للفيلم علاقة به.
والوثائقيّ الجديد يتناول مسيرة عمل جورج نصر، و"المعارك التي خاضها من أجل إيجاد صناعة سينمائية في لبنان". كما أنه يربط بين قصّة حياته وقصّة ولادة السينما اللبنانيّة، وتطوّرها. فـ "إلى أين؟" لم يكن، عند عرضه في "كانّ" عام 1957، أول فيلم لبناني في مسابقة المهرجان الفرنسي الدوليّ فقط، بل كذلك أول فيلم لبناني يُعرَض عالمياً، وأول "فيلم مؤلّف لبناني"، وأول فيلم لنصر أيضاً. وهو تنافس على "السعفة الذهبيّة" مع أفلام لمُخرجين معروفين، أمثال ويليام وايلر، وإنغمار برغمان، وفديريكو فيلّيني، وروبير بروسّون، وستانلي دونن، وأندريه فايدا، وغيرهم.
وترك "إلى أين؟" انطباعاً طيّباً لدى أعضاء لجنة التحكيم، حينها، ومنهم جورج ستيفنز ومارسيل بانيول، علماً أن موضوعه ـ الذي يتناول الهجرة، ويُلقي "نظرة صادقة" على الطبقة العاملة ـ لا يزال مطروحاً اليوم: عائلة تعيش حالة فقر، في إحدى القرى اللبنانية. ذات يوم، يغادر رأس العائلة زوجته وأولاده وأقاربه وقريته، ويهاجر إلى البرازيل، التي يعتبرها لبنانيون كثيرون بمثابة "بلاد الثروات".
وخلال 20 عاماً من هجرته، تتولّى الزوجة/ الأم تربية أبنائها بصعوبة كبيرة، جرّاء الوضع الاقتصادي المزري الذي تعانيه العائلة. والبكر أنشأ عائلة، والأصغر سناً يستعدّ، بدوره، للهجرة إلى البرازيل. في أحد الأيّام، يصل إلى القرية رجل رثّ الثياب، لا يتعرّف إليه أحد. لتنكشف بعض الأسرار، ولتُطرح أسئلة الانتماء والهوية والهجرة والمنافي والوطن والعلاقات.
بعد 5 أعوام، حقّق جورج نصر فيلمه الثاني، بعنوان "الغريب الصغير"، باللغة الفرنسية، الذي اختير بدوره لمهرجان "كانّ"، في الدورة الـ 15، المُقامة بين 7 و23 مايو/ أيار 1962. وعشية اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، يُنجز نصر فيلمه الثالث، بعنوان "المطلوب رجل واحد" (1975). بعد ذلك، لن يُخرج أيّ فيلم روائي طويل، إذْ ينصرف إلى تحقيق أفلام وثائقية ودعائية، قبل أن ينخرط في سلك التعليم الجامعي، الذي لا يزال يُمارسه لغاية الآن.
ورغم قلّة أفلامه، يعتبر جورج نصر "أب السينما اللبنانية". بهذه الصفة، كرمه "مهرجان طرابلس للأفلام"، في دورته الـ 4 (27 أبريل/ نيسان ـ 4 مايو/ أيار 2017)، وهي المدينة التي وُلد فيها نصر. والتكريم تراوح بين عرض بعض أعماله، وإطلاق كتاب "جورج نصر، السينما الداخلية" (باللغة الفرنسية)، بإدارة وتنسيق غسان قطيط، وقدأصدرته منشورات جامعة "ألبا".
يُشار إلى أن نصر درس السينما في "جامعة كاليفورنيا ـ لوس أنجليس (UCLA)"، القريبة من هوليوود، وعاد إلى لبنان مُصمِّماً على تحقيق أفلام "في بيئة لم تكن هذه الصناعة قائمة فيها". بعد أفلامه الثلاثة، وضعت الحرب الأهليّة اللبنانيّة "حدّاً نهائياً لمسيرته". ولم يحذُ نصر حذوَ المخرجين اللبنانيّين، الذين أخرجوا أفلاماً عن الحرب، كمارون بغدادي وبرهان علوية وجوسلين صعب ورنده الشهّال وجان شمعون؛ ولم يفكّر في مغادرة بلده أبداً، حيث عمل مديراً لإنتاج بعض الأفلام الأجنبيّة، واستمرّ في الكتابة، ساعياً إلى الحصول على فرص تمويل لسيناريوهاته. لكن الوقت مرّ من دون القدرة على تأمين الميزانيات المطلوبة. كما سعى نصر إلى إنشاء نقابة لتقنيّي الأفلام، وصندوق وطني لدعم السينما اللبنانية، من دون أن تتكلّل المحاولة بالنجاح.
اقــرأ أيضاً
والنسخة المُرمَّمة نتاج جهد قائم بين "شركة أبّوط للإنتاج" و"مؤسّسة سينما لبنان"، اللتين أعلنتا ـ في بيان مشترك ـ أنهما بادرتا إلى ترميم النسخة الأصلية للفيلم "لأنه كنزٌ وطنيّ"، وذلك انطلاقاً من "ضرورة الحفاظ عليه، وإتاحة (الفرصة) لمشاهدته وإعادة اكتشافه (من قِبَل) جمهورٍ جديد، في السنة التي تصادف الذكرى الـ 60"، لمشاركته في "كانّ 1957". وأشار البيان إلى أن الترميم تمّ بدعمٍ من "بنك البحر المتوسّط"، وبالتعاون مع "نادي لكلّ الناس" وشركة "ذو توكيز" للإنتاج (The Talkies).
أما الفيلم، فمُصوَّرٌ بتقنيّة 35 ملم، وتمّ مسحه ضوئياً (Fine Grain Master Positive) بدقّة عرض 4K. كما تمّ تنقيحه وتصحيح ألوانه بدقّة عرض 2K. وتولّت الشركة الفرنسية Neyrac Films ترميم الصورة، في حين اهتمّ DB Studio بترميم الصوت. وبحسب البيان المشترك، فإن النسخة المرمَّمة "ستكون بالجودة نفسها التي عُرض بها الفيلم عام 1957".
إلى ذلك، تُنتج "شركة أبّوط للإنتاج" فيلماً وثائقياً بعنوان "نصر" (A Certain Nasser)، يتناول سيرة المخرج اللبناني وأعماله، ويُعرض لاحقاً، ضمن سلسلة نشاطات مرافقة للذكرى الـ 60 لتحقيقه. أما عنوان الوثائقيّ، الذي يُخرجه أنطوان واكد وبديع مسعد، فمأخوذٌ من مقالة فرنسية تناولت "إلى أين؟" بعد عرضه الأول، الذي تزامن وقيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتنفيذ سلسلة قرارات خاصّة بتأميم الشركات، وفي ظلّ صعود "نجمه" السياسي، والصراع الغربيّ ـ الإسرائيليّ معه.
واسم عائلة المخرج يُكتب، بالفرنسية، بشكل شبيهٍ باسم عائلة الرئيس المصري، ما جعل كثيرين في الغرب، ممن يناهضون السياسات الناصرية، يعتقدون أن للفيلم علاقة به.
والوثائقيّ الجديد يتناول مسيرة عمل جورج نصر، و"المعارك التي خاضها من أجل إيجاد صناعة سينمائية في لبنان". كما أنه يربط بين قصّة حياته وقصّة ولادة السينما اللبنانيّة، وتطوّرها. فـ "إلى أين؟" لم يكن، عند عرضه في "كانّ" عام 1957، أول فيلم لبناني في مسابقة المهرجان الفرنسي الدوليّ فقط، بل كذلك أول فيلم لبناني يُعرَض عالمياً، وأول "فيلم مؤلّف لبناني"، وأول فيلم لنصر أيضاً. وهو تنافس على "السعفة الذهبيّة" مع أفلام لمُخرجين معروفين، أمثال ويليام وايلر، وإنغمار برغمان، وفديريكو فيلّيني، وروبير بروسّون، وستانلي دونن، وأندريه فايدا، وغيرهم.
وترك "إلى أين؟" انطباعاً طيّباً لدى أعضاء لجنة التحكيم، حينها، ومنهم جورج ستيفنز ومارسيل بانيول، علماً أن موضوعه ـ الذي يتناول الهجرة، ويُلقي "نظرة صادقة" على الطبقة العاملة ـ لا يزال مطروحاً اليوم: عائلة تعيش حالة فقر، في إحدى القرى اللبنانية. ذات يوم، يغادر رأس العائلة زوجته وأولاده وأقاربه وقريته، ويهاجر إلى البرازيل، التي يعتبرها لبنانيون كثيرون بمثابة "بلاد الثروات".
وخلال 20 عاماً من هجرته، تتولّى الزوجة/ الأم تربية أبنائها بصعوبة كبيرة، جرّاء الوضع الاقتصادي المزري الذي تعانيه العائلة. والبكر أنشأ عائلة، والأصغر سناً يستعدّ، بدوره، للهجرة إلى البرازيل. في أحد الأيّام، يصل إلى القرية رجل رثّ الثياب، لا يتعرّف إليه أحد. لتنكشف بعض الأسرار، ولتُطرح أسئلة الانتماء والهوية والهجرة والمنافي والوطن والعلاقات.
بعد 5 أعوام، حقّق جورج نصر فيلمه الثاني، بعنوان "الغريب الصغير"، باللغة الفرنسية، الذي اختير بدوره لمهرجان "كانّ"، في الدورة الـ 15، المُقامة بين 7 و23 مايو/ أيار 1962. وعشية اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، يُنجز نصر فيلمه الثالث، بعنوان "المطلوب رجل واحد" (1975). بعد ذلك، لن يُخرج أيّ فيلم روائي طويل، إذْ ينصرف إلى تحقيق أفلام وثائقية ودعائية، قبل أن ينخرط في سلك التعليم الجامعي، الذي لا يزال يُمارسه لغاية الآن.
ورغم قلّة أفلامه، يعتبر جورج نصر "أب السينما اللبنانية". بهذه الصفة، كرمه "مهرجان طرابلس للأفلام"، في دورته الـ 4 (27 أبريل/ نيسان ـ 4 مايو/ أيار 2017)، وهي المدينة التي وُلد فيها نصر. والتكريم تراوح بين عرض بعض أعماله، وإطلاق كتاب "جورج نصر، السينما الداخلية" (باللغة الفرنسية)، بإدارة وتنسيق غسان قطيط، وقدأصدرته منشورات جامعة "ألبا".
يُشار إلى أن نصر درس السينما في "جامعة كاليفورنيا ـ لوس أنجليس (UCLA)"، القريبة من هوليوود، وعاد إلى لبنان مُصمِّماً على تحقيق أفلام "في بيئة لم تكن هذه الصناعة قائمة فيها". بعد أفلامه الثلاثة، وضعت الحرب الأهليّة اللبنانيّة "حدّاً نهائياً لمسيرته". ولم يحذُ نصر حذوَ المخرجين اللبنانيّين، الذين أخرجوا أفلاماً عن الحرب، كمارون بغدادي وبرهان علوية وجوسلين صعب ورنده الشهّال وجان شمعون؛ ولم يفكّر في مغادرة بلده أبداً، حيث عمل مديراً لإنتاج بعض الأفلام الأجنبيّة، واستمرّ في الكتابة، ساعياً إلى الحصول على فرص تمويل لسيناريوهاته. لكن الوقت مرّ من دون القدرة على تأمين الميزانيات المطلوبة. كما سعى نصر إلى إنشاء نقابة لتقنيّي الأفلام، وصندوق وطني لدعم السينما اللبنانية، من دون أن تتكلّل المحاولة بالنجاح.