"إرنست كاسيرر": فلسفة الرمز ونقده

03 مايو 2017
(إرنست كاسيرر)
+ الخط -
لاقت طروحات المفكّر الألماني الأميركي إرنست كاسيرر (1874 – 1945) في دراسة الجدل بين الأسطورة والعقلانية، اهتماماً واسعاً في زمنه الذي شهد حربين عالميتين راجت خلالهما في أوروبا العديد من التيارات المتطرّفة، والتي بسبب آرائه المعارضة لها انتقل إلى منفاه، متفرّغاً لنقاش أفكار عديدة؛ من أبرزها العلاقة بين الأخلاق والسياسة عبر تطوّر السلطة وتحوّلاتها.

في كتابه "من نقد العقل إلى هيرمينوطيقا الرموز: بحث في فلسفة الثقافة عند إرنست كاسيرر" الذي صدر مؤخّراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يركّز الباحث المغربي فؤاد مخوخ على مقولات صاحب "أسطورة الدولة"، لإثبات أصالتها وجِدَّتِها في مجال نقد الثقافة، مشيراً إلى أنها امتداد لفلسفة كانط، وأنها "تتجلّى في مشروع تطوير نقد العقل وتمديده إلى نقد الثقافة الذي تجسّد في فلسفة الأشكال الرمزية باعتبارها فلسفةً للثقافة، وتقعيداً نظرياً لإبيستمولوجيا علوم الثقافة، وهيرمينوطيقا لتأويل عالَم الإنسان وفهمه".

يحمل القسم الأوّل من الدراسة عنوان "من نقد العقل إلى نقد الثقافة"، ويعود المؤلّف فيه إلى نصوص إيمانويل كانط لاستنطاقها في ثلاث مسائل؛ النسقية والتاريخية والأنثروبولوجيا، كما يسعى إلى تحديد معنى انتمائه إلى تيار الكانطية الجديدة في مقابل التأويل الهايدغري، موضّحاً في موضع آخر أن معالِم التصوّر الكاسيرري لأسس علوم الثقافة، وكيف يعالج إشكالية العلاقة بين علوم الطبيعة وعلوم الثقافة، من خلال البحث في أساس هذه العلوم الأخيرة ومنطقها، مُؤكّداً مشروعيتها في الانتماء إلى المجال العلمي، وأحقيّتها في امتلاك صفة العلم.

يبحث القسم الثاني "البعد الهيرمينوطيقي لفلسفة الأشكال الرمزية" في الأساس الرمزي لعالَم الإنسان، متطرّقاً إلى مسألة جذور نظرية كاسيرر في الرمز، ومصادرها الفلسفية والعلمية، وفي مكانة تصوُّر كانط وقيمته في تشييد تلك النظرية.

وينتقل إلى عرض أطروحة كاسيرر التي مفادها أنّ فهْم العالَم الإنساني مشروط باستحضار الرموز؛ لأنّ الجانب الرمزي هو مفتاح ذلك العالَم، وكيف يعتمد في تشييد تصوّره للرمزية، على مصادر فلسفية وعلمية متنوعة، وأنّه لا يعتمد على كانط وحده؛ إذ يقول: "وهذا التصوّر الكاسيرري يُبنى على تأكيد تَمَيُّز الإنسان من الحيوان في اللغة والذكاء، وتصوّرات المكان والزمان، والقدرة على الفصل بين ما هو واقعي وما هو ممكن".

يدرس المؤلّف أيضاً مسألة الأشكال الرمزية وسيرورة تكوينها ووظائفها الرمزية بكيفية ملموسة؛ من أجل إبراز خصوصية كلّ شكلٍ رمزي ومدى تميّزه. فيحاول تحديد خصائص الرمزية كما تحضر عند كاسيرر في أعماله المتعلّقة بفلسفة الأشكال الرمزية؛ وخصائص الرمزية اللغوية والأسطورية والعلمية، ويخلص مخوخ إلى أنّ "كلّ شكلٍ رمزي يتوافر على خصوصية من حيث طبيعة سيرورته التكوينية، ووظيفته الرمزية، وهذه الخصوصية لا تمنح أفضلية لشكلٍ رمزي"، وعلى الرغم من تميّز مجال العلم بـ"الدقّة وتقدّمه"، و"بالنظر إلى تفوّقه، والحظوة التي لديه في العصر الراهن"، فإنّ ذلك "لا يعني أنه أفضل الأشكال الرمزية".

يختم مخوخ كتابه بدراسة "إشكالية وحدة الرمز ونسقيتها"، مبيّناً دور مفهومَي البنية والوظيفة في توحيد التعدّد الذي يميّز الأشكال الرمزية، إضافة إلى إبرازه طبيعة علاقة كاسيرر بالفلسفة الهيغلية وارتباطه بالفلسفة الكانطية، واستثماره أفكار هاتين الفلسفتين ومنهجيهما، في تحديد نسقية الفلسفة والدفاع عن ضرورة الحفاظ على انفتاحها؛ من أجل تأكيد تميّز الإجابة الكاسيررية، على الرغم من استنادها إلى غيرها من الإجابات في تاريخ الفكر الفلسفي.

دلالات
المساهمون