"أهازيج النوبة": ثلاث تجارب مع خطوط بلاد الذهب

26 مايو 2019
(لوحة لأحمد سليم، من المعرض)
+ الخط -

ظهرت بلاد النوبة بشكل لافت في اسكتشات الفنان المصري سيف وانلي (1906 - 1979)، ولوحاته خصوصاً بيوت النوبيين وقراهم وقبور أسلافهم، وكذلك الأمر في أعمال كثيرة لحسين بيكار (1913 - 2002) الذي اشتغل أكثر على الأزياء والشخصيات والرقص والطبيعة في جنوب مصر.

نجد هذا التأثير أيضاً في تجارب تحية حليم (1913 - 2003)، وأحمد عثمان (1934 - 1970)، ثم في أجيال لاحقة مع أحمد الدندراوي، وفريد فاضل، وجمال عبد اللطيف، كما شهدت السنوات الأخيرة تنظيم ملتقيات ومعارض خاصة تركّز على التراث النوبي، وإن كان حضوره في الفعاليات الرسمية يكاد ينحصر في الموسيقى والغناء.

تستعاد النوبة هذه الأيام من خلال معرض تشكيلي بعنوان "أهازئج نوبية"، يتواصل حتى الأول من الشهر المقبل في "غاليري خان المغربي" في القاهرة. معرضٌ يضمّ أكثر من ثلاثين لوحة للفنانين: أحمد سليم (1968)، وإيهاب لطفي (1967)، وإسلام عبادة (1977).

هكذا فنحن نقف على تناول جيل جديد لمفردات النوبة البصرية، وهو جيل غير منقطع عن جنوب مصر، فقد وُلد سليم في إحدى بلدات الصعيد الجوّاني شمالي أسوان، فشكّلت ملامح المكان الأول معظم لوحاته التي قدّمها منذ التسعينيات، سواء في اللوحات الزيتية والمائية والباستيل والإفرسيكو، وفيها يتتبع مظاهر الفرح وألعاب الطفولة والعادات والتقاليد في "أرض الذهب"، وفق التسمية الشائعة.

تعكس لوحات سليم المقدّمة في المعرض حالة استعادية من الحنين المتواصل، ليس إلى مكان ربما لم يبتعد عنه، بالنظر إلى عمله مدرساً في "جامعة المنيا"، لكنه يمثّل استرجاعاً لطقوس وممارسات تطمرها التطوّرات المتسارعة خلال العقود الماضية.

ينتبه سليم إلى الأماكن والأشخاص والأعراف، التي تتمازج فيها جذور أفريقية وفرعونية وعربية مثل ألعاب الصبية والختان، ومراسم الزواج ورقصات الكف والسجاجيد النوبية، وفي الوقت نفسه يستخدم خامات من البيئة التي يقاربها مثل الطين والجير الطازج وألوان الأكاسيد الطبيعية.

أما لطفي، فرصد في أعماله الرموز والمفردات التي تنتمي إلى الحضارة المصرية القديمة، حين اشتغل بالخصوص على النساء بملامحهن السمراء وأزيائهن وزينتهنّ، وتفاصيل حياتهن اليومية. في ذلك، يراوح الفنان بين الواقعية والتعبيرية في تشكيل المكان وبناء عناصره، وتتميز خطوطه بالوضوح والثبات، وهو يعتمد على تنوّع لوني خاصة في انتقالات بين الأحمر والبني أو مشتقّات الأزرق في السماء وصفحة النيل، مستعملاً تقنيات وخامات مختلفة تتنوّع بين الحفر على الخشب والرسم بالأكريليك والألوان المائية والأحبار.

من جهته، يقارب عبادة في منحوتاته الشكل الحيواني، متتبعاً الحركة في أقصى حالات فرحها وانفعالها، وبذلك تبدو أعماله بعيدة على الأقل في موضوعاتها، عن تلك التي يقدّمها سليم ولطفي وإن اشترك مع الأخير في تعامله مع الطبيعة، والتقائه مع الثيمة الرئيسية للمعرض. وحين يذهب عبادة نحو التجريد فهو يحاكي أشكالاً طبيعية تتصل بالماء والنهر تحديداً.

المساهمون