على بُعد أمتار قليلة من ساحة باب الخليل، حيث نصبت المنصة الرئيسية لمهرجان "أنوار القدس 2014"، الذي تنظمه بلدية الاحتلال بالتعاون مع سلطة الآثار ومكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعدد من الوزارات الإسرائيلية، وقفت مجموعة من النشطاء المقدسيين تراقب بغضب فعاليات المهرجان.
راقبت المجموعة أيضاً سلسلة من الرسومات والأشكال المستوحاة من الرواية الإسرائيلية التي يصفها الناشط المقدسي، أحمد جابر، بأنها "روايات كاذبة تسرق من القدس عروبتها وإسلاميتها، وتصادر حضارة الانسان فيها".
وبينما كان أحمد ورفاقه يتابعون تلك الفعاليات، مرّت من أمامهم مجموعة من المتطرفين دون سن العشرين، واقتربت منهم وسط صيحات هستيرية تهتف بـ"الموت للعرب". استعاض الطرفان عن عراك الأيدي باشتباك كلامي قبل أن تتدخل عناصر من الشرطة لتفصل بين المتعاركين وتُبعد مجموعة المتطرفين إلى داخل موقع الاحتفال.
زادت هذه الحادثة من غضب رفاق أحمد، فانبرى مؤمن أبو صبيح للغناء للأسرى المضربين عن الطعام، منشداً أغنيته المفضّلة: "عوفر والمسكوبية والسجن اللي في الصحرا".
وعلى لحن تلك الأغنية المحبب لأحمد ورفاقه، مضوا إلى موقع متاخم لمقام النبي داود، إذ أمكنهم من هناك إلقاء نظرة على البلدة القديمة التي بدت شوارعها وأزقتها مهجورة تماماً بعد إغلاق المحال التجارية أبوابها، أمس الخميس، تضامناً مع الأسرى المضربين عن الطعام.
ولم يقطع الصمت المطبق على المدينة سوى أصوات الموسيقى المنبعثة من المهرجان بلغات لا تمتّ لعروبتها بصلة، وبين حين وآخر تسمع صرخات هستيرية على وقع نشيد: "شعب إسرائيل حي"، تطلقه مجموعات من الفتية أتت خصيصاً لتستفزّ المقدسيين، كما يقول محمد الصالحي، لـ"العربي الجديد".
ويمتلك الصالحي، وهو صاحب متجر سياحي في سوق البازار، سجلاً حافلاً من المواجهة اليومية مع المستوطنين.
وينظر كثير من المقدسيين إلى هذا المهرجان بكثير من الريبة والشك، بل يصفونه بأنه مهرجان تهويدي بامتياز يعتمد الأساطير وتزوير تاريخ المدينة.
وفي السياق، قال المتخصص في عمارة القدس وتاريخها، جمال عمرو، لـ"العربي الجديد"، إن أخطر ما في المهرجان نشرته باللغات الإنجليزية والعبرية والعربية، ومسارات المهرجان الثلاث (الأبيض، والأزرق، والأخضر)، التي تقود الزائر إلى حارات القدس القديمة (حارة الأرمن، والشرف، والنصارى)، إضافة إلى أبوابها (باب العمود، والجديد، والخليل)، وتغيير أسماء الشوارع والطرقات والأزقة، بأسماء يهودية.
وأوضح عمرو أن المسجد الأقصى أصبح "جبل الهيكل"، و"ساحة البراق" أصبحت "ساحة حائط المبكى"، وباب النبي داود تحوّل إلى "باب صهيون"، وشارع وادي حلوة ببلدة سلوان استبدل بـ"شارع معاليه هشالوم". أما مغارة الكتان، فتمت تسميتها بـ"مغارة صدقياهو"، و"باب الجديد" أصبح "شاعر هحداش"، بينما "مأمن الله" تحول إلى "مميلا".
ومهرجان "الأنوار" هو جزء من سياسة التهويد واستباحة المستوطنين للمدينة وأدائهم لطقوسهم الدينية على أسوار القدس المحتلة، ولا سيما في باب الخليل وباب النبي داود، في أكثر من منطقة، وتحديداً في باب المغاربة، بحسب عمرو.
في موازاة ذلك، يرى ناشطون مقدسيون أن المهرجان يلغي واقعهم الثقافي والفني والإنساني، ويسلب من أسوار القدس العتيقة بهجة مصابيح رمضان، في وقت تشن فيه السلطات الإسرائيلية حملة شعواء على المؤسسات الثقافية والفنية، مثل المسرح الوطني ومركز يبوس. كما تحارب بلا هوادة أنشطة لأطفال بذريعة وقوف السلطة الفلسطينية خلفها.
وفي السياق، يستذكر الناشط أمين صيام، في حديثه لـ"العربي الجديد"، كيف قاوم الاحتلال الإسرائيلي بعنف فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية في العام 2009، وقمع فعالياتها المختلفة، فيما أغلق عشرات المرات مؤسسات احتضنت تلك الفعاليات.
إلى ذلك، رأى مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن "مهرجان الأنوار التهويدي ما هو إلا انعكاس تام لسياسة الاحتلال والإحلال التي تمارسها إسرائيل منذ قيامها".
وأضاف الحموري: "في القدس، نجحوا إلى حد كبير في تهويد كثير من قطاعاتها ومرافقها، ديموغرافياً من خلال توطين أكثر من 300 ألف مستوطن في القدس على حساب المقدسيين الذين كانوا ضحية سياسة تطهير عرقي".
وفي الاقتصاد أيضاً، لفت الحموري إلى إنشار أسواق بديلة لتحل محل الأسواق الفلسطينية، "مثل سوق كاردو في حارة الشرف بالبلدة القديمة، وقبل سنوات أقاموا مجمعات تجارية ضخمة على خط التماس بين شطري المدينة، كان آخرها المجمع التجاري ماميلا في منطقة باب الخليل. واليوم انتقلوا في معركة الاحتلال والإحلال إلى الفن والثقافة وحضارة المكان، ليبدو متماشياً مع أساطيرهم التوراتية وما أكثرها".