"أحرار الشام" ترفع علم الثورة السورية: تغيير تدريجي للخطاب

10 يوليو 2017
انضمت فصائل لـ"أحرار الشام" لحماية نفسها(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
تلقي عملية قيام حركة "أحرار الشام الإسلامية" برفع علم الثورة السورية على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، أول من أمس، الضوء مجدداً على التحولات التي تجري داخل الحركة، لجهة انتقالها المتدرج ببطء، ولكن المستمر، من الخندق "الجهادي السلفي" إلى الفضاء "الإسلامي الوطني"، على نحو يجعلها مقبولة أكثر من جانب مجتمعاتها المحلية، فضلاً عن المجتمع الدولي.

وكان قائد "حركة أحرار الشام"، أبو عمار العمر قد ظهر في مقطع مصور في 22 يونيو/حزيران الماضي، وإلى جانبه علم الثورة السورية، في سابقة هي الأولى من نوعها لقادة "الأحرار". وفي سلسلة تغريدات له على "تويتر"، أمس الأحد، اعتبر القيادي في "أحرار الشام"، أبو عزام الأنصاري، أن "رفع علم الثورة لا يعتبر إنجازاً، وإنما تصحيحاً لخطأ طال كثيراً"، مشيراً إلى أن سبب التأخير برفعه كان مراعاة، لمن وصفهم، بـ"الغلاة والمتنطعين". وقال الأنصاري إن الشعب الثائر المظلوم يريد أكثر من مجرد رفع علم الثورة، لافتاً إلى أن "الحركة تتبنى أهداف الثورة، وفي مقدمتها رفع الظلم ونشر العدل تحت راية الثورة الخضراء". ورأى أن من يربط التوحيد بالراية البيضاء والشرك بالراية الخضراء (علم الثورة) فهو "سقيم الفهم ضعيف الإدراك"، مؤكداً أن "هدفنا، نشر الإيمان في القلوب، والعدل في الأرض. نقاتل تحت راية الثورة الخضراء". وتشير تصريحات الأنصاري إلى أن عملية التحول داخل الحركة، والتي بدأت منذ فترة طويلة، وتخللها كثير من الخلافات والانقسامات والانشقاقات، بدأت تتسارع، خصوصاً بعد أن غادر الحركة باتجاه "هيئة تحرير الشام" كبار القادة المتشددين ممن كان وجودهم يعيق عملية التحول، وفي مقدمتهم القائد السابق للحركة، أبو جابر الشيخ، والقائد العسكري السابق، أبو صالح الطحان. وجاء اختيار أبو عمار العمر، نهاية العام الماضي، قائداً للحركة، بمثابة انتصار للتيار الذي يُوصف بـ"الإصلاحي" داخلها، ويؤيد الانفتاح على تيارات المعارضة، السياسية والعسكرية، والمحافظة على الفكر المعتدل.

ويقول عضو المكتب السياسي في الحركة، لؤي عبد الملك، المعروف باسم "أبو يزن"، في تصريح، لـ"العربي الجديد"، إن "الحركة منذ تأسيسها لم تبتعد عن مطالب الثورة، وكانت حركة شعبية، وكان ارتباطها بالسلفية الجهادية ارتباطاً فكرياً، وجرى عليه مراجعات من القادة، الشهداء والأحياء، وهذا أمر صحي". ورأى أن "توصيف الحركة لم يكن أنها حركة جهادية، وإنما نحن حركة شعبية إسلامية، لا تتبنّى الجهاد القتالي كوسيلة وحيدة للتغيير، بل تسير بمسارات متوازية، منها مسار عسكري وآخر سياسي ومدني ودعوي"، مشيراً إلى أن التبدل في خطاب الحركة، من خلال مناداتها بالمشروع الوطني، ليس جديداً، وإنما هذا التحوّل بدأ منذ عام 2014، قبل اغتيال قيادات الحركة الرئيسيين، وتجسد التغيير حينها من خلال التوقيع على ميثاق الشرف الثوري الذي توافقت عليه معظم مكونات الثورة. وكان من أبرز بنود الميثاق أن "محددات وضوابط العمل الثوري مستمدة من الشرع الحنيف، وأهمية الحفاظ على وحدة التراب السوري، وأن مشروع الفصائل هو مشروع ثوري وطني، وليس مشروعاً عابراً للحدود". وبشأن رفع الحركة لعلم الثورة السورية، قال عبد الملك إن هذه الخطوة ليست مبنية على أية ضغوط خارجية، ولا تتصل بطلب النظام إزالة الرموز والشعارات الدينية في مليشياته، كما أنها ليست كما قال بعضهم "اصطياداً في الماء العكر"، وإنما جاء رفع الحركة لعلم الثورة بناءً على توافق السواد الأعظم من الشعب السوري على ذلك، إضافة إلى أن علم الثورة كان أول راية رفعت نكايةً بالنظام السوري، ولأن هذا العلم كان مُعتمداً في سورية قبل أن يسلب حزب "البعث" السلطة في انقلاب عام 1963، وهو علم الاستقلال وليس الانتداب كما يروج بعضهم، لأن الانتداب الفرنسي كان قد حارب هذا العلم الذي كان الثوار يرفعونه، مثل إبراهيم هنانو، معتبراً أن رفع العلم فيه من المعاني التي تعيد روح الثورة من جديد، وتدعو لوحدتها والالتصاق بحاضنتها.



وكانت "حركة أحرار الشام" قد قرّرت اعتماد علم الثورة راية موحّدة لها، إضافة إلى اعتمادها القانون العربي الموحد للقضاء في جميع المحاكم التابعة لها في سورية، وهما الخطوتان اللتان أعادتا الثقة بأن الحركة ما زالت باقية على نهج الإصلاح، وهو الشرط الذي وضعته كثير من الفصائل الهاربة من بطش "جبهة النصرة" من أجل انضمامها إلى الحركة مطلع العام الحالي، إذ دخلت الحركة منذ ذلك الوقت في جمود بشأن عملية الإصلاح، الأمر الذي خلق هواجس لدى الفصائل الوافدة إلى الحركة، والتي ليس لبعضها خلفية إسلامية. وكانت "جبهة النصرة" قد حاولت على مدار عامين ونصف العام، منذ نهاية عام 2014 حتى بداية 2017، تفكيك كثير من الفصائل الأقل حجماً والتابعة لـ"الجيش الحر" في الشمال السوري، ونجحت بالنسبة إلى بعضها، لكن فصائل أخرى اختارت الانضمام إلى "حركة أحرار الشام" لحماية نفسها. ومن أبرز الفصائل التي انضمت إلى الحركة، وساعد وجودها على إغناء تكوين الحركة، وإضافة ألوان أخرى إلى اللون الإسلامي، "جيش المجاهدين" و"تجمع فاستقم"، و"لواء صقور الشام"، وفرع "جيش الإسلام" في الشمال. كذلك استفادت "أحرار الشام" من التعاطف الشعبي الذي حظيت به بعد اغتيال القادة المؤسسين، إذ اعتبر كثر، بمن فيهم معارضو التيار الإسلامي داخل قوى الثورة والمعارضة، أن الحركة تشكل ملاذاً جيداً للشباب المعارض الذي تأثر بموجة صعود التيار الجهادي وأسلمة الثورة، بدل استقطابهم من قبل "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش". ويرى المراقبون أن الحركة باتت اليوم جاهزة لإنجاز مزيد من الخطوات على طريق التحول الداخلي من دون أي محاذير تذكر، بسبب رحيل الفريق المتشدد من قيادة الحركة مطلع العام الحالي، بعد سلسلة من الصدامات مع الفريق "الإصلاحي" كادت أن تعصف بالحركة. أضف إلى ذلك، وجود استعداد كبير لدى قواعد الحركة من أجل التغيير، إذ باتت تلك القواعد منسجمة اليوم بشكل عام.

وتترافق التحولات في "أحرار الشام" مع تحولات مماثلة في تنظيم إسلامي آخر يتمركز في الغوطة الشرقية بريف دمشق، وهو "جيش الإسلام"، والذي تبنى بدوره علم الثورة في فبراير/ شباط الماضي، وهو ما اعتبره "التيار السلفي الجهادي" مخالفاً للشرع، واستجابة لإملاءات وضغوط خارجية، بينما يرى مقربون من الفصيلين أن هذه التحولات تأتي خلافاً لإرادة القوى المتحكمة بالملف السوري، مشيرين إلى اغتيال كل القادة الذين بادروا لإطلاق هذه التحولات الفكرية والسياسية، مثلما حدث مع قادة "أحرار الشام"، والذين دفعوا ثمن توجههم إلى إعادة بناء الحركة، إضافة إلى اغتيال القائد السابق لـ"جيش الإسلام"، زهران علوش. يبقى أن نشير إلى أن "أحرار الشام" تتبنى نهجاً حذراً في مواقفها السياسية، ومنفتحاً في تعاملاتها الداخلية مع المجتمع المحلي. ويقول عبد الملك إن "الحركة تحاول أن تلتصق بحاضنتها الشعبية من خلال تقديم الخدمات للناس ودعم المجالس المحلية، وتقدم الكفاءات لإدارة شؤون الناس، وتحاول أن تنحي الفصائلية عن الموضوع المدني والخدمي"، كاشفاً عن وجود عقبات ومشاكل كثيرة مع "هيئة تحرير الشام" في هذا الخصوص.