"آيس كريم في جليم"...سيرة ذاتية لعمرو دياب وخيري بشارة

09 سبتمبر 2015
عمرو دياب في الفيلم (فيسبوك)
+ الخط -
دائماً ما تحمل الأفلام المهمة، أو العظيمة، أكثر من حكاياتها المباشرة، يمكن للمتفرج أن يراها بأكثر من صورة وجانب.
فيلم المخرج خيري بشارة "آيس كريم في جليم"، الذي أنتج عام 1992، وعرض، ليلة الأحد، في قاعة "سينما زاوية" في وسط القاهرة كتكريم لاسم الممثل الذي رحل، منذ أسابيع قليلة، علي حسنين، واحد من تلك الأفلام التي يمكن قراءتها بعشرات الطرق، واحد منها هو صلة الفيلم بصانعيه.. بطله ومخرجه.

سيف وعمرو دياب.. بس انتَ تغني واحنا معاك



في أحد مشاهد الفيلم يقول "نور"، الشاعر الناصري الذي يقوم بدوره الممثل أشرف عبدالباقي، لـ"سيف"، البطل الذي يبحث عن فرصة في الغناء، إن "صوتك حلو.. بس محتاج تغني كلام أهم من اللي أنت بتغنيه".


في سياق أوسع من اللحظة الدرامية في داخل الفيلم، سياق يستوعب أن المُتحدث إليه هو عمرو دياب، المغني المصري الأكثر أيقونية في ذلك الوقت ولعقدين بعدها، يبدو وكأن الحديث يوجه إليه مباشرة.
أنتج الفيلم عام 1992، عمرو دياب كان وقتها في إحدى قمم مسيرته الغنائية المتصاعدة باستمرار منذ ألبومه "ميال" (1988)، خليط الموسيقى الجديدة على الأذن، بالشكل والشخصية الجاذبة للشباب، مع استغلال لـ"الفيديو كليب"، كلها ساهمت في نجاحه، والذي ثَبّته في 3 ألبومات تالية مباشرةً: شوقنا (1989) متخافيش (1990) وحبيبي (1991).
سيف في الفيلم يبحث عن فرصة للغناء، حين يقابل "نور" في السجن بالمصادفة ينصحه بأنه يجب أن يقلل من سماعه وهوسه بالموسيقى الأجنبية ويقترب أكثر من الناس، (الكلام المهم) أمر نسبي.. يغني سيف "رصيف نمرة 5" .. ولاحقاً يقرر أن يغني أغاني تعبر عنه أكثر من محاولتها الاشتباك مع هم اجتماعي وعام، والنقطة الجوهرية أنها كانت تعبر عن "سيف"/"عمرو دياب" فعلاً.




يبدو الفيلم في إعادة مشاهدة بعد 23 عاماً من إنتاجه، وبإدراك أكبر للحظة والسياق الذي خرج فيه، وكأن مخرجه خيري بشارة يدفع عمرو دياب نفسه نحو "غناء كلام أهم" أو بصيغة أخرى "أكثر ذاتية".

"الدفع" لا يتعلق فقط بجملة حوارية تُقال من "نور" صديقه، ولكن بطبيعة الأغاني التي غناها عمرو دياب في الفيلم نفسه بإشراف من "بشارة"، والمختلفة عن أي شيء آخر في تاريخه، ففي الأفلام الأخرى التي قام ببطولتها "دياب" يكون الدافع دائماً هو استغلال نجوميته، والاعتماد على أغاني نجحت أصلاً مع الناس واستثمارها تجارياً في السينما، مع أفلام مثل "العفاريت" (1990) أو "ضحك ولعب وجد وحب" (1993).


فيلم "آيس كريم في جليم" هو الوحيد الذي نُفذت فيه أغاني من أجل الفيلم نفسه، ودعماً لـ"ذاتية" وخصوصية بطله وأحداثه وسياقاته الدرامية، ولهذا السبب فأغاني مثل "أنا حر" أو "بس انتَ تغني واحنا معاك" أو "آيس كريم في جليم" وبالطبع "رصيف نمرة 5".. تحمل "حسَّاً" مختلفاً عن المعتاد في أغاني عمرو دياب والمساحات الآمنة التي تتحرك فيها.






هذا الأثر هو أثر "خيري بشارة" ــ الذي كُتب له شُكر خاص على غلاف الألبوم الذي صدر لأغاني الفيلم لاحقاً ــ ويجعل جانباً من أهمية الشريط هو التماهي أصلاً بين شخصية "سيف" وعمرو دياب نفسه.



في أحد مشاهد الفيلم يقول "نور"، الشاعر الناصري الذي يقوم بدور الممثل أشرف عبدالباقي، لـ"سيف"، البطل الذي يبحث عن فرصة في الغناء، أن "صوتك حلو.. بس محتاج تغني كلام أهم من اللي انت بتغنيه".

في سياق أوسع من اللحظة الدرامية بداخل الفيلم، سياق يستوعب أن المُتحدث إليه هو عمرو دياب، المغني المصري الأكثر أيقونية في ذلك الوقت ولعقدين بعدها، يبدو وكأن الحديث يوجه إليه مباشرة.

أنتج الفيلم عام 1992، عمرو دياب كان وقتها في إحدى قمم مسيرته الغنائية المتصاعدة باستمرار منذ ألبومه ميال (1988)، خليط الموسيقى الجديدة على الأذن، بالشكل والشخصية الجاذبة للشباب، مع استغلال للـ"فيديو كليب"، كلها ساهمت في نجاحه، والذي ثَبّته في 3 ألبومات تالية مباشرةً: شوقنا (1989) متخافيش (1990) وحبيبي (1991).

سيف في الفيلم يبحث عن فرصة للغناء، حين يقابل "نور" في السجن بالمصادفة ينصحه بأنه يجب أن يقلل من سماعه وهوسه بالموسيقى الأجنبية ويقترب أكثر من الناس، (الكلام المهم) أمر نسبي.. يغني سيف "رصيف نمرة 5" .. ولاحقاً يقرر أن يغني أغاني تعبر عنه أكثر من محاولتها الاشتباك مع هم اجتماعي وعام، والنقطة الجوهرية أنها كانت تعبر عن "سيف"
/"عمرو دياب" فعلاً.

(فيديو رصيف نمرة 5)

يبدو الفيلم في إعادة مشاهدة بعد 23 عاماً من إنتاجه، وبإدراك أكبر للحظة والسياق الذي خرج فيه، وكأن مخرجه خيري بشارة يدفع عمرو دياب نفسه نحو (غناء كلام أهم) أو بصيغة أخرى (أكثر ذاتية).

(الدفع) لا يتعلق فقط بجملة حوارية تُقال من "نور" صديقه، ولكن بطبيعة الأغاني التي غناها عمرو دياب في الفيلم نفسه بإشراف من "بشارة"، والمختلفة عن أي شيء آخر في تاريخه، ففي الأفلام الأخرى التي قام ببطولتها "دياب" يكون الدافع دائماً هو استغلال نجوميته، والاعتماد على أغاني نجحت أصلاً مع الناس واستثمارها تجارياً في السينما، مع أفلام مثل "العفاريت" (1990) أو ضحك ولعب وجد وحب (1993).

فيلم "آيس كريم في جليم" هو الوحيد الذي نُفذت فيه أغاني من أجل الفيلم نفسه، ودعماً لـ"ذاتية" وخصوصية بطله وأحداثه وسياقاته الدرامية، ولهذا السبب فأغاني مثل "أنا حر" أو "بس انتَ تغني واحنا معاك" أو "آيس كريم في جليم" وبالطبع "رصيف نمرة 5".. تحمل (حسَّاً) مختلفاً عن المعتاد في أغاني عمرو دياب والمساحات الآمنة التي تتحرك فيها.

(أغنية بس انتَ تغني واحنا معاك)

هذا الأثر هو أثر "خيري بشارة" –الذي كُتب له شُكر خاص على غلاف الألبوم الذي صدر لأغاني الفيلم لاحقاً-، ويجعل جانباً من أهمية الشريط هو التماهي أصلاً بين شخصية "سيف" وعمرو دياب نفسه.


سيف وخيري بشارة.. الشخصي


في مشهد مُقابل، بداخل السجن مرة ثانية، يتحدث سيف لـ"نور" هذه المرة معترضاً على شيء من كلمات الأغنية التي غناها لتوه، والتي تحاول التقاط تغيرات الشارع في مصر خلال تلك المرحلة، فيقول سيف: "أنا كلامك حبيته.. بس نفسي أغني عن نفسي.. عن حاجات تخصني.. يمكن تكون بسيطة.. يمكن تكون تافهة لكن حاسسها.. عايز أبقى أنا بكل اللي جوايا".
تكتسب الجملة هنا، في سياقها الأكبر، أيضاً، صلة أخرى مع مخرج العمل خيري بشارة، كأنها – بشكل واعٍ أو غير واعٍ ــ صوته الخاص.


أقرأ أيضاً:أفضل 30 فيلماً مصرياً في "مهرجان الإسكندرية".. ما الجديد؟


مسيرة "بشارة" تحكي عن ذلك بشكل مُختلف، في الثمانينيات كان واحداً من أهم أسماء "الواقعية الجديدة"، أخرج 3 أفلام من علامات تلك المرحلة: "العوامة رقم 70" (1982).. كان يجسد اهتماماً له علاقة بالفساد الموجود في كل مكان، صحيح أن الفيلم له صلة ذاتية بـ"بشارة"، فبطله مخرج أفلام تسجيلية يحمل بعض همومه، ولكن يبدو أن الحل الذي توصل إليه في النهاية بشكل من الأشكال هو حل "جماعي". بعدها يخرج "الطوق والأسورة" (1986) عن رواية يحيى الطاهر عبدالله.. شيء من تتبع الأثر والحكي والحواديت بنفس شاعري جداً على الرغم من بعض ملامح الواقعية، ثم "يوم مر ويوم حلو" (1988) الذي ينتمي تماماً للواقعية ويحكي عن أسرة من أرملة و5 أبناء يعيشون في حي شبرا.

بعد ذلك تتغير السينما في مصر، في وقت يكون خيري بشارة مهيئاً، أيضاً، للتغير، لم يعد الإنتاج يحتمل أو يُدعم أفلام بنكهة وثقل الأفلام الثلاثة، كما أن الـ"حلم الجماعي" الذي انشغل فيه الجيل الذي كبر في فترة جمال عبدالناصر خفت تماماً في مقابل الـ"هم الشخصي" في مجتمع مترنح، فأراد المخرج ـ كما يقول بطله- أن يصنع أفلاماً "أكثر صلة به".

أفلام بشارة في تلك الفترة، "كابوريا" (199) "أمريكا شيكا بيكا (1993)، "حرب الفراولة" (1994)، "قشر البندق" (1995) و"إشارة مرور" (1996)، عوضاً عن "آيس كريم في جليم" نفسه، أصبحت متحررة أكثر من الإتقان والكلاسيكية، وأكثر ميلاً للتجريب، كلها ممتلئة بالغناء، 4 أصلاً من بطولة مطربين، والاثنان الباقيان يدفع فيهما أحمد زكي أو يسرا إلى الغناء، أفلام أكثر صلة بشخوص أبطالها عوضاً عن "الحدث"، وفي الجوهر، أيضاً، على صلة أبعد بـ"بشارة" نفسه، خفيف الروح الذي يصف نفسه في حوار قديم أنه "يحب الضحك ويكره الزعل"، وبالمثل، تماماً، كانت أفلام تلك المرحلة التي تفاوض وتلاعب فيها كثيراً مع واقع قبيح من أجل أن يبقى داخل لعبة السينما.

مشاهدة "آيس كريم في جليم" من جديد ولّدت هذه الأفكار، لأنه ــ ككل الأفلام العظيمة ــ يحمل الكثير من الطبقات والحكايات في داخله، ومن ضمنها يمكن أن تجد بشارة.. ودياب.. وتسعينيات القاهرة.. وسيف.. والجيل الذي يعبر عنه سيف.

أقرأ أيضاً:أغنيات تفوّقت على أفلامها: "أزأز كابوريا" و"كامنّنا"..
دلالات
المساهمون