عيد العمال في فلسطين: قتل وتشريد وتجويع

عيد العمال في فلسطين: قتل وتشريد وتجويع

01 مايو 2024
عمال يعودون إلى غزة من معبر كرم أبو سالم يوم 3 نوفمبر 2023 (محمد عابد/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- محسن عبد الرزاق عودة، عامل فلسطيني يواجه صعوبات بعد فقدان عمله بسبب أحداث طوفان الأقصى، مما يعكس أزمة البطالة المتفاقمة بين العمال الفلسطينيين.
- الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين يعلن عن عودة العمال إلى أماكن عملهم، ولكن الخسائر المالية الكبيرة تشير إلى تأثير هائل على الاقتصاد الفلسطيني دون دعم كافٍ.
- الوضع في قطاع غزة يظهر تحديات أكبر بسبب العدوان الإسرائيلي، مع تأكيد على الحاجة لنموذج اقتصادي جديد يقلل الاعتماد على العمالة في الداخل المحتل.

يجد العامل الفلسطيني محسن عبد الرزاق عودة (55 عاماً) نفسه وحيداً عاجزاً عن الإيفاء بتكاليف الحياة اليومية لأسرته المكونة من ثمانية أفراد، وأكبر أبنائه طالب في كلية الهندسة في جامعة النجاح في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية. مضى سبعة أشهر على فقدان عودة عمله في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 عقب أحداث طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهو حال غالبية عمال فلسطين الذين يعملون في الداخل من دون إسناد من أحد. 

البطالة تطاردهم 

يقول عودة لـ"العربي الجديد": "كنا نتندر في الأعوام السابقة عندما يأتي يوم العمال العالمي في الأول من مايو/ أيار من كل عام بأن الجميع يأخذ إجازة إلا العامل، لكننا اليوم نجد أنفسنا في هذه الذكرى نستجدي المساعدة. لم أتخيل يوماً أن أصل إلى هذه الحالة الصعبة، فلا أكاد أجد قوت عائلتي".ويضيف: "بعد هذا العمر لا أقوى على العمل على بسطة أو أن أبيع على إشارات المرور كما أجبرت الظروف زملاء سابقين لي".

يتابع: "صحيح أننا كنا نعمل في الداخل ولدى أرباب العمل والمصانع الإسرائيلية، لكننا لو وجدنا فرصة لنا هنا لما ذهبنا إلى هناك. فالسوق المحلي لا يستوعب كل هذه الأعداد الضخمة من الأيدي العاملة، وثانياً، كنا نضخ ملايين الشواكل الإسرائيلية بالأسواق في قطاعات كثيرة". 

لا إسناد لهم 

يوجه عودة عتبه الشديد إلى وزارة العمل الفلسطينية واتحادات العمال ونقاباتها التي تركتهم في مهب الريح. يشاركه الرأي العامل وائل مشة من مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين شرق نابلس، الذي طرق أبواباً كثيرة عله يجد فرصة عمل من دون جدوى. 

ويقول العامل الفلسطيني : "في عيدنا بتنا متسوّلين. أنا لا أبالغ في وصف الحالة التي وصلنا إليها نحن من يطلقون علينا (عمال الداخل)، كانوا يحسدوننا على المبالغ التي نتقاضاها مقارنة بالعامل في السوق المحلية، وهذا صحيح، لكنهم يتناسون أننا كنا نخرج من بيوتنا في العتمة ونعود إليها في العتمة، والأهم أننا كنا نؤدي دوراً في تحريك عجلة الاقتصاد". 

يتابع: "لم نسمع أن الحكومة شكلت لجنة لدراسة حالتنا أو لتعويضنا ولو جزئياً أو حتى للتخفيف من الإجراءات الواقعة علينا. بعضنا بات ملاحقاً لأن الشيكات التي كتبها على نفسه لم تُصرف لعدم كفاية الرصيد وأصبح مطلوباً للاعتقال". 

محاولات للعودة 

كان الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد، أعلن عودة الآلاف من العمال الفلسطينيين إلى أماكن عملهم في الداخل المحتل بداية الشهر القادم، وفقاً لاتصالات تلقوها من شركات كانوا يعملون فيها، لافتاً إلى أن نحو 14500 عاملاً ممن كانوا يمتلكون تصاريح للعمل في الداخل في مجالات الصناعة والصحة والقطاعات الخدماتية وعدد قليل منهم في مجال البناء، سبق أن عادوا إلى العمل، بشرط عدم البقاء داخل الأراضي المحتلة. 

ووفق سعد، فإن خسائر العمال الذين تعطلوا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المالضي تجاوزت سبعة مليارات شيكل (الدولار = نحو 3.7 شواكل) وهذه الخسائر الهائلة لها آثار سلبية على الاقتصاد الفلسطيني.

وعن تعويض العمال والتخفيف عنهم، يوضح سعد أن الاتحاد اجتمع مرات عديدة مع سلطة النقد الفلسطينية من أجل تأمين سلفة مالية للعمال من البنوك لكنها لم تلتزم، علماً أنها كانت تطلب من العمال فتح حسابات لديها مع ضمان تسهيلات لهم. 

ويشير سعد إلى أن اتحاد النقابات خاطب الاتحاد الدولي للنقابات ITUC واتحاد نقابات عمال أميركا ونقابات عمالية عالمية ومنظمة العمل الدولية لوضعهم في صورة الظلم والاضطهاد الذي يعانيه عمال الداخل، إذ نجحت الجهود في تحصيل مبلغ مالي تم توزيعه على عمال غزة الذين لجؤوا إلى الضفة الغربية. 

فقدان مورد مالي مهم 

الخبير الاقتصادي سامح العطعوط يوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الدخل المتأتي من العمال في الداخل كان يشكل دورة مالية توصف بأنها جيدة اقتصادياً، كانت قيمته مليار ونصف مليار شيكل شهرياً، بمعدل 18 ملياراً سنوياً أي 4.5 مليارات دولار سنوياً، ما يشكل ما بين 33% إلى 35% من حجم الناتج الإجمالي الفلسطيني، أي يمثل ثلث الاقتصاد الفلسطيني، هذا يضاف إلى دورهم المهم في تحريك الدائرة التجارية. 

ويؤكد العطعوط أن توقفهم عن العمل أدى من دون أدنى شك إلى ضربة قاتلة للشقين، المالي المتمثل بدورهم في إدخال عملة الشيكل إلى السوق المحلي، إذ تراجعت قدرتهم الشرائية إلى مستويات غير مسبوقة، فقد كان دخلهم المرتفع جداً مقارنة بعمال الضفة الغربية يجعلهم يُقبلون على الشراء وتحريك الأسواق التي كانت تكتظ وتنتعش أيام السبت من كل أسبوع تقريباً وهو يوم إجازتهم من العمل في الداخل، كما أن وضعهم المادي الممتاز شجعهم على شراء الأراضي وتشييد بيوت فخمة وتأثيثها بأفضل المفروشات، وهذا كله حرك قطاعات كثيرة وشغّل أيد عاملة. 

مشكلات اقتصادية 

يشير العطعوط إلى مشكلات اقتصادية كبيرة تحتاج إلى نموذج اقتصادي مختلف عن النموذج الاقتصادي الفلسطيني المبني منذ 33 عاماً، والقائم على العمالة في الداخل المحتل، بصفة رئيسية. ويقول العطعوط: "هنا السؤال الذي يجب أن يوجه إلى الجهات الرسمية الفلسطينية التي أهملت كل هذا التأثير لعمال الداخل وتركتهم يواجهون مصيرهم المحتوم في ظل غياب الخطط من وزارتي المالية والعمل".

ويتابع: "هل يعقل ألا يتم تشكيل لجان لدراسة النتائج المترتبة على توقفهم عن العمل في الداخل وآليات الاستفادة من هذا الشلال الجارف من الأيدي العاملة الماهرة التي كانت تعمل في شتى القطاعات في الداخل، والأهم البحث في آلية تعويضهم ولو جزئياً، فلو كان بعضهم يدّخر مالاً لكانت هذه الأشهر السبعة التي تلت السابع من أكتوبر، كافية لإنفاقها، ولا سيما لمعيلي العائلات الكبيرة أو أولئك الذين عليهم التزامات وأقساط ثمن أراضٍ اشتروها وبيوت شيدوها أو لديهم أبناء في الجامعات وأمور أخرى، وهل يعقل أن يترك من كان يساهم بثلث الناتج وحيداً من دون أي دعم أو تعويض؟". 

ويؤكد العطعوط بالقول: "نحن اليوم في حاجة إلى خطة اقتصادية مختلفة عن تلك التي كانت موضوعة قبل تطور الأحداث، فالعناصر التي كانت تؤهل الاقتصاد وتبقيه واقفاً على قدميه انتهت وتوقفت، لذا نحن اليوم في حاجة إلى بناء نموذج اقتصادي جديد". 

قتل وتجويع في غزة 

وفي قطاع غزة كان الوضع أكثر صعوبة من فلسطينيي الداخل، إذ بات مئات الآلاف من العمال في فوهة العدوان الإسرائيلي المباشر عبر القتل وتدمير مصادر الرزق بهدف تجويعهم. 

وفي هذا الإطار طالب رئيس المجلس الوطني روحي فتوح، في بيان صادر عنه، أمس الثلاثاء، بمناسبة يوم العمال العالمي إن على دول العالم والمؤسسات الدولية والشعوب الصديقة التدخل الفوري لحماية شعبنا خاصة في قطاع غزة وإيقاف العدوان الوحشي، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية. وشدد فتوح على ضرورة أن ترسل محكمة الجنايات الدولية فرق تفتيش وتحقيق جنائية بالمجازر، والإعدامات بحق المدنيين والنساء والأطفال في غزة. 

طرد وتشريد 

كان الآلاف من عمال غزة إما طردوا بعد السابع من أكتوبر الماضي من الأراضي المحتلة عام 1948، وإمّا انتقلوا بإرادتهم إلى الضفة الغربية خشية الاعتقال والتنكيل بعد توقف أعمالهم، وكان عدد منهم قال في شهادات لـ"العربي الجديد" إنهم تعرضوا للتنكيل والضرب والاحتجاز لساعات طويلة، في حين اعتقلت قوات الاحتلال الآلاف منهم في ظروف صعبة وقاسية، حيث تعرّض عدد منهم للتعذيب والقتل، وقامت سلطات الاحتلال بترحيلهم إلى قطاع غزة يوم الجمعة الماضي. 

وبحسب وزارة العمل الفلسطينية في قطاع غزة، وصل عدد الفلسطينيين من غزة الحاصلين على تصاريح للعمل في إسرائيل حوالي 18 ألفاً و500 عامل وذلك قبل انطلاق العدوان الإسرائيلي. وأعلن الاحتلال الإسرائيلي، في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الأول الماضي الإفراج عن سبعة آلاف عامل فلسطيني من سكان غزة كانوا يعملون في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وجرى احتجازهم مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. 

وأكدت إسرائيل آنذاك، أنها ستُعيد إلى غزّة جميع عمّال القطاع الذين علقوا في الأراضي الإسرائيلية منذ عملية طوفان الأقصى، و"قطع كل الصلات" مع القطاع، وعدم السماح لعمال غزة بدخول أراضيها.