تونس والجزائر: لا مكاسب جديدة للعمال

تونس والجزائر: لا مكاسب جديدة للعمال وصوت النقابات خافت

01 مايو 2024
جانب من احتجاج دعا إليه اتحاد عمال تونس يوم 2 مارس 2024 (حسن مراد/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- النقابات العمالية في تونس تواجه تحديات بسبب السياسات التقشفية، مما أدى إلى خفض المطالب والاكتفاء بتنفيذ الحد الأدنى من الاتفاقات، وسط هدوء حذر بعد فترة نشاط قوي.
- العمال في تونس يعانون من الغلاء والتضخم، مع تراجع النشاط النقابي ومواجهة الملاحقات القضائية والسجن، وتأثر المدرسين بقطع الرواتب بسبب احتجاجاتهم.
- في الجزائر، العمال يواجهون تحديات مماثلة مع أجور زهيدة ووعود حكومية غير ملبية للتطلعات، وسط اقتصاد يشهد انتعاشاً في مداخيل النفط دون تحسين أوضاع العمال.

لم تحقق النقابات العمالية في تونس العام الماضي مكاسب جديدة لفائدة العمال، فقد فرضت السياسة التقشفية للدولة خفض سقف المطالب والاكتفاء بتنفيذ الحد الأدنى من الاتفاقات السابقة.

وتمارس النقابات العمالية في تونس ما بعد 25 يوليو/ تموز 2021 سياسة الهدوء الحذر حيث خفت صوتها في الآونة الأخيرة بعد أن خاض الاتحاد العام التونسي على امتداد السنوات التي تلت الثورة العديد من المعارك مع السلطة لتحسين أوضاع الشغالين وصلت إلى حد تنفيذ إضراب عام شل البلاد في يناير/ كانون الثاني 2019.

ومنذ توقيع الاتحاد العام التونسي للشغل اتفاق الأجور مع الحكومة السابقة برئاسة نجلاء بودن في سبتمبر/ أيلول 2022 لم ترجع النقابة العمالية الأكثر تمثيلاً في البلاد إلى المطالبة مجدداً بتحسين الرواتب مكتفية بالمطالبة بتنفيذ اتفاقات لم يقع تفعيلها تشمل تسوية وضعيات مهنية في العديد من القطاعات ومن أبرزها التعليم. 

وضع صعب لعمال تونس 

يعيش العمال في تونس وضعاً صعباً نتيجة الغلاء وانفلات التضخم الذي أثر على استقرار الطبقة الوسطى ودفع بآلاف الأسر إلى حافة الفقر والتداين المفرط. ورغم تراجع وتيرة المطالب النقابية، لم يسلم النقابيون من الملاحقات القضائية والسجن الذي طاول مسؤولين في نقابات قطاعات النقل والعدل والصناعة، في حين جرى توقيف عضو من المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل لبضع ساعات

كذلك، طاول قطع الرواتب أكثر من ثلاثة آلاف مدرس في المرحلة الابتدائية تمسكوا بعدم تنزيل أعداد التلاميذ وكشوفهم احتجاجاً على رفض الوزارة تحسين وضعهم المالي والمهني. 

ويفسر الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" بعدم عودة النقابات إلى تقديم مطالب جديدة لتحسين الوضع المالي للموظفين وزيادة الرواتب بإغلاق الحكومة باب الحوار الاجتماعي رغم الاتفاق على عقد جلسات تقييمية سنوية لمتابعة انعكاسات مؤشرات التضخم والأسعار والنمو وإمكانية تدارك تدهور المقدرة الشرائية رغم توقيع اتفاق يمتد مفعوله إلى العام المقبل. 

اتحاد الشغل والسلطة 

وكان اتحاد الشغل في صف الرئيس قيس سعيد وقد أيّد إجراءات 25 يوليو/ تموز 2021 التي جرى بموجبها تجميد البرلمان، لكن مع تصاعد حملة الاعتقالات بحق النقابيين وعدم قبول السلطة استئناف التفاوض مع النقابات عدّلت المنظمة مواقفها وذلك بالمهادنة حيناً والتلويح بالتصعيد والتلويح باللجوء إلى الشوارع حيناً آخر. 

وفي مارس/ آذار الماضي عادت نقابات تونس إلى الشوارع في مواجهة جديدة مع السلطة التي تحاول تحجيم دورها الاجتماعي، إذ دعا الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الأكثر تمثيلية) منظوريه من العمال والموظفين إلى تجمّع كبير في ساحة القصبة بالعاصمة تونس للاحتجاج ضد "سياسات الحكومة بفرض الأمر الواقع" وعدم قبول أي مراجعات للاتفاقيات المبرمة بشأن الوضع المهني والمادي لنحو 800 ألف تونسي يعملون في القطاع الحكومي. 

ويحاصر الغلاء وضعف الرواتب موظفي تونس، فقد كشفت بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي أن معدل الرواتب الشهرية لنحو 670 ألف تونسي يعملون في القطاع الحكومي لا يتجاوز 1387 ديناراً للفرد، ما يعادل 450 دولاراً شهرياً ينفقون 40 في المائة منها على الأكل والتنقل. 

سياسات تقشفية 

وتنوي سلطات تونس تمديد سياساتها التقشفية إلى عام إضافي حيث إنّ وثيقة أرسلتها الحكومة إلى الوزارات تضمنت توصيات بخفض عجز الموازنة، والحد في الوقت نفسه من الاستدانة والتعويل على الموارد الداخلية ضمن موازنة 2025
كما تعتزم الحكومة وفق الوثيقة ذاتها مواصلة التحكم في كتلة الأجور والدعم وتحديد نفقات الاستثمار بناء على ضوء التنفيذ الفعلي للمشاريع، كما تستهدف خفض عجز الموازنة إلى ما دون 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي. 

ويقول المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إن التونسيين باتوا يبحثون عن حلول فردية لوضعهم المتأزم نتيجة تراجع دور الوسائط التقليدية من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني ونقابات في إيجاد حلول لفائدتهم.

وأكد بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن السلطة القائمة في تونس نجحت في أدوار الوسائط التقليدية وتنميط صورتها لدى الفاعلين بوصمهم بأنهم سبب الأزمة، فقد تراجع دور هذه الوسائط ومن بينها النقابات في مدى قدرتها على تأطير الاحتجاج وإيصال رسالته والتعامل معه بالتجاوب أو الصدّ. 

كما فرض السياق على هذه الوسائط معارك أخرى مرتبطة بوجودها وآليات عملها وديمومتها وتراجع حزامها التعبوي، وفق المتحدث. ويرى بن عمر أن الحركات الاحتجاجية تستمد قوتها وجاذبيتها من عدالة مطالبها، لكنها فقدت في تونس في السنوات الأخيرة قدرتها التعبوية نتيجة الإنهاك الذي طاول الفاعلين والخوف من ردة فعل الدولة وأجهزتها. 

أرقام كارثية في الجزائر 

وفي الجزائر يدخل العمال عيدهم بوعود جديدة وأرقام "كارثية" تخفي وراءها مأساة يعيشها أكثر من مليون ونصف مليون عامل جزائري يتقاضون أجوراً زهيدة لا تتعدى عشرين ألف دينار جزائري (170 دولاراً) لا تغطي تكاليف شهر كامل، ثلث منهم لا يزال يحلم بعقود نهائية. 

بالرغم من الوعود المتكررة التي أطلقتها الحكومات الجزائرية المتعاقبة، بإقرار زيادات في أجور العمال تماشياً مع التطورات الاقتصادية التي تعيشها البلاد، صنعت هذه الوعود الجدل بعدما تم تداول العديد من وسائل الإعلام زيادات تتراوح بين خمسة آلاف دينار (40 دولاراً) وعشرة آلاف دينار (90 دولاراً).

غير أنّ الزيادات في الأجور لم تكن في مستوى تطلعات العمال، خاصة أنّ هذه الزيادات شملت شريحة محدودة، قابلها تقليص قيمة المنح الاجتماعية بنسبة 50%، في وقت حددت فيه الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين أجر "الكرامة" بـ 50 ألف دينار شهرياً (490 دولاراً) أي قرابة ثلاث مرات الراتب الوطني الأدنى المضمون المحدد بـ20 ألف دينار (170 دولاراً) شهرياً، وهذا ما يعني بحسب دراسة أعدتها الفيدرالية أن أغلب موظفي القطاع العام يعيشون بأجور لا تضمن كرامتهم، كل هذا في بلد يعيش اقتصاده انتعاشاً في مداخيل النفط، وارتفاع نسبة التضخم وتهاوي قيمة الدينار بـ 30% في السنوات الأخيرة. 

راتب ضعيف 

إلى ذلك، يقول العامل الجزائري كمال حابل إن راتبه "يصمد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع" فقط، وصار "رهينة" الاقتراض لإكمال أيام الشهر، ويضيف العامل في مؤسسة حراسة خاصة أن راتبه "لا يتعدى 21 ألف دينار (190 دولاراً)، وهو راتب ضئيل مقارنة بما تعيشه الجزائر من غليان في الأسعار، يضاف إلى ذلك مصاريف الكهرباء والماء والنقل". ويلفت "العربي الجديد" إلى أنّ "كلّ شيء في الجزائر ارتفع إلا الأجور ظلت مستقرة".

من جانبه، قال سائق في مؤسسة عمومية رشيد بن نعجة إن "العامل أصبح تحت خط الفقر، أنا أتقاضى 25 ألف دينار شهرياً (210 دولار) أي إن دخلي هو سبعة دولارات يومياً".

وأضاف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد": "كلّ شيء ارتفع سعره بقرابة 30 في المائة في السنة الأخيرة بعد صعود موجات التضخم، إلا أجور العمال ظلت ثابتة، الحكومة تتحجج بالأزمة المالية، لكنها لا تتحجج بالأسباب نفسها في ما يتعلق بأجور الوزراء والنواب والمصاريف التي يكبدونها للخزينة العمومية من سكن مجاني ونقل مجاني وحتى الأكل مجاني".

وحذر النقابي وعُضو المكتب التنفيذي للنقابة المستقلة لمستخدمي القطاع العمومي عبد الناصر تاج الدين الحكومة من مغبة الالتفاف حول الزيادات التي أقرتها في أجور العمال. ويضيف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" أن هذه الزيادات في الأجور ليست مكسباً، بقدر ما هي استرجاع لحق ضائع وإجحاف في حق العمال استمر لعقدين من الزمن". 

وتشير دراسات أجرتها نقابات مستقلة في البلاد أن حوالي 500 ألف عامل جزائري غير مؤمنين اجتماعياً ويعملون براتب أدنى من الراتب الوطني الأدنى المضمون. 

العودة إلى الحوار 

دفع إعلان تكتل النقابات المستقلة إلى كسر الهدنة مع الحكومة، بإقامة وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة العمل بمناسبة عيد العمال، السلطة التنفيذية إلى استباق نزول النقابات إلى الشارع بدعوتهم إلى طاولة الحوار، حيث استمع وزير العمل فيصل بن طالب إلى مطالب قيادة التكتل النقابي، المتمثلة في منح التكتل الصفة القانونية وتسجيله لدى الوزارة، مع مراجعة القوانين الأساسية المنظمة لمختلف القطاعات العمومية، في مقدمتها قطاع التعليم والأئمة. 

وخلص اللقاء بحسب ما علمته "العربي الجديد" إلى تعليق الحركة الاحتجاجية إلى إشعار آخر، مع وضع رزنامة زمنية تحاورية.

المساهمون