دقت أرقام صادرات الجزائر من الغاز ناقوس الخطر، بعد تسجيلها تراجعا بنسبة 30 بالمائة، متهاويةً إلى 10 مليارات متر مكعب للأشهر الأربعة الأولى من عام 2020، حسب إحصائيات موقع "mees" المتخصص في أخبار الطاقة.
وتزيد هذه الوضعية الضغط على البلد الغني بالنفط والعضو في منظمة أوبك، في وقت سقطت فيه إيراداته من النفط والغاز بالتزامن مع انكماش الاقتصاد جراء جائحة كورونا، ما يجعل المعادلة صعبة الحل في ظل الأوراق الضئيلة التي تحوز عليها الجزائر.
ودخلت إمدادات الغاز الجزائري إلى أوروبا والمنطقة العربية في معادلة صعبة، في ظل تخمة المعروض العالمي، لا سيما الغاز الروسي الرخيص، فضلا عن دخول منافسين جدد لتصدير الغاز، كالولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يزيد من مأزق البلد الأفريقي الباحث عن زيادة موارده المالية لمواجهة تراجع عائدات النفط.
وقال مدير الإحصاء في الوكالة الجزائرية لتثمين موارد المحروقات (سلطة ضبط إنتاج وبيع النفط والغاز في الجزائر)، نبيل جودار، إن "الأرقام الأولية تؤكد توجه مبيعات الغاز نحو التراجع، خاصة عبر عقود الأنابيب نحو إيطاليا وإسبانيا، بنسب كبيرة خلال العام الحالي، قد تفوق تراجع مستويات العام الماضي الذي شهد هبوطا بلغ 25 بالمائة عن سنة 2018".
وأضاف جودار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تراجع الصادرات يعود بدرجة أولى لتراجع الطلب لأسباب عديدة، كما لا يمكن أن ننسى تراجع إنتاج الجزائر من الغاز بنسب فاقت 15 بالمائة عن سنة 2019، قابله انتعاش الطلب الداخلي بنسبة 7 بالمائة".
وكانت الجزائر قد صدّرت، سنة 2018، نحو 51 مليار متر مكعب من الغاز، منها 35 بالمائة نحو إيطاليا، و31 بالمائة نحو إسبانيا، و13 بالمائة نحو البرتغال، و8 بالمائة فقط نحو فرنسا، وفق أرقام "سوناطراك".
حرب الأسعار
ويعيش غاز الجزائر ضغطاً كبيراً من الأوروبيين، حيث يعترض الزبائن على الأسعار، بعد سنة واحدة من تجديد الجزائر عقود إمدادات الغاز مع شركائها التاريخيين في القارة العجوز، في مقدمتهم إسبانيا وإيطاليا والبرتغال.
أول التهديدات التي طاولت غاز الجزائر، كانت من طرف الزبون التاريخي إسبانيا، التي تسعى عن طريق المجموعة الإسبانية "ناتورجي إنرجي" للتوجه نحو التحكيم الدولي لإلغاء عقد إمدادات الغاز بينها وبين الجزائر.
سبق أن كشف مصدر من داخل المجمع النفطي الجزائري (سوناطراك)، لـ"العربي الجديد"، في 17 مايو/ أيار الماضي، أن "إسبانيا دعت سوناطراك للجلوس على طاولة الحوار لمراجعة العقد المبرم بين الطرفين سنة 2018، والممتد لغاية نهاية 2029، في ما يتعلق بالسعر المحدد بنحو 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (BTU)، في وقت تشتري فيه الغاز الأميركي بأقل من دولارين، وهو ما ترفضه سوناطراك".
وكانت الجزائر تموّن إسبانيا بـ34 بالمائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال قبل 2020، إلا أن الأخيرة قررت، مطلع السنة الحالية، تخفيض حصة الجزائر إلى 22.6 بالمائة، بعد رفع حصة غاز الولايات المتحدة إلى 27 بالمائة، بسبب انخفاض سعر الغاز الأميركي، وأزاحت بذلك الجزائر عن رأس قائمة مموني إسبانيا بالغاز طوال الـ30 سنة الماضية.
أما الضربة الثانية للغاز الجزائري فجاءت من البرتغال، إذ أكد مصدر مسؤول داخل "سوناطراك"، لـ"العربي الجديد"، أنها لم تستورد الغاز الجزائري عبر الأنبوب الغازي (ميد غاز) الذي يربط بلاده بإسبانيا، منذ بداية شهر إبريل/ نيسان الماضي.
وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن "مقاطعة البرتغال للغاز الجزائري ترجع لسببين، الأول متعلق بالسعر المرتفع والمقدر بـ4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أما السبب الثاني فتسجيل البرتغال لفائض في التخزين مقابل استقرار الطلب الداخلي بسبب جائحة كورونا". وفي شهر مارس/ آذار الماضي استوردت البرتغال 345 ألف طن من الغاز الطبيعي السائل مقابل 400 ألف خلال شهر فبراير/ شباط الماضي، حسب المصدر.
وكانت الجزائر والبرتغال قد اتفقتا على تمديد عقد إمداد الغاز، يعود إبرامه إلى 25 سنة، بين سوناطراك وشركة "غالب"، في شهر يونيو/ حزيران 2019، بحجم 2.5 مليار متر مكعب سنوياً لمدة عشر سنوات أخرى.
ودخلت الجزائر، سنة 2018، مرحلة تجديد عقود الغاز مع شركائها التقليديين، بعد وصول أغلب العقود إلى نهاية آجالها، مع انتهاء سنة 2019.
ويؤكد خبير الطاقة، مهماه بوزيان، أن "عهد العقود طويلة الأمد انتهى دون رجعة".
وقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تجديد العقود مهما كانت مدتها يعتبر نجاحاً للجزائر"، لكنه أشار إلى تغير مشهد الطاقة العالمي، بدخول أميركا قائمة كبار مصدري الغاز مع قطر وأستراليا، ووصول الغاز الروسي والنرويجي لجنوب القارة الأوروبية، ما يزيد الضغط على الغاز الجزائري المهدد بخسارة أسواقه التاريخية.
وأضاف بوزيان أن "سوناطراك تعي جيداً أنها مضطرة لتغيير سياستها التسويقية، بعيداً عن الاعتبارات الداخلية، فالسوق العالمية تغيرت، خاصة مع دخول فيروس كورونا كمتغير أحدث زلزالاً عالمياً في أسواق النفط والغاز على السواء، وبالتالي على سوناطراك إدخال مرونة على عقودها وأن تعرف متى تنحني أمام العاصفة.
حلول ضئيلة
وأمام تعقد الوضعية، تبدو الحكومة الجزائرية عاجزة عن توفير الحلول العاجلة، فمنذ سنوات والحكومة تعلن عن انتقال طاقوي قريب، يسمح بالتوجه نحو الطاقات المتجددة، لخفض الطلب الداخلي وحماية صادرات البلاد الغازية والنفطية، التي تشكل أكثر من 90 بالمائة من عائدات الجزائر من العملة الصعبة، في وقت يبقى ملف الغاز الصخري مجمداً بقرار سياسي، كونه محل رفض شعبي، بسبب المخلفات التي تترتب على استغلاله، خاصة على البيئة والمياه الجوفية، وافتقار الجزائر لآليات التنقيب والاستغلال وكلفتها الباهظة.
وإلى ذلك، كشف وزير الطاقة الجزائري عبد المجيد عطار، لـ"العربي الجديد"، أن خفض الطلب الداخلي على الغاز وحتى الوقود هو من أولوياته، ومن بين الأهداف التي عُين من أجلها على رأس القطاع قبل أقل من شهرٍ.
وأكد الوزير الجزائري أن ورقة الطريق تعتمد على شقين، "الأول يتعلق باستمالة شركات النفط العالمية لحقول النفط والغاز من خلال تقديم إغراءات تسمح برفع الإنتاج بعدما سجلت (سوناطراك) نقصا في طاقة الإنتاج، أما الشق الثاني فيتعلق بإحداث انتقال طاقوي سلس يعتمد على دعم الاستثمارات في الطاقات المتجددة وتقديم تحفيزات على استهلاك هذه الطاقات مثلما حدث في دول عديدة".