كذلك قال الأسد

06 سبتمبر 2015
+ الخط -
كلما ألقى المدعو بشارُ الأسد خطابةً، تاريخيةً أو غير تاريخية، أتذكّرُ حضرةَ الأديب، الشاعر، الروائي، المسرحي، المفكر، الدكتور علي عقلة عرسان؛ وهو رجل ذو ميزة رهيبة، تتلخص في أنه استغرق في حكم اتحاد الكتاب العرب مدةً أطولَ من التي استغرقها حافظُ الأسد، ذات نفسه، في حكم سورية.. أما الرابط بين الأمرين؛ أو (المُنْعَكَس الشَّرْطي) لهذا التداعي الغريب، فسأوضحه لحضراتكم في الحال.

يجدر بي أن أشير، أولاً، إلى أن الفرق بين بشار الأسد وأبيه، من حيث الخطابات، كالفارق بين الكوميديا والتراجيديا، فبشار يؤلف الأشياء الغريبة المضحكة التي يقولُها في خطاباته بنفسه، ويضيف عليها بعض الحركات بالأصابع، وعضلات الوجه، وأحياناً يرتجلُ مقاطع تزيد في طين حالة الإضحاك التي تبعثها خطاباتُه بلة، كقوله في خطابه الأخير، وهو في غاية الجد، إن المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، عَيَّنَتْهُ الولايات المتحدة الأميركية، وإنه يتلقى تعليماته منها، وإن (الشعب السوري) هو الذي يختار مَنْ يحكمه. أما الأسد الأب، فكان يُلقي ما يكتبُه له فريقُه الخطابي الذي يقوده الدكتور إسكندر لوقا، بحيادية مفرطة، ومن دون حركة، وبنبرة صوت رتيبة، لا توجد فيها أية اهتزازات طالعة أو نازلة، ووجه يابس، رؤيتُهُ تجعل الأطفال المشاهدين يَخْرَؤُون في حَفُّوضاتهم هلعاً مما تتضمنه من تهديد ووعيد وتَكَبُّر.

كان السوريون، في بداية الأمر، يتحاشون الإصغاء لخطابات حافظ الأسد، لسبب بسيط هو أن المعلومات الواردة فيها، كلها من دون استثناء، تتلخص في ضرورة تحرير فلسطين، والنضال ضد الاستعمار والصهيونية والإمبريالية والرجعية المحلية والطابور الخامس، والتصدي للمؤامرات التي تعدها الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي... ويكون ذلك باللُحمة الوطنية التي تتلخص بالتفاف الجماهير الكادحة حول القيادة التاريخية للحركة التصحيحية التي قضت على العقلية المناورة للقيادة البعثية السابقة. وأما على الصعيد الاقتصادي، فلا شيء يمكنُ أن يحل بديلاً من التقشف، وشد الأحزمة على البطون، مِنْ المواطن الصالح الذي ذهب الأسدُ في تعريفه، مرة، إلى حد أنه: إذا رأى حنفية تنقط، في مكان عام، يسارع إلى تركيب جلدة (جوان) لها، وإذا رأى موظفاً يعرقل معاملات المواطنين لأجل ابتزازهم يواجهه باللوم والتقريع والتنديد.

ندم المواطنون السوريون أشد الندم على تحاشيهم الإصغاء إلى تلك الخطابات؛ إذ شرعت الفروعُ والمفارزُ الأمنية المنتشرة في أنحاء البلاد تسألهم، كما لو أنهم في امتحان مصيري، عن فقرات ومقاطع محددة، وردت في سياق آخر كلمة تاريخية ألقاها هذا القائد العظيم.. فإذا تلكأ الواحد منهم، وبدا عليه الجهل بما يُسْأَلُ عنه، تلوثت صفحتُه، وصفحات الذين خلفوه، والذين يمتون إليه بصلة، وأصبح مصنفاً في خانة المتآمرين على صمود سورية قلب العروبة النابض، شخصياً.

لكن الإنسان، في الواقع، وفي الحقيقة، كائن محظوظ، إذ يَجْري تدارُكُ ما يفوته من الأشياء المهمة، في هذه الحياة، بطريقة أو بأخرى، والدليل إلى ذلك أن سيادة العماد مصطفى طلاس، وزير الدفاع الذي ضاهى الدكتور علي عقلة عرسان بالفترة التي حَكَمَ فيها وزارةَ الدفاع، قد جمع خطابات القائد حافظ الأسد كلها في كتاب أطلق عليه اسم (كذلك قال الأسد)، صدر عن دار طلاس للنشر والترجمة، فزوّد، بذلك، المكتبةَ العربية، بخلاصة فكر ذلكم القائد التاريخي الذي لا يقل، صراحةً، عن زارادشت الذي خصص له الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه كتاباً أسماه (هكذا تكلم زارادشت).

بهذا، أعزائي القراء، نكون إنما وصلنا إلى بيت القصيد في هذا التداعي، هو أن اتحاد الكتاب العرب في دمشق أصدر كتاباً لمؤلف جزائري، اسمه عز الدين جلاوجي، عنوانه (كذلك تكلم عرسان).. وكان هذا الكتاب الأكثر كساداً بين كتب الاتحاد التي كانت الصفةُ الأساسية لها هي الكساد، فتأملْ.     

 

 

 

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...