على بعد ثلاثين كيلومتراً من الرقة في الشمال السوري، على نهر الفرات، تقع أطلال "الرصافة" السورية التي اشتهرَت بلؤلؤة بادية الشام. وهي مدينة تاريخيّة كانت تسمى قديماً "سرجيليوس". كانت لها قلاعٌ عظيمةٌ تحميها من هجمات الفرس وغيرهم، ازدهرت في عصور متعددة، وذكرتها الوثائق الآشورية واليونانية، إذ كانَت دائماً محور صراع بين الفرس والرومان واليونانيين. كانت الرّصافة تقَع في المقاطعة الرومانية "إيفوراتنسيس" (سورية الحالية)، فيما كان يُطلق عليها الرومان اسم "أناستاسيوبوليس".
يصف المؤرخ القديم، بروكوبيوس، طوْلَ الأسوار والمباني في المدينة القديمة التي بناها الإمبراطور جستينيان، بأنها كانت تبلغ 1600 قدم طولاً، وحوالي 1000 قدم في العرض، وأنّ فيها أبراجاً مُربّعة ودائريّة تنتصِب مُرتفعة كلّ مئة قدم، ولا تزال موجودة بالمدينة أنقاض الكنيسة القديمة بها وثلاث واجهات منها.
كانت النشأة الأولى لذلك الموقع الأثري في القرن التاسع قبل الميلاد، عندما تم بناء معسكر للجيش من قبل الآشوريين. وخلال العصر الروماني، كان المكانُ موقعاً صحراوياً مُحصّناً للدفاع ضد الفرس الساسانيين. وكان مجرد محطة على الطريق المسمى "ستراتا ديوكلتيانا" الذي يغطي الحدود الصحراويّة الشرقيّة، وقد بناه الإمبراطور دقلديانوس في إطار حملته الواسعة لتحصين الإمبراطورية الرومانية وسط سلسلة من الحصون المشابهة للرصافة، يقع كل منها على بعد عشرين ميلاً من الآخر، وتبدأ في الضفة الجنوبية لنهر الفرات وتمتد حتى شمال شرق الجزيرة العربية.
ازدهرت الرصافة بسبب وقوعها على الطريق الذي يربط حلب ودورا أوروبوس (الصالحية السورية) وتدمر. وكانت الرصافة لا تملك ينابيع أو مياهاً جارية، لذا اعتمدت على خزانات ضخمة تخزّن الماء من الأمطار في فصلي الشتاء والربيع. ونتيجة لكونها تقع على ساحة المعارك الرومانية الفارسية، فقد كانت الجدران الضخمة تحيط بها تماماً دون ثغرة واحدة، وكانت لها قلعتها الخاصّة أيضاً.
في القرن الرابع الميلادي، أصبحت الرصافة مَقصداً للحج المسيحي، وقدم إليها الحجاج للاحتفاء بالقديس سيرجيوس، وهو مسيحي يقال إنه استشهد في الرصافة إبان عصر الاضطهاد المسيحي. وقد بنيت الكنيسة للاحتفال بقبر القديس. أعيدت تسمية المدينة باسم سيرجيوبوليس، وتطورت حتى أصبحت مركز الحج الأكثر أهمية في وسط الأبرشيات البيزنطية، مع أهمية جاذبة بصفة خاصة للمسيحيين المحليين من العرب وخاصة الغساسنة.
وفي القرن الثامن الميلادي، قام الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، بجعل الرصافة مدينة الإقامة المفضلة لديه، فبنى العديد من القصور حولها. وأصبحت المدينة المنتجعَ الصيفيّ له، وسميت رصافة هشام، وقد انتشرت بها الحدائق حتى تحولت إلى جنة خضراء في وسط سورية.
بعد نهاية حكم الأمويين، وتولي العباسيين الحكم، استمرَّ ازدهار الرصافة حتى القرن العاشر الميلادي. واشتهرت بين المدن السورية بتعايش المسلمين والمسيحيين، وكانت فيها المساجد تتجاور مع الكنائس، لكن التتار هدموها جميعا عند غزوهم لسورية. وفي القرن العشرين، جاء علماء آثار ألمان ليكشفوا عن العديد من الآثار التي هدمها التتار واندثرت بفعل الزمن، فعثروا على بقايا قصرين أمويين، وتتابعت أعمال الحفر والتنقيب حتى تم الكشف عن أبواب المدينة القديمة، وظهرت الجدران والنقوش خلال سنوات من التنقيب والاستكشاف. ونقلت كثير من المقتنيات المكتشفة إلى متحف دمشق، فيما وجدت الكثير من مقتنيات الرصافة السورية طريقها إلى المتاحف الغربية.
اقــرأ أيضاً
يصف المؤرخ القديم، بروكوبيوس، طوْلَ الأسوار والمباني في المدينة القديمة التي بناها الإمبراطور جستينيان، بأنها كانت تبلغ 1600 قدم طولاً، وحوالي 1000 قدم في العرض، وأنّ فيها أبراجاً مُربّعة ودائريّة تنتصِب مُرتفعة كلّ مئة قدم، ولا تزال موجودة بالمدينة أنقاض الكنيسة القديمة بها وثلاث واجهات منها.
كانت النشأة الأولى لذلك الموقع الأثري في القرن التاسع قبل الميلاد، عندما تم بناء معسكر للجيش من قبل الآشوريين. وخلال العصر الروماني، كان المكانُ موقعاً صحراوياً مُحصّناً للدفاع ضد الفرس الساسانيين. وكان مجرد محطة على الطريق المسمى "ستراتا ديوكلتيانا" الذي يغطي الحدود الصحراويّة الشرقيّة، وقد بناه الإمبراطور دقلديانوس في إطار حملته الواسعة لتحصين الإمبراطورية الرومانية وسط سلسلة من الحصون المشابهة للرصافة، يقع كل منها على بعد عشرين ميلاً من الآخر، وتبدأ في الضفة الجنوبية لنهر الفرات وتمتد حتى شمال شرق الجزيرة العربية.
ازدهرت الرصافة بسبب وقوعها على الطريق الذي يربط حلب ودورا أوروبوس (الصالحية السورية) وتدمر. وكانت الرصافة لا تملك ينابيع أو مياهاً جارية، لذا اعتمدت على خزانات ضخمة تخزّن الماء من الأمطار في فصلي الشتاء والربيع. ونتيجة لكونها تقع على ساحة المعارك الرومانية الفارسية، فقد كانت الجدران الضخمة تحيط بها تماماً دون ثغرة واحدة، وكانت لها قلعتها الخاصّة أيضاً.
في القرن الرابع الميلادي، أصبحت الرصافة مَقصداً للحج المسيحي، وقدم إليها الحجاج للاحتفاء بالقديس سيرجيوس، وهو مسيحي يقال إنه استشهد في الرصافة إبان عصر الاضطهاد المسيحي. وقد بنيت الكنيسة للاحتفال بقبر القديس. أعيدت تسمية المدينة باسم سيرجيوبوليس، وتطورت حتى أصبحت مركز الحج الأكثر أهمية في وسط الأبرشيات البيزنطية، مع أهمية جاذبة بصفة خاصة للمسيحيين المحليين من العرب وخاصة الغساسنة.
وفي القرن الثامن الميلادي، قام الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، بجعل الرصافة مدينة الإقامة المفضلة لديه، فبنى العديد من القصور حولها. وأصبحت المدينة المنتجعَ الصيفيّ له، وسميت رصافة هشام، وقد انتشرت بها الحدائق حتى تحولت إلى جنة خضراء في وسط سورية.
بعد نهاية حكم الأمويين، وتولي العباسيين الحكم، استمرَّ ازدهار الرصافة حتى القرن العاشر الميلادي. واشتهرت بين المدن السورية بتعايش المسلمين والمسيحيين، وكانت فيها المساجد تتجاور مع الكنائس، لكن التتار هدموها جميعا عند غزوهم لسورية. وفي القرن العشرين، جاء علماء آثار ألمان ليكشفوا عن العديد من الآثار التي هدمها التتار واندثرت بفعل الزمن، فعثروا على بقايا قصرين أمويين، وتتابعت أعمال الحفر والتنقيب حتى تم الكشف عن أبواب المدينة القديمة، وظهرت الجدران والنقوش خلال سنوات من التنقيب والاستكشاف. ونقلت كثير من المقتنيات المكتشفة إلى متحف دمشق، فيما وجدت الكثير من مقتنيات الرصافة السورية طريقها إلى المتاحف الغربية.