لا تخفي قوى سياسية عراقية مختلفة خيبة أملها من العمليات الأمنية التي تنفذها القوات العراقية جنوب البلاد، والتي تنهي اليوم السبت أسبوعها الأول، وتستهدف ما تطلق عليه حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي "السلاح المنفلت"، بسبب عدم تحقيق نتائج مهمة على مستوى السلاح الذي تمت مصادرته، عدداً ونوعاً، أو الذين تم إلقاء القبض عليهم.
ولغاية الآن، لم يشرح أي مسؤول حكومي ما تعنيه بيانات الحكومة بشأن عبارة "السلاح المنفلت"، الذي تستهدفه في عملياتها. لكن الحديث بالعادة يستهدف الجماعات المسلحة التي تقف وراء إطلاق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء ومطار بغداد ومصالح أميركية وأخرى تابعة للتحالف الدولي، إضافة إلى سلاح العشائر، الذي خلف خلال أقل من شهر أكثر من 30 قتيلاً وجريحاً في بغداد وجنوب البلاد، جراء الاشتباكات المستمرة بين العشائر لأسباب مختلفة، فضلاً عن تجار وسماسرة بيع السلاح.
تمت مصادرة أسلحة خفيفة وذخائر بكميات بسيطة للغاية
وامتدت العمليات، بعد يومين من انطلاقها في البصرة، إلى محافظتي ميسان وذي قار المجاورتين، بمشاركة قوات الجيش والشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب. وبحسب بيانات متفرقة للقوات العراقية، عبر قيادة العمليات المشتركة، فقد تم اعتقال نحو 70 مطلوباً للقضاء، أغلبهم بتهم ترويج المخدرات والسرقة والابتزاز، إضافة إلى مصادرة أسلحة خفيفة وذخائر بكميات بسيطة للغاية، لا تتناسب مع حجم مشكلة الجنوب، ولا حتى مع تشكيلات القوات المشاركة في العملية والتسويق الإعلامي الذي خصصته الحكومة لها.
ويقرّ مسؤول عراقي بارز في بغداد بما يسميه تواضع نتائج العملية الحالية، بسبب المخاوف من حصول صدام مسلح بين القوات العراقية والجهات المستهدفة بتحصيل السلاح منها، بشكل يفجر أزمة أمنية بالجنوب، قد تُستغل من خصوم الكاظمي السياسيين وغير السياسيين، مثل الفصائل المسلحة المدعومة من إيران. ويضيف، لـ"العربي الجديد"، أن الرسالة الأهم للعملية هي أن الحكومة موجودة، والدولة تفرض قوتها، بدليل أن دخول الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب أخفى كل أشكال المظاهر المسلحة التي كانت منتشرة في المناطق الجنوبية، سواء أكانت عشائرية أم فصائلية. ويمكن القول إن النتائج الأمنية للعملية بعد أسبوع ليست ذات أهمية، لكنها على المستويَين السياسي والمعنوي للفرد العراقي كانت كبيرة.
هدف العملية إيصال رسالة بأن الحكومة قادرة على التحرك
عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عن دورته السابقة، والقيادي بالتيار الصدري، حاكم الزاملي، يعتبر أن أي عملية يتم الإعلان عنها قبل تنفيذها على الأرض لن تحقق نتائج، وستكون غير ناجحة، لأن المستهدفين فيها، من عشائر ومليشيات وعصابات جريمة منظمة، سيقومون بإخفاء السلاح والمطلوبين عن أنظار القوات الأمنية. ويضيف، لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف من هذه العملية إيصال رسالة إعلامية بأن الحكومة قادرة على أن تتحرك وتقوم بواجباتها. هي رسالة أكثر مما هي عملية أمنية على الأرض"، معتبراً أنه من الأفضل إيقاف العملية، إذا كانت ستستمر هكذا، لأنها مضيعة للوقت وللأموال.
بدوره، يصف رئيس كتلة "بيارق الخير" في البرلمان محمد الخالدي، في حديث مع "العربي الجديد"، العملية بأنها "استعراضية أكثر مما هي واقعية، لأنها لم تحقق شيئاً، لا على مستوى الأهداف ولا النتائج". ويضيف: "على حكومة الكاظمي ملاحقة السلاحَين المتوسط والثقيل، وليس المسدس والبندقية. ومعروف أن السلاحَين الثقيل والمتوسط يتبعان لجماعات اللادولة التي تقود حرباً ضد الدولة. وبكل تأكيد هذه الجماعات معروفة لدى الحكومة العراقية، لكنها تخشى التصادم معها". ويعتبر أن "جهات سياسية متنفذة تدعم وتحمي جماعات اللادولة. ليست من مصلحة تلك الجهات تقوية الدولة العراقية، فهي تعتاش على هذا الوضع، حتى تحقق مكاسب وأهدافاً سياسية وانتخابية".
وحول ذلك، يقول الخبير في الشأن الأمني العراقي محمد التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن "العمليات الأمنية، الجارية حالياً، لم تستهدف حتى الآن ما يُعتبَر مشكلة العراق، بل إنها توجهت لمصادرة بنادق، بعضها للصيد، ومسدسات موجودة في منازل العراقيين، وتركت الصواريخ والقنابل ومدافع الهاون وغيرها، رغم أن الجهات التي تملكها وأماكن وجودها أيضاً معلومة". ويضيف: "الكاظمي حالياً لا يستطيع فتح جبهة مع أصحاب هذا السلاح من الفصائل المسلحة أو حتى العشائر، فهذا قد يدفع إلى مواجهات مسلحة، قد تُخرج الأمور عن السيطرة". ويرى أن "العملية قد تأتي بنتائج سلبية للغاية في حال انتهت وتجنبت فعلاً أصحاب السلاح المنفلت الحقيقيين، الذين يقفون وراء اغتيال الناشطين وقتل المتظاهرين وقصف الكاتيوشا واستهداف الأرتال والاشتباكات العشائرية بالجنوب وعصابات الجريمة المنظمة التي بات قسم منها يفرض إتاوات علنية على التجار والمستثمرين وأصحاب المحلات الكبيرة، وهي ستقويهم وتجعلهم في وضع معنوي وحتى أمني أفضل".
يُشار إلى أن العنف المتزايد في المحافظات الجنوبية، والتي تسجل عمليات اغتيال تطاول الناشطين، إضافة إلى استهداف أرتال الدعم اللوجستي، التابعة للقوات الأميركية، والتي تنفذها مليشيات موالية لإيران، والمعارك العشائرية المستمرة، دفعت الحكومة إلى إطلاق عملية لضبط سلاح العشائر. إلا أن العملية لم تحقق نتائج بمستوى الطموح، أو أي نتائج ملموسة قياساً بحجم الأسلحة الكبير خارج سلطة الدولة.