يتناول المسلسل استكشاف العميل الخاص للمباحث الفيدرالية دايل كووبر، لـ بلدة توين بيكس وقاطنيها أثناء تحقيقه بجريمة قتل الشابة لورا بالمر، قصّة التحقيق هي المحرّك لأحداث العمل الذي يغوص في تفاصيل حياة سكّان البلدة المفترضة والعلاقات المتشابكة فيما بينهم باختلاف مراحلهم العمرية موصفًّا بعناية حياة المراهقين، مرورًا بصراعات رؤوس الأموال وحرب المخدّرات المتوارية خلف دعة الحياة وهدوئها في المكان الريفي، لكن هذا كله ليس خط أعمال لينش المعهود منذ بداياته في السينما الروائية الطويلة في Eraserhead عام 1977.
يستمد العمل غموضه وغرابته من محورين هما مذكرات لورا وشخصية كووبر، فتملك لورا إصدارين لمذكراتها ليتبين أنها تعيش حياة مزدوجة، بين الفتاة الجميلة المحبوبة وسط أقرانها والفتاة السيئة المتورّطة بالدعارة وتجارة الكوكايين، ويذهب كووبر بأحلامه متتبعًا سير الجريمة ويستعين بثقافات آسيوية كي يصل إلى القاتل أو بطريقة أمثل وأدق للشر الكامن في الغابة، وهو ما سيتركنا عنده المسلسل عام 1991 عندما يؤسر كوبر في بعد آخر، وترسل نسخة شريرة منه إلى البلدة الوديعة، ولا تزال النظريات تختلف إن كان كونًا موازيًا أو رؤية لينشية للجحيم، نستدل من سياق العمل أنّ في الغابة بوابتين لمكانين أبيض وأسود؛ يمتلك الشر في المحفل الأسود قوىً لا حدود لها بينما لمّا نرى الأبيض بعد.
في المكان الأسود أو بصورة أدق، غرفة الانتظار قبل الدخول إلى ذلك العالم، يلتقي كووبر بضحية الجريمة لورا، وهذا ما شاهده في حلمٍ سابق، وتخبره أنها ستقابله بعد 25 عامًا إضافة لعدة خطوط من القصّة بقيت معلّقة في البلدة الصغيرة.
صاغ لنا لينش مجتمعًا كاملًا يعتبر اليوم تجسيدًا لأميركا في التسعينيات، وقدّم طرحًا مختلفًا للأمراض النفسية بتجسيدها بفكرة الروح الشريرة التي تبحث عن شخص ضعيف لتسكنه، ويتجلّى ذلك في القصيدة التي يتركها القاتل على ضحاياه؛ "ستقولون إنني مجنون وأعدكم أنني سأقتل ثانية"، لكن محاولات الحلقة الأخيرة بترك كم هائل من الأسئلة فشلت في منح العمل موسمًا ثالثًا حيث إن شبكة ABC تخلّت عن العمل ورفضت تجديده.
لحظات ساذجة في العمل
في عام 1992 صدر فيلم Twin Peaks :Fire Walk With Me وانهالت عليه الانتقادات والمراجعات السلبية مما أبعد لينش عن أي أعمال مستقبلية تستكمل القصّة التي لم تنته، ويستعرض الفيلم الأسبوع الأخير من حياة لورا قبل مقتلها موضحًّا الجريمة إضافة لـ لمحات من أحداث مستقبلية، وحين عرض الفيلم في مهرجان كان استقبل بصيحات الاستهجان وعنونت الصحف الأميركية أن لينش افتقر للإبداع وذهب بالفيلم لأماكن شائكة ليعوّض ما تفرضه الرقابة التلفزية على العري والألفاظ الخادشة، بينما استقبل بحفاوة في بريطانيا واليابان.
صوّر لينش ما يزيد على خمس ساعات وصل منها لنسخة الفيلم الأخيرة ساعتان وربع، وصدر عام 2014 بمشاهد محذوفة ومطوّلة من الفيلم، مدتها ساعة ونصف لتزيد من حيرة المتابعين وتجدد آمالهم باستكمال القصة خصيصًا مع اقتراب انتهاء القفزة الزمنية في العمل وهذا ما يحصل اليوم مع شبكة Showtime، التي أعطت العمل فرصة للعودة على مدى 18 ساعة تلفزيونية؛ يصفها لينش بأنها فيلم طويل مقسّم إلى أجزاء، وذهب بأوّل جزئين ليعرضهما في" كان" هذا العام ضمن قسم "نظرة ما"، تولّى لينش إخراج العمل كاملًا على عكس ما حصل في التسعينيات وأدّى لتفاوت مستوى الحلقات.
ابتكر لينش بمشاركة مارك فروست خطوط العمل، بعد أن كان المشروع في البدء رصد سيرة ذاتية لمارلين مونرو، وحاز العمل على موافقة إنتاج البايلوت - الحلقة الأولى- بناءً على لوحة مبسطّة رسمها لينش توضح جثة فتاة تطفو على البحيرة، تكوّن الموسم الأوّل من ثمانية حلقات وقبل انتصافه تجدد لموسم ثانٍ مؤلف من 22 حلقة، نظرًا للاستقبال النقدي والجماهيري الجيّد، وخلال التحضيرات للموسم الثاني انسحب لينش كي يعمل على فيلمه Wild at Heart الذي حاز على سعفة كان.
أصرّت شبكة ABC على كشف هوية القاتل في بداية الموسم الثاني، ما حذا بلينش للانسحاب من العمل، وانفلات خطوط العمل من يد فروست الذي لم يستطع الحفاظ على المزيج بين الرعب والغموض من جهة وشكل الـ Soap opera، الذي كان يتسيد المشهد التلفزي في تلك الحقبة، وأدّى ذلك إلى لحظات ساذجة في العمل وخطوط أحداث تم تقويضها وفق رغبة الممثلين، هذا كله إضافة لوقوع حرب الخليج الثانية وتوقف عرض العمل لفترة ثم إعادته في وقت آخر أدّى لفقدان الاهتمام الجماهيري بالمسلسل خصوصًا وأن الجريمة قد تم حلّها.
عاد لينش وأخرج الحلقة الأخيرة وغيّر السيناريو بشكل جذري ليترك واحدة من أغرب النهايات في تاريخ التلفزيون، وهذا ما أثّر في النمط التي تسلكه المسلسلات عمومًا، فهو من أرسى قواعد العمل التلفزي الذي يستعرض حياة مجتمع كامل ويقدّم مزيدًا من التساؤلات في نهاية كل حلقة ويترك للجمهور بناء نظرياته وتحليلاته، النموذج الذي دأبت عليه أغلب الأعمال الكبيرة اللاحقة مثل Lost و Sopranos ليصبح نمط الـ Soap opera شيئًا من الماضي بعد هذا العمل الذي غيّر قواعد العمل التلفزيوني إلى الأبد.
الموسم الثالث
عمل لينش على الموسم الثالث لمدّة خمسة أعوام بمشاركة فروست في النص، وسط كتمان شديد وتمكّن من لم شمل معظم العاملين في الموسمين الأولين بما يشبه الإعجاز، ولا يتجاوز عدد الممثلين الرافضين للعودة أصابع اليد الواحدة، بينما غيّب الموت عديدًا من المشاركين في طليعتهم مغنّي الروك ديفيد بوي، فيما رحل بعض المشاركين بعد تصوير مشاهدهم في الموسم الجديد.
لم يفصح لينش عمّا سيدور الموسم الجديد، ووقع جميع المشاركين في العمل على اتفاقية تحفظ سرّيّة مشاهدهم، ويضمّ الموسم الجديد حوالي 200 شخصية بوجود وجوه جديدة لم تكن في العمل الأصلي مثل مونيكا بيلوتشي، تيم روث، نايومي واتس، لورا ديرن. ومن اللافت أن المشاركين كانوا يتسلّمون نصوص مشاهدهم فقط أثناء يوم التصوير، بينما طلب لينش في اختبارات الأداء من الممثلين أداء مونولوج طويلٍ عن حياتهم.
يصرّح لينش لمجلة Rolling Stone أن الأفلام في الآونة الأخيرة لم تعد تشبه ما يريد صنعه، وأن شركات الإنتاج لم تعد توفّر الحريّة التي تقدمها شبكات الكيبل، وهناك أصبح بيت الفنون الجديد، وبإمكان المشاهد الذي لم يتابع المواسم السابقة والفيلم خوض رحلة الموسم الجديد. بدأ عرض العمل على شبكة شوتايم ليلة 21 مايو/أيار بتقديم أربع حلقات دفعة واحدة وقبل هذا التاريخ لم يصدر أي تلميح عن العمل ولم ترسل حلقات منه للنقاد كما جرت العادة، فحسب لينش لا تقدّم الحياة إعلانات ترويجية فلماذا على الأفلام فعل ذلك؟