يوتوبيا
تخيَّلْ أنهم سلبوك ما لديك
ولم يتركوا لك أي شيء
عارٍ بمواجهة الربيع
تخيل أنك تضحك
وتترك العمل والقبة والعدم
وتستريحُ أمام الربيع
تخيل أنك تنسى
وأن كل ما تعلمته من تمارينك تلاشى مع النسيان
أنك تمشي مثل بطة وسط البستان
تخيل أنه ليس ثمَّة عرقٌ ولا كراهيةٌ ولا حاجةٌ ولا دينٌ
ولا دولة
وأنَّ البلورات التي تفصلك عن الفن تتصدعُ وتمَّحِي ببطء
تأمَّل جيِّدا ما أقول
تخيَّلْ أنَّك تخلَّصتَ مِن الخوف واللسان ومرض القهم العصبي
أنه قد انتهتِ الأسلحة والضجرُ وداءُ الشَّرَهِ العصبي
وأنَّك تعانقُ شريك الحياة
وأنك تقطفُ الطعام من الأشجار
وتجْني الغلال
التي تبقيك سليماً مدى الشتاء
تخيَّل نفسك حرّاً
بلا رقمٍ ولا حدودٍ أو أرشيفٍ
وأنهم قد جرَّدوكَ من الوزن وأن عينيك تتبرعمان
وأنك تترك العمل والقبَّة والعدم
وأن اسمك يتلاشى مع النسيان
وأنك تستريحُ هادئا وسط البستان
■ ■ ■
الجسرُ
أنتَ تسكن جسدَك
مثل جسرٍ يمتد في منتصف العدم
بلا ليلٍ وبلا أملٍ
الجسد هو الجسر المُعلق من حدٍّ إلى آخرَ
الحدَّان لا يتم الوصول إليهما
لكن يُتكهَّنُ بهما
ليس ثمَّة دوَّارٌ أو خوفٌ
لكنْ رهبةٌ خالصةٌ
يُعبرُ الجسر بالتحسُّس
لا شيء يمكنُ القيام به
عاجلاً أو آجلاً يُلمحُ الدخان
أو ينفك رباطُ الجسر
ليس ثمَّة ليلٌ ولا فراغٌ
ولا جسور أخرى مُمتدَّةٌ تصلحُ لك عزاءً
وليس ثمَّة حظٌّ في رغبةِ أن تعودَ
وتلغي خطواتك
يَتفكَّكّ رباطُ الجسر
تحسُّ نسيجه تحت قدميك
وهذهِ ليستْ استعارةً
الجسدُ يَتفكَّكّ بناؤُهُ.
■ ■ ■
البوم واليمامة
يقرأ البوم ويليام كارلوس ويليامز باللغة القشتالية
واليمامة مقالا عن بينوشيه باللغة الإنكليزية
البوم واليمامة ينامان معا كل ليالي السنة
ويُعدَّان العشاء بعناية
يرقصان التانغو / ويشربان القهوة
لا يسكران أبدا ويدخنان كثيرا
يركضان أربع أو خمس مرات في الأسبوع
هو تخلَّى عن التدخين وهي عن الضَّغطِ النفسيِّ
البومُ يتحمس عندما يسمع غارديل
حتى ولو كان أرجنتينيا أو قوَّادَ الحَارَةِ
اليمامةُ ترقصُ مثل المجنونةِ
لمَّا ينطلق في ستيريو صوتي أني دي فرانكو (أحدث أقراصه المدمجة)
تُحرك ذراعيها
تغنِّي
يتزيَّا البومُ بالأسود
تلمّعُ اليمامة حذاءها
ثمَّةَ صباحاتٌ جدُّ صقيعيَّة حينما تمضي مع قفازاتها
لا أحد يعرف الرياضيات
ستة أميال، كم بحسابِ الكيلومترات؟
وكم من الأزواج هي ثلاث ذُبَاباتٍ؟
في هذه القصيدة البومُ يخرجُ أولاً
اليمامة تركضُ نحوَ الحمام
في كل صباح يتساقط التفاحُ
لا يوجد تفاحٌ على سطح القمر
تنادي اليمامة في الهاتف
تجري باتجاهِ السوبرماركت / تُقارن الأسعار
البومُ يقومُ بالتنظيفِ
يعملان / أجل يعملان
بشدَّةٍ على مدار العامِ بِرمَّتِهِ
ينامان مِنَ الليلِ إلى الصباح
وبعدئذٍ يعملان
يأكلان خبزاً / ويشربان نبيذاً
ويتغذيان على العشاء
الجنرال يصنع من الموتِ حرفةً يدويَّةً
يخرسُ ويليامز
ينامُ البومُ واليمامةُ
يركضان
يحميان نفسيهما من البردِ
والقلقِ
البومُ واليمامةُ
أحياناً ثمَّةَ أيَّامٌ من المؤلم الاستيقاظُ
■ ■ ■
فتاة عربية تجمع لآلئ عقدها المتناثر من فوق الرمال
المحيط يهتزُّ في العينين
أنا أتحدثُ
قال بول هذا سيكون مثل الذهاب إلى الكتاب المقدس
نصلُ الآن إلى فاس مراكش الصويرة
أدخن
ومن الشرفة نشاهد ما يحدث في السوق
فتاة تجمع لآلئها
أكتب
كائنات بلغةِ الصحراء
يخفقُ الكون ويرتد صداهُ
أترنَّحُ
لكنَّ العيونَ تنظرُ لتتذكَّرَ
■ ■ ■
مدينة سوداء
I
قد مات شيموس هيني
10 آلاف عام في رحلة الماموث
والقبائل الجبليَّة
اختارتِ الوادي على العاصفة الثلجية
أن تدوسَ الزليج
ليس هو أن تمخُرَ الأرض
هرمٌ مقلوبٌ
الشعرُ لم يمُتْ
II
الثعبان البشري يسحبُ خلفهُ سنوات من الحضارة
يُنَمِّقُ مآثِرَهُ الحربيَّةَ
III
إلى بوب ديلماس
مثلَ الورقِ البرديِّ للقرآن
تطفو السفينة النشوى فوقَ الجدار
في بلاطات المساء ينتظمُ العالم
الشاب الأفريقي يقرأ غي ديبورد
في زقاقٍ ينتظرُ الشاعرُ القديمُ
أنيابَ الموت
IV
الموت الباريسي الصغير ما بعد منتصف النهار
البيانو ينِزُّ من شدَّةِ القيظِ
وعبر الفِناءِ يرتفعُ دخانُ العربِ
V
تقرفُني السياسة
ففِي معبدِ الحربِ يتمجَّدُ الموتُ
رجالٌ رماديون يقطعون رؤوسهم
حتى اليوتوبيا وإلى الأبد
VI
حكاياتُ حبٍّ قصيرةٌ في شُقَقٍ مغلقةٍ
عبيدٌ لقنواتهم الخلوية
مدينةٌ حيَّةٌ
والموتُ يقيمُ في الجَمال
VII
تُحْدِثُ بطنُ الجحيمِ صَريراً
لمَّا يُوَسِّعُ المِيتْرُو الحلق
متاجرُ فاخرةٌ ومحلاتٌ
تنتظرُ سهواً الثورَة القادمة
VIII
كلاهما قد صفعَهُ الزمنُ
الآلةُ تتنفسُ والجحيم يعوي
بحرٌ مزروعٌ بالحيوانات
نارٌ مُشتعلةٌ
ماذا تفعلُ
عندما تنبثقُ الرُّوح من عينيك؟
IX
11 سبتمبر
أنا أتسربلُ اليومَ بالأسود
لأتجنب الانعكاس المستمر لومضاتِ
طائرات الهوكر هنتر تلك
وهي تتحطم فوق قصر الحكومة
X
يعجبني لكنه يضرُّني
بروائحهم العطنة ينامون في الشوارع متصدِّعين
منكشفين أمام الليل
يسكن الشعر أفواه المجانين
من عيونهم ينبعث ضوءٌ
أروقةٌ متعرجة مُخربشةٌ في دفتر تدوينات
■ ■ ■
DEUTSCHLAND IST WELTMEISTER
(ألمانيا بطلة العالم)
إلى بول سيلان
كيف آكل الآيس كريم في هناء
جنباً إلى جنب مع ابني وصديقتي
حين تسقط القنابل على غزة
وهؤلاء الأطفال الذين كانوا منذ دقيقة يلعبون على الرمال
قد صاروا شظايا مثل سناجب في طريق ما؟
كيف أنظر إلى الشمس
حينما تسقط الصواريخ طائرات تجارية
وأولئك الرجال الأفظاظ بأقنعتهم
كيف يتصالحون مع الحقد لأجل الموت؟
كيف أتناول وجبة الإفطار في ظلِّ شجرةِ السيكويا العملاقة
لمَّا يكون ثمَّةَ ستون ألف طفل محتجزين على الحدود
في صحراء أوسع من المحيط؟
وكيف نشاهدُ نهاية كأس العالم لكرة القدم
لمَّا تكون بعدُ ما تزال الأرواحُ تئنُّ في الاستاد الوطني
وفي جزيرة الشيطان
هل يسقط دريفوس مغمى عليه
متهماً بالخيانة والإرهاب؟
اليدُ القاتلةُ تطعَنُ فتاة في بوينس آيرس
وإصبعُ السَّفَّاحِ تُقَطِّعُ أطرافَ ضحيته
كيف يبقى المرءُ سجينا في قطارِ العالمِ
لمَّا يُصلَبُ المسيح من جديدٍ
وتُدمَّرُ مكتبة بغداد
وتحطمُ تماثيلُ بوذا
في أفغانستان؟
الشبح الوحيد الذي يسافر عبر كوكب الأرض هو الإبادةُ
القنابل العنقودية لمْ تبدِع الآتي
ولا الطائرات بلا طيَّار أضاءتِ الماضي
فكيف يُمكِنُ كتابة الشعر بعد أوشفيتز؟
* Jesús Sepúlveda (سانتياغو، 1967)، شاعر تشيلي من شعراء أميركا اللاتينية الذين برزوا في أواخر الثمانينيات. بالإضافة للشعر، له ثلاثة كتب جمع فيها مقالاته، بما في ذلك بيانه الفوضوي الإيكولوجي المعنون بـ"بستان الخصوصيات" (2002)، تم تجميع مختارات من شعره بعنوان "قصائد متوحش" (2013، الصورة). من منشوراته الشعرية: "مكان أصلي" و"بريدٌ أسود" (2001)، و"مزرعة الكروم البحرية" و"شجرة السيكويا" (2015).
** ترجمة عن الإسبانية: خالد الريسوني