ألا كانوا تدبّروا
صرتُ أشبه بالمسكين.
هذه المدينة الغاوية، أنطاكية
أهدَرَت أموالي كلّها:
هذه الغاوية بمعيشتها المُسرِفة.
لكنّي فتى، بتمام الصحّة.
فقيه باليونانيّة مذهل
(أعرف بل أفقه أرسطو، وأفلاطون؛
والخطباء والشعراء وكلَّ ما تتمنّاه).
لي دراية بشؤون العسكر،
ولي صداقات بقادة المرتزقة.
ولي قليل علم في الإداريّات.
في الإسكندريّة أقمت ستّة أشهر، العام الماضي؛
أعرف إلى حدّ ما شؤونهم (وهذا مفيد):
تطلّعاتِ كاكيرجاتيس، وأعمالَه الحقيرةَ، وغيرَها
من هنا أعرف أنّني بالمطلق
مناسب لخدمة هذا البلد
وطني الحبيبِ سورية.
أيَّما عمل يَكِلون إليّ، سأجتهِدُ
كي أكون نافعاً للبلد. هذه نيّتي.
وإن أعاقوني بأنظمتهم-
نعرفهم هؤلاء الأشاوس: أننطِق الآن؟
إن يُعيقوني، ما ذنبي أنا؟
سأتوجّه إلى زافينَ أوّلاً
وإن لم يقدّرني هذا الغبيّ،
سأذهب إلى خصمه، غريبوس
وإن لم يوظّفني هذا الأحمق أيضاً،
أذهبْ فوراً إلى إيركانوس.
لا شكَّ سيرغب فيّ أحد هؤلاء الثلاثة.
وإنّ ضميري مُرتاح
لقراري المتهوِّر.
ثلاثتهم يضرّون بسورية بشكل متساوٍ
لكن ما ذنبي أنا المُعدم.
أنا محض فقيرٍ يطلب الستر
أما كان بمستطاع الآلهة
أن يتدبّروا رجلاً رابعاً صالحاً؟
لكنت بكل يسر اصطففت معه.
■ ■ ■
سمعان
أعرفها، نعم، أشعارَه الجديدة؛
تحمّست لها بيروت.
سأطالعها في يومٍ آخر.
اليوم لا أقدر لأنّي مضطربٌ قليلاً.
بالتأكيد هو أكثر تبحّراً باليونانيّة من ليبانيوس.
لكن أهو أفضل من ميلايغروس؟ لا أظنّ.
آ، يا مافيس، من ذا ليبانيوس! وما هذي الكتب!
وما هذي الدناءات!..... يا مافيس، كنتُ أمس-
بداعي الصدفة - تحت عمود سمعان.
اندَسَسْتُ بين المسيحيّين
الذين كانوا يصلّون بصمت ويتعبّدون،
ويسجدون؛ لكن، أنا غير المسيحيّ،
لم يكن لي سلامُ نفسِهِم.
وكنتُ أرتجف، وأُدهَشُ، وأضطرب.
آ، لا تبتسِم؛ خمسٌ وثلاثون سنةً، تفكَّر-
صيفاً، شتاءً، ليلاً، نهاراً، خمسٌ وثلاثونَ
سنةً على عمود يعيش ويشهَد.
قبل أن نولَدَ نحن- أنا عمري تسعٌ وعشرون سنة،
وأنت على ما أعتقد أصغر منّي-
قبل أن نولَدَ نحن، تخيّل،
صعِدَ سمعانُ إلى العمود
ومذّاك هو هناك أمام الله.
لا رغبة لي في العمل اليوم
ما عدا هذا، يا مافيس، من الأفضل أن تقوله
مهما يقُلِ السَفسطائيّون،
فإنّي أعترف بلامُن
شاعراً أوّلَ على سورية.
■ ■ ■
نُصُبٌ جِنازيّ لأنطيوخوسَ
ملك كوماجين
بعد عَودةِ أختِهِ، حزينةً، من جِنازتِهِ
أختِ العائش بتقشُّفٍ ودعة
الكثيرِ العلم أنطيوخوسَ ملكِ
كوماجينَ، أرادت له نُصباً جِنازيّاً.
والسُفِسْطائيُّ الأفسُسيُّ كاليستراتُسُ- المُقيمُ
غالباً في دُوَيلة كوماجينَ،
والمُضافُ في البيتِ المَلَكيّ
مراراً وبالترحاب-
كتبه، بمشورة من مدّاحي بلاطٍ سوريّين،
وأرسله إلى السيّدة العجوز.
"مجدَ أنطيوخوس الملك الفاضل
فليُمتَدَح، عن استئهال يا أهل كوماجين.
كان للبلد قائداً بعيدَ النظر
كان عادلاً، وحكيماً، وشجاعاً.
كان أيضاً بهذا سامياً، إنّه يونانيّ-
لا ميزة للإنسانيّة أكثر تشريفاً.
فَما زاد من ميزات الآلهة".
* ترجمة عن اليونانية: روني بو سابا