في النهايات وسلالمها العديدة

12 يونيو 2016
("ثنائي"، نديم كرم، منحوتة بمعدن الستانليس ستيل)
+ الخط -

غابة تقشّرها الريح
مَن ذا الذي
ينتبه الآن
لغابة تقشّرها الريح،
لحجر يطفو في الهواء،
مَن ذا الذي
ينتبه الآنَ
لشامة ترقص في البهو،
لخلخال واقع في الغرام،
لفستان يسهر حتى الصباح،
لفرو يأتي ثملاً،
مَن ذا الذي
ينتبه الآن
لقلم يزغردُ في الظلام،
لبلبل يغمره النسيم،
لشمعة تتقدم
في العاصفة،
مَن ذا الذي
ينتبه الآن
لناي يحرّكه الرعد في الليل،
لكمان قطع البرق وتره،
مّن ذا الذي
ينتبه الآن
للصمت
يرتدي نظارة سوداء،
للندم يوقد احطاباً،
مَن ذا الذي
سينتبه اليّ
أنا المشغول بمراقبة الندى،
مَن...


***

تسويق الموج
غداً سأشهد
طباعة الريح
في الحجر
زراعة الماء
في اليد
تسويق الموج
في طرود ومغلفات،
غداً سأشهد
استنساخ الصحراء
في القلب
ورسوّ السفينة
في غرفتي
وتحويل الشراع
الى ربطة عنق
غداً سأشهد
تحويلي
الى حيّز
طوله متران.

***

الوردة جالسة على الكرسي
دع النايَ
يكن فماً احتياطياً لك،
دع الكمان
يكن ذراعاً ثالثة لك،
دع الشمس تغسل الجلد
مرة في السنة،
دع الشباّك
يصبح سيدة لك،
دع الوردة
جالسة على الكرسي،
إنها ستترك لك
مشطاً من الشذى،
دع النهر
يقص سيرته
في الصيف لك،
دع الاشجار
تكن الصديق المخلص،
دع هذه الأغنية
أن تبيت الليلة في فراشك
فهي امرأة من نوع خاص.


***

بائع المعجزات
أمرّ
ببائع المعجزات الذي يبيع الواحدة
بقيراط من الأمل،
ويبيع المثال
بكوكب مقشور
يبيع الصمت بخفّ صغير
يبيع البسالة
بغيمة عتيقة
يبيع الرضا
بقطعة من قمر،
أمرّ ببائع المعجزات
فأرى الناس لاهثين
يدّافعون
وهم يشترون مصدّات
لدرء الخوف،
يشترون نواظير
لمراقبة اليأس،
يشترون مراهمَ
لتفادي داء الندم
ويشترون من مهرج جوال
مسحوق النعاس.


***

خليج الشفاه
تعالي
من خليج
عائم بالشفاه،
من عيد
قائم في جوف صخرة،
ينبغي
أنْ تعبري في قبلة
قبل أن تشنق الصخرة
بياضها الاملس
قبل أن
يَتيتّم الجسر
قبل أنْ
تغدو القناطر جمعاً من الأرامل
ينبغي أنْ تعبري.


***

مندوب الصحارى
أنتَ مندوب اسمرُ للصحارى،
أنتَ الوجه الآخر للتفاهم،
أنتَ أحد ما
سيموت في كلمة لا،
أنتَ ستنام
قريباً من المستحيل،
منفقاً العمرَ في جرّة
إنْ كسرتها
ستكون هي الأبدية،
أنتَ تعيشُ في طائر
وفي الجناح الأيسر منه،
أنتَ تسهر داخل القلم
وتنام على طرف الورقة،
أنتَ الأخ الثاني للبلبل
لأن الأول هو الجبل،
أنتَ الذي تظهر فجأة
في الجهة الغامضة من الحرير،
أنت الموصول بالندى
المرهون للأفق
الموقوف في الذهب
أنتّ الذي...


***

المستحيل يأخذ دوشاً
أريدُ
من البعيد أن يأتي
راكباً درّاجة نارية،
أريدُ
من المستحيل
أنْ يأخذ دوشاً،
أريدُ
أنْ اعتصر الحصى
لأشرب أكسيره،
أريدُ
من احدى المرايا
زواج المِتعة،
أريدُ
من الجبل
أنْ يطلبَ إجازة
من الذرى،
أريدُ
من الرحيق
أنْ يقدّم أغنيته الرقيقة
عن الواقع.


***

فستانها كمان وقميصها بيانو
يا من تملك الكثيرَ
اعطني الغابة
لأتمشى معها قليلاً،
اعطني الشلال
لأجعله بنطلوني الصيفيّ،
يا من تملك الكثيرَ
هَبني تلك الغيمة
لأجعلها سريري
تلك الأغنية
لأتخذها امرأة لي
فستانها يكون كماناً
وقميصها بيانو،
يا من تملك الكثيرَ
ساعدني
انني رجل وحيد
فامنحني المحيط صديقاً
لمدة عام فقط،
والبحر عشيقة
لمدة شهرين
علنا ننجب سفينة.


***

رضاعة الخطر
عشتُ
في الصعب
في رغوته العالية
في الخطر
ذاك الذي رضعتُ حليبه الاسود،
في النهايات
وسلالمها العديدة التي صعدتها
ولكنني كنت أفلتُ
في اللحظات الأخيرة،
قبل سقوط الأعالي
قبل أنْ
تهوي الذرى
في خلاء موحش،
وعشتُ في الحلاوة ايضاً
في السطر الأخير من تاريخها.



* ولد هاشم شفيق في العراق عام 1950، وغادره عام 1978 وأقام في كل من باريس وبيروت ودمشق وقبرص وبراغ قبل أن يستقرّ في لندن.‏ أصدر ستة عشر ديواناً شعرياً منها: "قصائد أليفة" و"أقمار منزلية" و"مشاهد صامتة" و"غزل عربي" و"صباح الخير بريطانيا".‏ من كتبه النثرية رواية بعنوان "بيت تحت السحاب" نشرها عام 1992، وسيرة "بغداد السبعينات: الشعر والمقاهي والحانات" عام 2014.

المساهمون