اتّفقوا على سحب الأرض من تحتنا

28 يناير 2016
وسماء الآغا / العراق
+ الخط -

صانعو ماركات، يحدث أحياناً أن ترى واحداً منهم، وترى ما يحوز من مجد وهيبة عند شتى شرائح المجتمع، فتستغرب.

أنت القادم من بلاد تستهلك النسخ المزوّرة من بضاعتهم، وإن حالفك الحظ تظفر بالأصلية في البالة.

صانعو ماركات، جعلهم ربُّ الرساميل كلّي القدرة، نجوماً ونماذج وقدوات، ولم يبخل عليهم بالأساطير، لزوم تمام الأبّهة.

صانعو ماركات، حوّلوا عمّالهم وموظفيهم إلى أصفار واضحة، ليُراكموا هم أصفاراً من نوع آخر.

صانعو ماركات (أحدُهم ـ للطرافة ـ يتناول وجبته اليومية مع عماله في المصنع، ويمتلك 80 ملياراً) اتّفقوا على سحب الأرض من تحتنا، كما تُسحب مخدة من تحت رأس الفقير، كي تُغسل وتُنظّف من الأعراض الجانبية لأحلامه.

تمشي في باسيج دي غراسيا، مساء السبت الأخير من ديسمبر، وترى مُنتجاتهم تبرق على الأجساد المحتفِلة، وتتذكّر.

تتذكر أيامك الأولى هنا، حين دخلت بالصدفة أحد فروع "هومانا" في شارع أوسبيتال. كانت التنزيلات في آخرها، والقطعة بيورو أو اثنين. وقعت على جاكيت غامض، واستمزجت رأي متسوّق كهل، فشعّت عيناه بفرح لصوصي: اغتنمها، يا رجل، فهي "زارا"!

أخذتها ثم بعد أسبوع أعطيتها لزميل متشرد يفهم في اللبس.

وتكرّر معك الحدث مرتين ونصف، حتى فهمت وحرمت: ففي الواقع، كل ماركة واسعة عليك، حتى لو أتت من البالة.

وفي الحقيقة، كلّ ماركة ضيقة عليك، وتثير في جلدك الحكّة، حتى لو أتت بلمعتها من الـ "كورت إنغليس" تبع الوارث المحظوظ ديماس خمينو ألباريث.

مالك أنت ومال المظاهر؟ هل نسيت أن ماركتك في نخاعك العظميّ؟
ثم تعال هنا: إذا كان الأسد يساوي أربعة خراف مهضومة، فكم خروفاً يساوي صانع الماركات؟

رفيقك الغاليسي يقول، إنّ ما يُبهره في ذلك الملياردير، أنه بدأ من حانوت صغير. وأنت الذي عملت سنوات طويلة حلوانياً في مستوطنة "بات يام" (تُرى ما اسمها الفلسطيني؟)، سمعت قصصاً تكاد تتطابق: فلطالما تحدّثوا قدّامك عن "سامي بوريكَس" ـ الأسطورة، وكيف كان يحمل صينية المعجّنات على قرعة رأسه ويدحَل في الشوارع.

كلّهم بدأوا هكذا، فما الفائدة؟

هل يغيّر أصل النشأة من حقيقة ابن آدم وقد غدا أسداً؟

ثم لماذا تهرب بعيداً، ولا تتكلّم على قد حالك؟ ألم تكن تظن أنك واجدهم في بلادك فحسب (خاصة بعد أوسلو ومُتلازمته: الـ"إن. جي. أوز")، وها أنت تجدهم أينما ولّيت في أوروبا. ماركسيّوك الذين فشِلوا في تغيير العالم، ونجحوا في ترتيب أحوالهم الشخصية.

ترى كم خروفاً في معداتهم هم الرفاق الأشبال؟

ولماذا "تنَّحت" الرأسمالية على أن البشر، أُسود وخرفان فحسب. ألم يكن أمامها تتنيحة ألطف؟

حقيقة أن الواحد، سيظل يمشي بالساعات في هذه القارّة وهو يتساءل: لمَ الأغلبية تعمل كالمكّوك لصالح الأقلية؟ ثم سيرتاح على كرسي وقد عرف أخيراً:

لغز الحياة أفدح من لغز الموت!



* شاعر فلسطيني مقيم في برشلونة


اقرأ أيضاً: أنت تحبّ هذه الرائحة

المساهمون