قبل أن يُفجع بيومٍ آخر

11 سبتمبر 2015
أحمد دراق السباعي / سورية
+ الخط -

الرجل العابر، نسي حقول الموت في جبهته
نسي أباه، عندَ أول مدرسة وكان يغني:
"كنزة، كنزة، ذات الحايك الأبيض، والليل المليء بالعفاريت"
بحثَ عن كاراجٍ في آخرِ القرية ليتوسّد أحلامه البعيدة وخساراته الفادحة
لم يجد غيرَ نباحٍ عليلٍ لكلب الجيران
وساطورٍ يهوي على رقبته كلما فكّر في البيت المنزوي
حيث إخوته المشلولون يستيقظون في الهزيع
ليتبادلوا التحايا والأنّات...


*

الرجل الأسمر بخدوشٍ على وجهه وأطرافه
كان يتردّد على نهاية القرية بفاجعة في القلب
وفلولٍ من الجنون تلاحق ظلّه الغريب
يبحث عن كاراجٍ مظلم ليسند حفنة الحزن هناك
وكمن يعلقُ على مسندٍ قربة ماء
سينتف الفئران شعره
وسيتقلّب كثيراً قبل أن يفجعَ بيومٍ آخر
تشعّ فيه الشمس، وتنهك حمولته
وتنتهك قفاه التي استفحل فيها الرحيل...


*

الشارع الطويل، الشارع الذي يتمايل فيه سكّير وحمقى ومراهقون
يتسرّب بينهم مجنونٌ بحذرٍ لن يوصله إلى قارعة القرية
لأنهم سيرمونه بزجاجات النبيذِ وعلب التبغ الفارغة
وسيركض الغريب بلا ذنبٍ سيركض ذلك الهيكل العظمي
وسيعبر مُخبر القرية المتعجّل
ببدلة رسمية وهاتف ذكي
لقد كان يسكر معنا
ويكذب كثيراً ليضحكنا
ويشاهد معنا الأعراس البعيدة
حيث ترقص صابرينة المطلّقة
إنّها خيانات العالم البشعة
مدرة أصابت غيمة وسقط المطر قتيلاً


*

إنه يمسكُ السيجارة بين أصابعه النحيلة وهو يعدّل من وضعية جلوسه
يمعنُ فيهاَ النظر قبلَ أن يشعلها مثل من سيحرقُ العالم
يدخّن بطريقة خرافية وهو يغرقُ وسط حلقات الدخّان
إنها لحظة جميلة، حين تصبح السيجارة مثل ذنب عظيم


*

يركضُ ذلكَ المسخ دون نهاياتٍ
ونحنُ نستمرّ في هذا الليل الوقح دون نصائحٍ
لقد تركنا كلّ شيءٍ للمعتدلين
الذين يجلسون في العتبات
ويشاهدون الأيام من بعيد وهي تمضي
دونَ أن يغيّروا من ملاحظاتهم
دفاترهم المهترئة التي بلعوها ذات صائفة
يتجرعونها كلّما تسنى لهم ذلك
بشكل مقرف
ونحن أشباح الليل نمضي دونَ توقّف
نصل إلى البيت المنزوي
لا يصل المجنون
هو فقط يذهب إلى إخوته المستيقظين في الهزيع
ليكسر أعواد الكبريت ويغنّي:
"كنزة، كنزة، ذات الحايك الأبيض، والليل المليء بالعفاريت"
وينتظر يوماً آخر...
نتركه هناك حزيناً ملدوغاً في أكثر من موضع
ونبحث عن محطة للبنزين...


* شاعر من الجزائر 
دلالات
المساهمون