الخيال الفني

كما قد تتعب السكرتيرة من كاتب عجوز وخرف يُملي عليها ما يجول في خاطره من سخافات كي تحوّلها إلى قصة محكمة البناء، تحمل حقيبتها وتغادر مطالبة برفع أتعابها، فكذلك يتعب السارد ويملّ من الكاتب ويسأم، فيلملم أشياءه الخاصة من خيال الكاتب ويغادر.

السراب الآتي من الداخل أخطر من السراب الذي يأتي من الخارج؛ نظرًا لأنه يشكل تهديدًا داخليًا مباشرًا، وقد يؤدّي إلى عدم تقبّل ما هو متاح، والركض المستمر نحو ما يُرى في المخيّلة؛ وفي هذا هلاكٌ للشخص، فالركض والرفض شيئان مرهقان على الإنسان.

كتاب "جنتلمان المكتبات" لألبرتو مانغويل كتاب أبطال حقيقيين ومتخيّلين، حيث الكتب والكُتَّاب، القرّاء والمكتبات والشخصيات الروائية... كما أنه كتاب رحلة في النسخ المتعدّدة للكاتب المتعّدد المهام والانشغالات. هنا إطلالة على الكتاب واشتباك مع أفكاره.

المميّز في الحكاية، بشكل عام، هو حضور الخيال الإنساني كخالق عظيم، فالخيال هو الذي يبتدعُ الحكاية من الصفر، يَبتكر فكرتها التي هي بمثابة طينتها الأولى، ثمّ يُمسك طينتها ويُشكّلها كما يشاء، يَخلقُ منها المكان والزمان والشخوص والأحداث...

هنالك دهشة وحماسة مختلفة تظهر في عيون الكبار عند زيارة أماكن الطفولة، تلك التي كان يسرح فيها خيالهم، في رؤية العالم المرئي بعكس ما كانوا يرونه في الطفولة. حقاً، كيف نستعيد أماكن طفولتنا؟ وأيّ شعور ينتابنا حين ندرك أنها أزيلت من ذاكرة المكان؟