مشاريع الشاب العراقي بين غياب الدعم والدعاية السياسية

07 يونيو 2016
(في الحلّة، تصوير: حيدر حمداني)
+ الخط -

بين الثقافة والإغاثة، تتقلّب أفكار الشاب العراقي حول مشاريعه الآنية والمستقبلية، تاركاً الجانب المادي إلى الغد الذي يستند بحمله على وظائف صغيرة بمداخيل بالكاد تكفيه لسد احتياجاته اليومية.

حسناء طبرة، الرسامة ذات التسعة وعشرين عاماً، موّلت معرضها التشكيلي الأول على نفقتها بالكامل.

تقول طبرة، في حديثها إلى "جيل العربي الجديد": "لم تموّل أي جهة معرضي الشخصي الأول، فقط القاعة التي عرضت فيها أعمالي كانت مجانية، لأن المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي يقدم هذه الخدمة مجاناً للجميع"، مضيفة "لم أحاول الاتصال بوزارة الثقافة والخوض بإجراءات روتينية طويلة ومعقدة. إن كانت هناك فرصة للدعم في السابق فلا أعتقد أنها ما زالت موجودة في ظل حالة التقشف والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد".

 بعد سقوط ثلث الأراضي العراقية في يد "داعش" قبل عامين، غصّت المدن بالنازحين وتأسّس عدد من المنظمات الصغيرة والكبيرة، مستقلة وغير مستقلة، لإغاثة هؤلاء النازحين. منظمة "غوث" كانت قد سبقت هذه الأحداث بمسمى "دفيني"، على شكل حملة إنسانية بادرت بها مجموعة من الشباب العراقيين، على رأسهم رضا الشمري وأحمد آغا.

في حديثٍ إلى "جيل العربي الجديد"، يحكي الشمري عن بداية هذه الحملة: "منظمة غوث الإنسانية انطلقت في البداية تحت اسم حملة دفيني لإغاثة اللاجئين السوريين الى العراق، وتمكّنت من توزيع نحو ثلاثة آلاف بطانية وألف حصة غذائية على اللاجئين، مستخدمة أسلوب جمع التبرعات من الناس، عن طريق حملة إعلامية اعتمدت على الفيسبوك في بدايتها بشكل كامل. بعد أحداث الموصل، انطلقت حملة دفيني 2 التي أوصلت بطانية ونحو ألف حصة غذائية إلى النازحين العراقيين من أهالي الأنبار الذين اختاروا كربلاء في وقتها مستقرّاً لهم".

يتابع: "تطورت حملة غوث إلى منظمة إنسانية قائمة على التبرعات والتمويل الشخصي من مؤسسيها، وقدمت العلاج والغذاء والملابس والرعاية الطبية لأكثر من 30 ألف نازح في مناطق بغداد، كربلاء، بابل، نينوى، الأنبار، كردستان، والمناطق التي تشهد نزاعات عسكرية، مثل خازر وسنجار".

وعن مشاكل التمويل، يقول: "كان الخيار بين الاعتماد على التبرعات وضمان استمرارية الحملة، أو التضحية بمصداقية الحملة والقائمين عليها وقتلها مع كل ما تمثله من خلال قبول تبرعات الأحزاب. بعملية رياضية، وجدنا أن من الممكن مساعدة عشرة آلاف نازح آخرين، لكننا سنقتل كل مصداقية لنا ولغيرنا من المنظمات الزميلة إن قبلنا مساعدات أشخاص وأحزاب حولها الكثير من علامات الاستفهام".

يضيف: "عرضت علينا أموال بمبالغ كبيرة، مقابل أن نعلن تبني الشخصية الفلانية أو الحزب الفلاني لغوث، وأن تحمل قوافل الحملة اسم ذلك الشخص أو تلك الجهة. المضحك المبكي أن الجهات التي قدمت العرض لم تشترط، مثلاً، أن يصل التبرع إلى عدد من الأشخاص، أو أن يحتوي على مواد غذائية أو إغاثية معينة. شروط هذه الجهات تمحورت حول اسم الشخص أو الجهة، وأبعاد اللافتة التي ستحملها سيارات غوث ولونها وقماشها، وهذا ما رفضناه بالتأكيد".

يشير الشمري إلى تعاطف بعض المسؤولين الحكوميين مع الحملة: "وفروا تسهيلات تتعلق بالحركة لقوافل المنظمة داخل وخارج بغداد، وهذه مساعدة كبيرة، لأن الأوضاع والإجراءات الأمنية تعيق التحرك وتجعل كل المنظمات تعمل بصعوبة بالغة"، مؤكداً في الوقت نفسه "عدم دعم الحكومة العراقية بأي شكل من الأشكال".

بعد ثورة يناير المصرية، أصبحت لوسائل التواصل الاجتماعي وظائف أخرى غير التواصل الاجتماعي؛ إذ أنشئت صفحات أدبية وعلمية وسياسية نافست بقوة وتجاوزت الكثير من المؤسسات وبجهود فردية، إحدى هذه الصفحات "أنا أصدق العلم"، والتي عُنيت بترجمة العشرات من المقالات والدراسات العلمية وتبسيطها، موفرة مادة سلسة وسهلة للمتابع.

حسين رياض، وقبل أن يتجاوز العشرين من عمره، كان أحد القائمين على هذه الصفحة، يرى أن "عدم توفر التمويل منع ظهور إنتاجات قد تكون الأولى من نوعها عربياً، كالأفلام الوثائقية أو التقارير العلمية أو برامج كاملة لتبسيط المواضيع العلمية".

يقول رياض: "لاحظنا أن الصفحات العربية في فيسبوك تدّعي نشر العلم، إلا أنها صفحات تروّج لعلوم زائفة، وتضر بالقرّاء من خلال نشر المعتقدات الشعبية الخاطئة، فكانت صفحة (أنا أصدق العلم) كأول مشروع علمي عربي يهدف إلى تبسيط الأوراق البحثية العلمية ونشرها باللغة العربية، حيث استطعنا خلال سنوات قليلة تجاوز عتبة المليون متابع، وكانت زيارات الموقع الذي افتتحناه بعد الصفحة بالآلاف يومياً".

يضيف: "استبعدنا فكرة إصدار مجلة، فالمجلات العلمية شقّت طريقها بصعوبة، مثل مجلة nature. أن تكون لديك مجلة علمية رصينة يعني أن تكون لديك تعاقدات مع مراكز بحثية علمية خاصة لتزويدك بالأخبار والتقارير أولاً بأول، وهذا مستحيل، لكن الصديق حيان الخياط، لاحظ أن المقالات التي تُنشر في (أنا أصدق العلم) وفي (العلوم الحقيقية) تندثر شيئاً فشيئاً خلال الشبكة مع الزمن، فقام بجمع المقالات وطلبها منّا وقسّمها إلى عدة تصنيفات وفصول، ووضعها في كتاب سمّاه (العلم للجميع)، اقترب من الـ600 صفحة. ورغم غياب الدعم من أي جهة، نفدت الطبعة الأولى بزمن قياسي".

يشير رياض إلى أنهم لم يهدفوا للحصول على تمويل: "فالمشروع تطوعيّ منذ بدايته، ونحن نستقطع وقتاً من دراستنا وأعمالنا ونبذل جهودنا لنّقدم للقارئ ما يستحقه، لكن كما أسلفت لو توفر الدعم لقدمنا أكثر من هذا بكثير".

دلالات
المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.