أنهى الفنانون عملهم: كانت هناك كلمات عربية مرسومة فوق الحائط.
توجه الفنانان المتحمسان، شاب وفتاة، لمسؤولي الإنتاج مبلغين إياهم أنهم قد أتموا عملهم، لم يتفحص أحد ما كتبوه، فقط ألقى أحدهم نظرة عامة، راق له المشهد؛ بدا فعلا كأرجاء معسكر للاجئين في سورية، شكر الفنانين وصرفهم.
بعدها ببضعة أسابيع، كان "دون ستون"، أكبر أعضاء الفريق الثلاثة، المسمى بـ "فناني الشوارع العرب"، يبدأ في التوتر جالسا إلى مكتبه، هل اكتشف المنتجون الأمر؟ راجع حسابهم البنكي: حسنا، لقد نجحوا. لقد دفع منتجو مسلسل "الأمن الوطني" (homeland security) مقابل خدماتهم فعلاً، ولم يراجع أحدهم الأمر.
كتب الفنانان، كرم كب وهبة أمين، العديد من العبارات، كان من أبرزها "الوطن عنصري".
جلسوا ينتظرون إذاعة الحلقة، لم يعرفوا أي حلقة هي في الموسم الجديد، ولكنهم كانوا محظوظين، ولم يضطروا لمشاهدة العديد من حلقات المسلسل السخيفة، لقد ظهرت عباراتهم في الحلقة الثانية بعدها بساعات، وكان بيان مجموعة "فناني الشوارع العرب" الذي أعلن عن اختراقهم للمسلسل (هي نفس مفرد hack التي ألفناها إلكترونيا)، ليكتب أن حلقات مسلسل الوطن عنصرية، ومليئة بالتضليل والادعاءات والدعاية للوطن الأميركي العظيم.
كتبت العديد من الجرائد الشهيرة عن الموضوع، وتناولتها العديد من البرامج الأميركية الساخرة، وكان حظي حسنًا حين عبرت بمكتب "دون ستون"، في ضاحية البرينزلاوبرج البرلينية الشهيرة، بعد إطلاق فيلم المجموعة القصير "الوطن ليس مسلسلا" عبر الإنترنت.
وعندما وصلت، حيّاني ستون بحفاوته المعتادة، ثم سألني إن كنت قد سمعت عن المقلب الذي فعلوه، أجبته بأنني قد سمعت شيئًا ما عن هذا، ولكنني أود سماع الحكاية كلها، قال لي هناك ما هو أفضل، شاهد هذا. وضعت السماعات وشاهدت الفيلم، ولكنه لم يكن تسجيليا فعلا، كان فيلماً فنياً يتناول ما حدث، ويقول وجهة نظر الفريق فيما فعلوه، قال لي ستون إن المخرجة الأميركية الشهيرة "لورا بويتراس" الحائزة على جائزة الأوسكار، قد استضافت إطلاق الفيلم عبر موقعها الإلكتروني المخصص لحرية التعبير.
في نهاية الفيلم استشهاد باختراق آخر، من فيلم "ويسترن" أميركي، حين يتلفظ الممثل ذو الأصل الأميركي بشتائم للغازي الأوروبي الأشقر الواقف أمامه، دون أن يفهم فريق التصوير الهوليوودي ما يتلفظ به، كنا نضحك أنا وستون على فكرة أن ما فعله الممثل، وما فعلوه هم، كان مدفوع الأجر، كان ستون مدفوعا دائمًا بنزعته السياسية، تذكرت كيف قابلته في المرة الأولى عبر صديقي العزيز مجدي الشافعي، مبدع رواية "مترو" المصورة، وكيف زرته لأول مرة في مكتبه، حين كنت أتأمل اللوحة التي يرسمها الصديق الفنان عمار أبو بكر، فوق حائط مجاور لمكتب ستون، مصورا شيماء الصباغ، كنت جالسا في برد برلين، مستعينا بشاي ساخن ولفافة تبغ جيدة، وبجواري كانت إيلين، التي ستعيش درامتها الشخصية بعد قليل جدا، حين يحتجز حبيبها المصري، الدكتور أحمد سعيد فور وصوله لمصر.
سألته: "ألم تخش أن يكتشف الأميركيون ما فعلتموه"؟ ذكرته بمشكلته مع السلطات المصرية حين صادرت كتابه "حوائط التحرير" قبل أقل من سنة، قال لي: "طبعا! كنت أنتظر ذلك، لكن لم يراجع أحدهم على أي شيء.. أي شيء البتة"، وددت أن أخبره كم أجد الأمر سخيفا حين يحضرون أحد الممثلين ليتلفظوا بأي كلمات ذات أصوات حلقية، ثم يبيعون ذلك للمشاهد الأميركي على أنهم "الارهابيين العرب"، كان ستون سعيدًا بما فعله، وكنت أنا سعيدًا أيضًا.
الوطن، ليس بالفعل، مسلسلًا مملا مليئًا بحكام كاريكاتوريين وأحداث لا تصدق.
فقط، لم أخبره أنني عندما رأيت الأخبار عما فعلوه، لم أفهم العبارة على محمل آخر، نعم: الوطن فعلا عنصري".
(مصر)