آخر كلمات ممدوح عبد العليم

14 يناير 2016
الفنان الراحل ممدوح عبدالعليم (الفيسبوك)
+ الخط -
من الفنانين والإعلاميين المصريين مَنْ التزم الصمت تماماً أمام خطايا انقلاب مصر الفادحة، وأكثر ما يفعله أغلب هؤلاء تلبية نداء قائد الانقلاب "عبد الفتاح السيسي" كما تمت دعوتهم للقاء الرئيس محمد مرسي. وفي الحالتين يذهبون، وفي كلتيهما من يلتزم الصمت، وإن أبدوا انتعاشاً، أو مثلوا تجاوباً اكتفوا بهز الرأس، وخاصة لما تصادف الكاميرا تصادماً بوجوههم، والأسماء أكثر من أن تحصى، ومنهم الذي لا حضر لا هذا ولا ذاك، موقف سلبي بالتأكيد، خاصة مع وجود فنانين اتخذوا موقفاً معادياً للحكم العسكري وبطشه وتدميره لأبناء الوطن ثم الوطن نفسه.. والأخيرون، على قلتهم، محميون بحكم "الشهرة" التي تمنع بطش الشرطة والجيش بهم، ومَنْ شعر بإن "ملاءة" الشهرة لن تحميه بادر بالخروج.. و"تلقفته" قنوات الطرف الآخر!


لكن موقف الراحل ممدوح عبد العليم، رحمه الله، كان مختلفاً، وهو الموقف الذي ينبغي أن أوضح قبله أن كثرة عدد المُتوفينَ من مؤيديّ الانقلاب لا يعني لدى كاتب هذه السطور إلا طول عمر الانقلاب ليس أكثر، وقدرته على بسط نفوذه على أرض الواقع، لا كما أحب.. لكن كما هو الأمر الواقع من آسف، ثم النقطة التالية أن الشماتة في الموت أمر مرفوض تماماً لديّ ومُعاب بشدة، وإن الميت إذ يغادر دنيانا له منا كل التقدير والاحترام.. خاصة وهو في موقف غياب لا تتاح له فيه القدرة على الرد ولا الدفاع عن نفسه، وهو موقف أكثر من مبدئي، وخاصة أننا سائرون إليه في يوم لعله قريب ونحن لا ندري.. من هذا المنطلق سوف تتابع كلماتي عن الراحل.

تميّز موقف "عبد العليم" بالانحياز إلى الطرف الأول من الفنانين الصامتين إلا قليلاً، وأقصد بالقليل رحلة قائد الانقلاب الأخيرة ببعض الفنانين إلى ألمانيا لتحسين صورة الانقلاب، ومن القليل تصريح تلفزيوني لا أحب تذكر تفاصيله، مرات قليلة نادرة إذن تلك التي تحدث وتحرك الراحل "عبد العليم" فيها، والتصريح كان في أبريل/ نيسان من السنة الماضية، والتحرك نحو ألمانيا كان في نهاية السنة نفسها، ومع العسكر الذين لا يريدون أن يسير الناس معهم إلا على طريق واحد من اثنين: إما الصمت المطبق صمت الأموات عن تجاوزاتهم وجرائمهم، أو التأييد المطلق لما يفعلونه على طول الخط، ولكن الموقف الذي ينحاز إليهم مرات قليلة لم يكونوا ليفهموه، وليست لديه ثقافته، ولا يُؤمل منهم أن يستوعبوه..!

كان موقف الراحل لغزاً بالنسبة إليهم، يريد الانحياز لكن "الأبيض" بداخله يمنعه، وكان له مسلسل في التسعينيات يذكره مَنْ تقدم في العمر اسمه: "أبيض .. أبيض"، أو أنه يُعارض الانقلاب لكن "يخزي العين عنه".. ربما كانت سمة المتوتر الخائف بداخلة تدفعه دفعاً لقول ما لا يحب.. وفعله مرات نادرة أو هكذا فهم العسكر "لما فهموا" وهم يفهمون ما يحبون.. وأحسب أنهم لم يكتفوا بفهمه بل "تقولوا" عليه.. بل "قوّلوه"، أي أجروا كلمات على لسانه لم يقلها.. أما تمام ما قوّلوه له فما نشرته إحدى كبريات الصحف الانقلابية صباح الأربعاء التالي لصبيحة وفاته، إذ أبرزت الصحيفة المخابراتية من الطراز الأول "بوست" نشره شاب في "الجيم" الذي توفي فيه الراحل، على نحو أذهل الشاب صاحب "البوست" واضطره للاعتذار على صفحته الشخصية من نفس موقع التواصل الاجتماعي.. متعللاً بأنه لم يكن يتخيل أن تنتشر كلماته بمثل هذه السرعة، وعلى نطاق تقرأه الملايين..

ما حدث هذه المرة أن الانقلاب ثاني يوم وفاة "عبد العليم"، الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني الحالي، أوعز إلى إحدى أوسع صحفه انتشاراً، بنشر كلمات شاهد عيّان قال فيها إنه لما شاهده يسقط ظنه "داخ" و"قشطة" سيقوم بعد قليل.. لكن صديقه عاد إليه، وكان الأول يشاهد مباراة للزمالك في التلفزيون، فلما سأله الأول:
ـ هل أفاق؟
أجابه:
ـ لأ.. مات خلاص.. هوه الزمالك جاب الجون التاني!

هكذا بمنتهى البساطة يتحدثان عن حياة "إنسان" دعك من شهرته لكنه كان يملك روحاً مثلهما، وفي ثقافتنا العربية تخوف دائم بل قشعريرة من زيارة "ملك الموت" لمكان نحن فيه، كل هذا ذهب، ويصف الشاب الحياة في "الجيم" أنها استمرت كما هي بعد أخذ الجثمان!

لقد تعمد الانقلاب إهانة الراحل من طرف أرادوه خفياً، وإلا فكيف وصل محرر صحيفة "التحرير" إلى بوست الشاب الذي حكى القصة الماضية من ضمن عشرات الملايين من البوستات اليومية؟! ولماذا تم ذلك مع الراحل فقط؟ وتلك صحف لا تنشر إلا بأوامر عليا..

ما هكذا كان الراحل يستحق منهم.. ولكنه طبع الانقلابيين لا يخفونه ولا يبدلونه.. ومستحيل أن يفعلوا.. قالوا على لسانه ما لم يرد.. وتقولوا عليه بعد رحيله ما يكره أي إنسان.. ولم يراعوا كرامة له ولا لملايين المصريين الذين تناقلوا قصة رحيله فأحزانهم تعامل المصري مع أخيه وقت الممات!

(مصر)

المساهمون