اعتصام بيروت.. إضراب مفتوح عن الطعام حتى يرحل "المشنوق"

24 سبتمبر 2015
للمرة الأولى أشعر بالانتماء (فرانس برس)
+ الخط -
في وسط مدينة بيروت على الرصيف المقابل لوزارة البيئة نصب عشرة شبان لبنانيين خيمهم، وأعلنوا إضرابهم المفتوح عن الطعام، إلى أن يعلن وزير البيئة "محمد المشنوق" استقالته.
وارف سليمان، الذي نقله الصليب الأحمر نهار الجمعة 11 سبتمبر/ أيلول إلى المستشفى نتيجة تدهور حالته الصحية، كان أول من أضرب عن الطعام بتاريخ 2/ 9/ 2015 الساعة 1 صباحاً، لينضم إليه لاحقاً شبان من مختلف المناطق اللبنانية، لم يلتقوا سابقاً، كل ما يجمعهم هو الوجع والإحباط وعدم قدرتهم على العيش بكرامة واستحصال حقوقهم في ظل النظام السائد. بالإضافة إلى جرعة أمل بأن التغير قد يأتي ولو متأخراً.


من أعناقهم تتدلى بطاقات تعريف تضم أسماءهم، تاريخ بدئهم بالإضراب، وهاشتاج #ماء_ملح. على خيمهم قاموا بتعليق شعارات "ذوق يا مشنوق"، "إضراب عن الطعام "، "مستمرون".. وغيرها.

هم على وشك إنهاء أسبوعهم الثالث من الإضراب، ورغم أن أجسامهم بدأت تخذلهم إذ تم إدخال معظمهم الى المستشفى بسبب تدهور حالتهم الصحية، إلا أنهم يأبون التخلي عن الحراك.

يقضون معظم وقتهم على هذا الرصيف في وسط المدينة، يأنسون بكل من يأتي لزيارتهم أو يتضامن معهم عبر الإضراب ولو لساعات محدودة، مما يعطيهم دافعاً للاستمرار.

ودائماً ما تكون التضامنات مليئة بالسجائر والقهوة وهي الأشياء الوحيدة بالإضافة إلى الماء التي تدخل إلى أجسادهم والتي بحسب قولهم تشكل المنفس الوحيد الذي يساعدهم على تحمل بعض المواقف التي يتعرضون لها من قبل المارة غير المؤيدين لهم.

يتحدث المضربون مع بعضهم أو مع هؤلاء المتضامنين معهم ببطء وبصوتٍ خافت يملؤه التعب. منهم من لم يعد يستطيع أن ينام ليلاً بسبب الجوع كما أن ذاكرتهم البديهية لا تلبيهم دائماً فيمازح أحدهم قائلاً "كل يوم بنسى أسماء الكل".

ورغم الهمود الجسدي المسيطر إلا أن عزيمتهم تنمو يوماً بعد يوم. ورغم كفر الجوع إلا أن ايمانهم بحراكهم لم يتزعزع.

للطموح في لبنان حدود سياسية، الأمر الذي اختبره نزيه خلف، فهو عانى مثله مثل آلاف اللبنانيين من الفساد المتفشي في معظم المؤسسات. الأمر الذي كلفه مهنته، فقام باتخاذ وظيفة ليعتاش منها ويؤمن حياة كريمة لابنته البالغة من العمر 7 سنوات.

إلا أنه في الخامس من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري قام باتخاذ قرارٍ، وبحسب قوله هو أكثر قرار صائب اتخذه على مدى 39 عاماً. يقول نزيه: "لا أعتقد أنه يوجد فرد واحد في لبنان لم يمر أقله مرة واحدة بظروف سيئة فرضت عليه بطريقةٍ أو بأخرى بسبب الطبقة السياسية الحاكمة. يوجد في لبنان حالة يأس جماعية وإن لم نتصرف الآن سيقوم الجيل القادم بلومنا كما نلوم آباءنا. لطالما أردت التعبير عن كل هذا الإحباط لكن الخوف يشل الإنسان".

ثم أضاف: "إن أغلب المواطنين اللبنانيين تخدروا، فما إن يسمعوا أحدهم يطالب بحقوقه بطريقةٍ صارخة يأتي ردهم: "ما حتغير شي" لكن عندما رأيت وارف والشباب قد بدأوا بإضرابهم عن الطعام علمت فوراً أنه علي الانضمام إليهم. وللمرة الأولى أشعر بالانتماء لأن هذا الحراك يتخطى الذات ليطال شريحة كبيرة من المواطنين".

وعن وضعه الجسدي والنفسي قال نزيه: "حتى الآن لا زلت مسيطراً على الوضع. لم يتم إدخالي إلى المستشفى. بالإضافة إلى أنني مؤمنٌ جداً بما نقوم به الأمر الذي يعطيني دافعاً للاستمرار والتركيز". وعند سؤاله عن شعوره بالجوع علق قائلاً: "بعد مرور عدة أيام تصبح مخدراً" مضيفاً: "سأجوع حتى يستقيل المشنوق".

أما "صلاح جبيلي" 25 عاماً انضم إلى الإضراب بتاريخ 2/ 9/ 2015 الساعة 2 ظهراً. فيقول: "في هذا الوطن لم يعد لدينا ما نخسره. المواطنون يموتون على أبواب المستشفيات ولا يحصلون على أدنى حقوقهم من ماء، وكهرباء، وتعليم وقريباً قد يموتون من الكوليرا. نحن لسنا هنا فقط من أجل ملف النفايات لكن هذه الأزمة كانت القشة الأخيرة وأصبحت خطوتنا الأولى. وعندما يتفشى الفساد ويطال كل المؤسسات يجب مواجهته بقوة أكبر".

وأضاف: "بلغنا مرحلة حيث المطالبة ورفع الشعارات لم تعد تهز عرش الطبقة الحاكمة. فوجب علينا التصرف وكان على ردة الفعل أن تكون أقوى من فعل الفساد نفسه. أحد منا لم يعد بإمكانه العيش بالأوضاع الراهنة وإن كان الموت النفسي محتوماً علينا في وطننا أفضل أن أموت جسدياً محاولاً استرجاع أدنى حقوقي. أقله سيكون سبب موتي شريفاً".

قبل أن يصبح الشارع منزلهم مر هؤلاء الشباب بقصصٍ رغم اختلاف أحداثها وتفاصيلها، خلفت بداخلهم مشاعر متشابهة، تشبه تلك الموجودة داخل أغلب المواطنين اللبنانيين المنتمين إلى كل الأعمار والفئات. الأمر الذي تبلور في التظاهرات في وسط بيروت حيث قام الشعب بالانتفاض على حكامه مطالباً بحقوقه. واعتبر المضربون عن الطعام أنه على كل وزير فشل بتأدية مهامه الاستقالة وأن فعلاً كهذا يعبر عن وطنية أما التشبت بالكرسي وعدم الاكتراث للمصلحة العامة فهو أمر لم يعد الشعب اللبناني يرضى به. وأكدوا أنهم مستمرون مهما كلف الأمر وهم مستعدون معنوياً وجسدياً لكل الاحتمالات.

(لبنان)
المساهمون