مجزرة رابعة.. عامان على الفض

13 اغسطس 2015
دخان كثيف وألسنة نار تتصاعد،وقنابل الغاز تملأ المكان(فرانس برس)
+ الخط -
تحل الذكرى الثانية لمجزرة رابعة العدوية الجمعة، 14 أغسطس/ آب الجاري، هذا اليوم الذي استيقظ فيه رافضو الانقلاب على كابوس لم تخل أحداثه من الدم والقتل والحرق وصور مئاتِ الجثث الملطخة بالدماء وأخرى متفحمة، وأشلاء انتشلتها جرافات الجيش ضمن مخلفات الاعتصام.


بداية الاعتصام
وكان الآلاف من رافضي الانقلاب على الرئيس، محمد مرسي، قد خرجوا إلى الميادين العامة في مختلف محافظات مصر لإظهار شعبيته مقابل دعوات وتوقيعات حملة تمرد لإسقاط الرئيس، واستمر الاعتصام اعتراضاً على بيان الفريق أول (حينها) عبد الفتاح السيسي وعزله الرئيس المنتخب وتعطيل الدستور وتكليف عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية برئاسة الجمهورية مؤقتاً، أكبر تجمع من أنصار مرسي ورافضي الانقلاب احتضنه ميدان رابعة العدوية في مدينة نصر شرق القاهرة، ومن الميدان استمد الاعتصام اسمه "اعتصام رابعة".

بدأ الاعتصام في 28 يونيو/ حزيران، واستمر 48 يوماً، حتى قامت قوات من الشرطة مدعومة من الجيش بفض الاعتصام مع فجر 14 أغسطس/ آب 2013، وعلى الرغم من علم قيادات من جماعة الإخوان نية السلطات المصرية فض الاعتصام، إلا أنهم والمعتصمين، لم يتوقعوا حجم المجزرة والجريمة الإنسانية التي اُرتكبت في حقهم، والتي وصفتها منظمات حقوقية دولية ومحلية "بأسوأ مذبحة في تاريخ مصر الحديث".

كواليس المجزرة
قبل السادسة صباحاً، بدأت القوات تستعد لفض الاعتصام وأحكمت سيطرتها على كل مداخل الميدان، المعتصمون المرابطون في الصفوف الأولى عند البوابات، حيث الحواجز الرملية والبراميل، حاولوا التصدي للجرافات لمنع رفع الحواجز والإبطاء من حركتها بما يملكون من حجارة، بينما كان رد الأمن أقوى وأعنف، مستخدماً وابلاً من القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي وقُتل منهم مَن قُتل.

دخان كثيف وألسنة نار تتصاعد، وقنابل الغاز تملأ المكان، تتزايد حالات الاختناق وتسمع أذناك صراخاً من هنا وهناك واستغاثات برب العباد، متطوعون لحمل جثث الشهداء بعيداً عن النيران، أو جرافات الجيش التي لم تجد غضاضة في دهسها، لم يسلم بعضهم لرصاصات الأمن، حالات هستريا من هول المشهد، وفقدان الأمل في النجاة، معتصمون يلفظون أنفاسهم الأخيرة، وآخرون يلقنونهم الشهادتين، الكل يجري في اتجاهات مختلفة، وتنقل مقاطع الفيديو أكثر الصرخات ألماً لطفل سقطت أمه أمام عينيه صارخاً "اصحي يا ماما، يا ماما اصحي بالله عليك".

بعضهم آثر النجاة وفضل الخروج عبر ممرات افترش طريقها بالغاز والرصاص المطاطي والحي، حددتها قوات الأمن مع وعد بعدم الملاحقات الأمنية، -كان الوعد وهمياً- فمن يسلك هذا الطريق إن أمن مكر اللجان الشعبية التي شكلتها أهالي المنطقة للقبض على أي معتصم وتعذيبه، فلن يسلم من الملاحقات الأمنية.

تفاصيل الساعات الأولى كانت متاحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وما تنقله الصحف والمحطات العالمية، إلا أن الأمر لم يستمر على هذا الوضع، فلم يكن هناك رغبة في نقل وبث كل ما يحدث في رابعة، فألقت السلطات القبض على كل الصحافيين والإعلاميين وصادرت ما يحملون من "كاميرات"، وأصيب بعض المراسلين بطلقات نارية، ولم يعد سوى التليفزيون المصري بأكاذيبه وادعاءاته مصدراً لنقل الصورة، ومع ذلك بقيت هواتف المعتصمين وتسجيلاتهم مصدراً أساسياً في توثيق المجزرة.

استمرت قوات الأمن في فض الاعتصام على مدار 12 ساعة متواصلة، لم تتوان في الاستخدام المفرط للقوة، خصوصاً بعد ظهر يوم الفض، هذا الوقت الذي شهد تكثيفاً للرصاص الحي واعتلاء القناصة أسطح المباني المحيطة بالمنطقة، أو إصابتهم للهدف من طائرات تحلق فوق الميدان، وسيطرت قوات الأمن على المستشفى الميداني، وأعطت أوامرها بإخلاء المبنى وترك المصابين الذين لم يقدر عددهم، ومع الساعة السادسة مساء كانت المهمة قد أوشكت على الانتهاء، ونجح الأمن في الإخلاء القسري للميدان كاملاً.

تحول ميدان رابعة إلى ما يشبه مدينة الأشباح أو آثار قصف حربي، الظلام يخيم على المكان، والدخان يتصاعد في مختلف الأرجاء، رائحة الموت والدم تفوح عن بعد، حتى مسجد رابعة، حيث تتراكم الجثث داخله، طاوله الحريق وتفحمت جدرانه، كان على الأهالي إيجاد طريقة ومكان آمن لنقل جثث الضحايا، بالفعل تم نقلها إلى مسجد الإيمان، حتى عصر اليوم التالي، وسط محاولات مستميتة لحفظها ووضع قوالب من الثلج عليها إلى حين الحصول على تصاريح الدفن وسط ارتفاع درجات الحرارة.

غياب العدالة
اتهمت وزارة الداخلية معتصمي رابعة بحيازتهم أسلحة ثقيلة، ووصفه إعلام الدولة بالاعتصام المسلح، ويحاكم إلى الآن عدد منهم بتهمة استخدام العنف ضد أفراد الشرطة يوم الفض، في حين لم يقدم أحد من المسؤولين عن قتل المئات للمحاكمة، وتبقى أعداد الضحايا هي الحقيقة المجردة من أي أقاويل، وإن اختلفت الإحصائيات، ففي بيان رسمي له، أعلن الطب الشرعي أن إجمالي عدد ضحايا رابعة 377، وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريراً يفيد أن أعداد ضحايا رابعة وصل إلى 632 قتيلاً، منهم ثمانية شرطيين فقط، في حين أكد تحالف دعم الشرعية أن إجمالي شهداء رابعة وصل إلى 2600، وتحدثت بعض قيادات الجماعة عن وصول الرقم إلى 3000، وآلاف أخرى من المصابين، إلى جانب الاعتقالات والملاحقات الأمنية والمستمرة حتى هذه اللحظة.

عقب فض رابعة شاع بين المتعاطفين من المصريين ومختلف أنحاء العالم رفع "شارة رابعة" وهي لكف أسود طويت إبهامه على خلفية صفراء اللون، ويستخدمه أنصار الرئيس المعزول للتذكير بهول ما جرى في رابعة، ووضعها العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي كصورة "بروفايل" خاصة بهم، لكن هذا الشعار أثار غضب السلطات المصرية، فعزمت على معاقبة أو محاكمة كل من يرفعه.

يذكر أن "حركة شباب ضد الانقلاب" دعت إلى انتفاضة كاملة في ميادين مصر كافة لإحياء الذكرى الثانية للمجزرة، ودشن ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صفحة تحمل اسم "قصة رابعة" لتوثيق وإحياء أحداث الفض، كما دعت "جبهة علماء الأزهر" عموم المصريين إلى الخروج وإحياء ذكرى أكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث.

(مصر)
المساهمون