الشباب بين الثورة والاقتتال

11 يونيو 2015
على الشباب تحكيم العقل حتى لا ينزلقوا للطائفية (Getty)
+ الخط -

عوامل عديدة أدّت إلى التحول بمنطقة المشرق العربي من الثورات إلى الاقتتال الطائفي والحرب الأهلية. وساهم الشباب الثائر سلباً أو إيجاباً في التفاعل مع هذه العوامل التي غيّرت مجرى الثورة. وفي نافذتنا الحوارية هذه، نناقش مع شباب من العراق، وسورية، ومصر، واليمن، دورهم في مناهضة الطائفية في ظل التحولات التي عصفت بثورات الحرية وحولت المشهد إلى اقتتال طائفي وحرب أهلية في بلدانهم.

العراق


تُشبّه الإعلامية والناشطة العراقية ميمونة الباسل، علاقة الشباب في المشهد الثوري بدور "ضحية" القمع، وفي المشهد الطائفي بدور "ضحية وأداة"، ولا تعتقد أنّ "الشباب استخدموا أساليب طائفية في الحراك العراقي، وما حصل من إخفاقات فيه لم تكن أداة أو أسلوباً استخدمه الشباب ليحول الثورة إلى حرب طائفية، وإنّ زج داعش في الحراك العراقي وسيلة لإفشاله، وجعله طائفياً، بينما دعمت الحكومة مليشيات لا تقل خطورة عنه للتخلص منه".

وتفيد "الباسل" بأن المبادرات الشبابية لا تتوقف، إلا أن "الإحباط واليأس يتغلبان علينا أحياناً، في ظل الأوضاع المأساوية، هناك مبادرات شبابية يجب أن تُحترم؛ مثل شباب يدعون لعدم الطائفية، وآخرون يساعدون الجميع بغض النظر عن المذهب أو القومية، وغيرها كثيرة، يجب دعمها وتشجيعها. ليس السبب في الشباب إنما في الانتماءات التي تغذي بذرة الطائفية لدى كل شخص، فكل شخص ممكن أن يتحول من معتدل إلى متعصب بمجرد أن يشاهد ويسمع ما يدعوه لذلك".

وتقول "الباسل" إن على الشباب "تحكيم العقل، ومراجعة التاريخ، ليتضح لهم طريق الثورة، وبهذا لن ينزلقوا للطائفية، حينها يمكن أن نفوت الفرصة على الأعداء وهذا يتطلب الصبر وضبط النفس".

الناشط والصحافي العراقي صهيب الفلاحي لا يعتقد أن الشباب ساهموا بتحويل أو تغيير مسار الثورات أو حرفها عن أهدافها، لأن الشباب ثاروا على الظلم، ومن تتوق نفسه للكرامة لا يمارس الطائفية. ومن يتابع سير المعارك بين داعش والحشد الشعبي يرى بوضوح حجم إذكاء الطائفية التي يمارسها الطرفان، والضحية هو العراقي الذي قُدِّر له أن يكون بينهما.

يقول "الفلاحي" إن الكثير من المبادرات الشبابية الإصلاحية ظهرت في العراق وساهمت بعضها في التخفيف من شدة بعض المواقف، ولكنها ما زالت دون مستوى التأثير على المسار العام، لأن القوة المقاومة لها كبيرة وقوية جداً. ويلفت أن "التنوع والنسيج الديني أو المذهبي أو السياسي الأصل فيه أن يكون إثراءً للمجتمع وليس قوة تدميرية له. وهنا تظهر حكمة الشباب في التعامل الحذر مع هذه الاختلافات ولا ينزلقوا إلى مستنقع الطائفية أو المذهبية".

ويحث "الفلاحي" على دور الشباب الأكبر بنشر الوعي في صفوف مجتمعاتهم، "فكثير من وسائل الإعلام للأسف ساهمت في تغيير توجهات المجتمع نحو الكراهية والعنصرية، ولا يقف أمام هذه الحملات غير الشباب الواعي، ورغم قلة الإمكانيات لكن تنوع وسائل التواصل الاجتماعي سيساهم في هذا التغيير".

ويرى "الفلاحي" بأن العودة للمربع الأول في ظل هذه الأجواء التي حرفت الثورة إلى الظلم أو الطائفية ليس بالأمر السهل، ولكن "الإيمان بالعمل والتغيير ومحاولة توحيد الصفوف وتشكيل قوة واحدة مجتمعية أو سياسية تتجاوز الخلافات وترتقي عليها يمكن أن يساهم في تغيير الواقع، وبخلاف هذه الوحدة سيبقى الدكتاتور والطائفي يقودان المجتمعات نحو الخراب".

سورية


يرى بشر عبد الهادي، مدوّن سوري، أنّ تحول مشهد الثورة إلى طائفي يعود لعدة أسباب منها "التعبئة الجماعية لكل طائفة، وحشو أفكار الشباب بفكرة انقراض طائفتهم إن لم يتم الدفاع عنها، وأخذ موقع الهجوم بدلاً من الاكتفاء بانكفاء شباب الطائفة على أنفسهم ودفاعهم عن قراهم ومدنهم متى ما تعرضت لهجوم". وعن دور المجتمع في ذلك "مع الأسف ضعيف نسبياً أمام الحشد الطائفي والإعلامي".

ويتوقع "عبد الهادي" بأن الحشد والتجييش جعلا تطلع الشباب الوحيد هو حمل السلاح، "هنا لا ننكر أن جزءاً كبيراً حمل السلاح دفاعاً عن عرضه وأرضه وصداً لعدوه أمام غزو أرضه من قبل مختلف الأطراف، وربما أبرز الوسائل التي أثرت على تحول المشهد هي نوعية المواد الإعلامية عالية الجودة والتي يتم بثها سواءً عبر القنوات التلفزيونية ذات الميزانيات العالية، أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي التي أقدر لها دوراً من 70% حتى 80% بالمئة من عملية الحشد".

ويعتقد "عبد الهادي" بوجود مبادرات شبابية "ظهرت في سورية لاحتواء الشباب الثائر، لكنها لا تأتي من روح الشباب، إنما ببرامج مخطط لها من قبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ودورات العدالة الانتقالية أبرز مثال على ذلك، فالولايات المتحدة تضخ ملايين الدولارات في سبيل تحقيقها".

وتقول الناشطة السورية "سلمى الدمشقية" بأن شباب الثورة ليسوا طائفيين، النظام السوري حريص على نشر الطائفية لأهداف سياسية مع عدم وجود دور للمجتمع في ظل حكم دكتاتوري. وتعتقد أن المشهد الثوري لم يتحول إلى مشهد طائفي لدى الشباب السوري، النظام هو من صنع وروّج للطائفية الآن وقبل الثورة. وتجنيد الشباب حسب الطائفة مع السيطرة على الأماكن السنّية وتحويلها إلى مناطق تشيّع.

وتقول "الدمشقية" إن هناك مبادرات شبابية ضمن مجموعات صغيرة تحاول أن تمنع من انتشار الفكر الطائفي في سورية، لكن الجهود مازالت لا تناسب مقدار الهجمة الطائفية من قبل النظام.

مصر


الناشطة المصرية، فاطمة علاء الدين، تقول إنّ "أغلب شباب ثورة مصر على وعي تام بأن السلطة الحالية هي سلطة عسكرية ولكنه لا يجد القوة الكافية لصدها، ويدرك أن هذا الصراع يحتاج إلى عدد من العوامل لحسمه منها القوة العسكرية والاستقرار الاقتصادي والظهير الشعبي والدعم الخارجي. ويؤمن الكثير منهم أن هذا النظام كل يوم يثبت فشله وأنه لن يستطيع الصمود كثيراً أمام تحديات السلطة واحتياجات الشعب، وأن الغضب الشعبي والشبابي هو نار تحت الرماد".

ويعتقد الناشط المصري، محمد حسن، أن "شباب ثورة مصر هم عمود الثورة وأكثر وعياً من أي شباب يناظره. إلا أن ارتباطهم بأمور تنظيمية في حركات وجماعات جعلتهم يترقبون ما ستسفر عنه الاجتهادات للقيادات حتى طال الوقت فبدأوا بالخروج عن بعض القواعد التنظيمية، ومن هنا بدأ الطابع الشبابي، وبدأ المسار الديمقراطي يسفر عن فوز الإسلام السياسي المتمثل بالإخوان المسلمين للثورة يأخذ منحاً جديداً. من هنا بدأ التيار السلفي بحشد أنصاره، وبعض التيارات الأخرى في الدمج الثوري، فوجدنا العلماني يندمج مع الاشتراكي والناصري والشيوعي والنصراني ليكون قوة جديدة (في مجابهة الإسلاميين) السلفيين والإخوان.

ويرى "حسن" أنه عندما "اتحد الإخوان والسلفيون تارة، واتحد الإخوان والعلمانيون تارة، ثم اتحد السلفيون مع العلمانيين والمسيحيين وعدد من الشعب وفلول الحزب الوطني في حماية الجيش والشرطة للإطاحة بالإخوان؛ نشأت فكرة جديدة عند كثير من شباب الإخوان وهي الكفر بالديمقراطية، وهي نفس عقيدة السلفية الجهادية، فبدأ تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام يظهر في الأفق بمساعدة مخابرات الدول الغربية ليكون هو مأوى الشباب".

ويقول "حسن" الجميع وإن كان قد أخطأ، والميادين في انتظار من يصحح الخطأ، ولا شك في أن الإخوان الآن يدفعون الثمن باهظاً جداً، فهل يعي رفقاء الثورة هذا الأمر، قبل فوات الأوان.

وتلفت الصحافية المصرية إسراء محمود، إلى أن شباب الدول العربية مشغولون في توحيد وطنهم والدفاع عن حريتهم، وكثرة الظلم والقهر قد تحول الشباب لمسلحين، ولن تظهر أي مبادرات إصلاحية حتى تتحرر بلادنا العربية أولاً.

وترى "محمود" بأن الرجوع للدين والقيم والأخلاق، ومنع التدخل الخارجي، والاتجاهات الطائفية التي تأتي من الغرب، "لها دور في تقويم الشباب. وعندما تتحرر الشعوب، سيتحد الشباب ويحاربون أي تحول طائفي.. لن نعود للسابق، كل شيء يتطور، ولا شيء يرجع للوراء".

اليمن


ترى الناشطة اليمنية هدى الحمادي، إنه وبالرغم من الدور الريادي للشباب، مطلع ثورات الربيع، إلا أنهم في هذا التحول أقرب للسلبية نتيجة التنشئة الاجتماعية التي عمقت الشرخ، فإما أن نجد فيهم تبعية عمياء أو تخبطاً غير مسؤول قد يكون بسبب جهلهم بالأبعاد التاريخية لهذا التحول وضبابية الرؤيا لتداعياته المستقبلية.

وتقول "الحمادي" كان الهاجس الذي يراودنا كشعوب وشباب هو استعجال تحقيق الأهداف مهما كلّف الأمر، فكانت هذه المليشيات أحد البدائل لدى المحتجين للوصول إلى التغيير، وفي غياب القيادة الواحدة والجهد المنظم للاحتجاجات، وجدت هذه المليشيات بيئة مناسبة لها لتبث سمومها في أوساط المحتجين، لتجعل من مفاهيم الجهاد والشهادة المغلوطة والتي لا تراعي أولويات المرحلة ولا تعي المآلات التي ستنتج عن العنف والاحتراب.

وترى الحمادي أن "الانتماءات والخلفيات الفكرية للشباب كانت السبب الأساسي في ذلك، والسبب الأكبر والأساسي في هذا التحول استغلال إيران لموجة التغيير في تحمل مشروع وأذرع تنفيذية في المنطقة، ولها قيادة موحدة، وهذا ما جعلها تخلق واقعاً جديداً في مجريات التغيير في المنطقة".

ويرى الصحافي اليمني سمير زعيم أن "الخيار المناسب مع ما يحدث في بلاده هو اصطفاف الشبابي الوطني وتكوين جبهات وائتلافات شبابية وقبلية وعسكرية لحماية البلد وللحفاظ على ثورته وإقناع جميع المكونات الحزبية وغيرها للانضمام لهذا الائتلاف وإعادة تفعيل وتنشيط الأنشطة الثورية من جديد".

المساهمون