الهلفوت

03 ديسمبر 2015
من هو ذاك الوغد المتربّص بي (العربي الجديد)
+ الخط -
ما لم تتناوله أحداث الفيلم أن "المعلّم عسران الضبع" كان هلفوتا كبيرا صنعته الصدفة مثلما صنعت من "عرفة مشاوير" الهلفوت الصغير بطلا.


عاد الرئيس إلى غرفته مهموما بعد يوم لم يسمع فيه خبرا جيدا، صحيح، ومن أين لغراب أسود الطالع الأخبار الجيدة؟ إن طلعته وحدها هي أسوأ خبر تدركه أبصار الناس، لكن ما حدث اليوم لا يطالع سواده طالع، ولا يخبر بأسوأ منه خبر، الحليف الروسي أصدر قرارا بمنع طائرات دولتنا من التحليق في المجال الروسي. وقع الخبر على الرئيس وقوع التجربة المريرة التي أوحت للفنانة جنات بمرثيتها الأليمة "أتاريه يا دوب كان بيرضي بس غروره بيا وحبه ليا، يا قلبي كان حب امتلاك". بدّل الرئيس ملابسه وتمدّد على فراشه، نظرت له السيدة الأولى دون اهتمام، وتابعت مشاهدة الفيلم، تابع معها الرئيس قليلا، ثم صرخ في وجهها: أي القرف ده؟ هو مفيش غير الفيلم ده؟ كل ما ادخل ألاقيه شغال، أغلقت السيدة الأولى التلفاز ثم أعطت الرئيس ظهرها وتظاهرت بالنوم.

كان المعلم عسران الضبع قد أحكم إغلاق باب البيت جيدا (عسران الضبع جبان لدرجة أنه يغلق الباب بثلاثة مقابض، وكنبة)، ثم همَّ بتبديل ملابسه وفك رباط ظهره ثم وضع يده خلفه من التعب كما لو كان حاملا. عسران الضبع، رغم النبوت والجلباب والعِمّة البلدي والهالة المرعبة التي يفرضها حوله أمام الناس في الظاهر، يبدو في داخله هشّا مثل عصا سليمان حين أكلتها الأرضة، وهو يدرك حقيقته تماما مثلما يدركها الرئيس.

يغمض الرئيس عينيه فتمر أمامه الأحداث على حوائط الغرفة وسقفها، يتذكر هيئته بالزي العسكري المزيّن بالنياشين ونظارته المهيبة حين طلب من الجماهير تفويضه لمحاربة الإرهاب فاستجابوا، وحين لوّح للناس بقوانين التظاهر والإرهاب فارتعدوا واستكانوا، وحين قتل وسجن وأعطى وأخذ ومنح ومنع فرقص له الدهماء في الشوارع، ثم ما لبث أن تذكر الجلسات المغلقة مع أمراء وملوك ورؤساء العالم ورفاقه في المؤسسة العسكرية فانقبض وجهه وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأدرك أنه رغم ما يدعيه من الحكمة والقوة وما يتعلمه منه الفلاسفة باعتباره طبيبهم لا يعدو كونه زعيما خاويا على عرشه لا يملك من أمره شيئا، مقدوره أن يسقط أمام نبّوت هلفوت جديد مثله مثل عسران الضبع.

يفتح التلفاز للهروب من واقعه المخزي، يا لعبث الأقدار، لم يزل العرض ساريا، اللعنة على شركات الإعلانات، سوف أعتقل جميع مُلّاكها وأتحفّظ على أموالهم، لولا الفواصل المملّة لانتهى هذا الفيلم السخيف.

عسران الضبع الذي تُخَوِّف به الأمهات في الحارة أبنائهن، يقف أمام الكيلاني بيه ذليلا خانعا ومرتعدا مثل الكتكوت المبلول، يستمع إلى توبيخاته وتهديداته راضيا بأحكامه واعدا إياه بأن كل شيء سوف يكون على ما يرام، وأن خبر وفاة المقاول فؤاد المنياوي سوف يأتيه غدا.

تبّا، هذا ما جرى اليوم حرفيا في مكالمة الرئيس الروسي حين هاتفته للاستفسار عن سبب قراره المفاجئ، اللعنة على شركات الإعلانات، لولاهم لما كنت تذكرت أوجاعي، يا ترى من هو عرفة مشاوير من هؤلاء المحيطين بي؟ من هو ذاك الوغد المتربّص بي وأحسبه هلفوتا مطيعا؟ كل من حولي هلافيت مطيعون! من منهم سوف أقرّبه من حليف وقعت معه في الرذيلة وأرغب في التخلّص منه؟ كل حلفائي كذلك! من منهم وردة؟ من هو ذاك الهلفوت اللعين الذي سينتحل دوري ويموت على يديه عدو الحليف الروسي؟ من هو فؤاد المنياوي؟ كيلاني بيه لديه ألف ألف فؤاد المنياوي! وكذلك الحليف الروسي.

جسد الرئيس يرتعد، ويرتعد الفراش تضامنا معه، تلتفت له السيدة الأولى قائلة: أنت لازم تروح تتعالج، حالتك مرضية وكل يوم بتزيد، فيقول لها الرئيس بينما يعطيها ظهره، نامي انتي، لست مريضا، ولا رجل تسكنه المهدئات وثرثرة الأطباء النفسيين، إني أرى هلفوتا جديدا تصنعه الصدفة وتغني له الجماهير تسلم الأيادي بينما يفعل معي أفعال عرفة مشاوير مع المعلم عسران الضبع.

(مصر)
المساهمون