التونسيون في سوق النخاسة: "كتب علينا العمل ببلاش"

27 ابريل 2015
في أحد التحركات العمالية خلال انطلاقة الثورة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
بعد عملية باردو الإرهابية، طغت على الخطاب السياسيّ، خصوصاً الحكوميّ منه، تصريحات تطالب بتحقيق "الهدنة الاجتماعيّة" عبر دعوة الموظفين والعمال والمعطّلين عن العمل التحليّ بمزيد من الصبر وتأجيل مطالبهم الخاصّة وتحرّكاتهم الاحتجاجيّة من أجل تحسين ظروفهم المهنيّة والماديّة باعتبار الأولويّة القصوى للحرب على الإرهاب.

هذه الدعوة وإن كان ظاهرها السعي نحو مزيد من الاستقرار لتحسين مناخ الأعمال في تونس إلاّ أنّها تجاهلت السبب الرئيس للاضطرابات الاجتماعيّة وطفرة التحرّكات الاحتجاجيّة التي شهدتها البلاد منذ أربع سنوات، خصوصاً الفساد المستشري في سوق الشغل أو ما يمكن تسميته سوق النخاسة الجديدة.

تشرح الناشطة الحقوقيّة والنقابيّة، هند الشنوي، لـ"العربي الجديد" أوجه الفساد في سوق الشغل، فتقسّمها إلى مستويين أساسين؛ الوجه الأوّل والأبشع هو السوق السوداء للتشغيل والتّي يتمّ فيها انتهاك أبسط حقوق العمال على صعيد التغطية الاجتماعيّة والأجر الأدنى وظروف العمل والسلامة المهنيّة. وتتداخل الأطراف المستفيدة من هذه السوق السوداء لتشمل الشركات الأجنبيّة والمحليّة بالإضافة إلى الحكومة التي تتغاضى عن هذه التجاوزات كحلّ من وجهة نظرها لمعضلة البطالة التي تتفاقم يوماً بعد يوم.

لتضيف أنّ الشركات الأجنبيّة، التي تعمل في تونس تحت عناوين مختلفة، استفادت من قوانين الإعفاء الجبائيّ وتساهل الرقابة الحكوميّة عبر عمليات التوظيف من خارج الأطر القانونيّة التي حدّدتها الدولة والتي تجبر المشغّل على المرور بمكتب التشغيل، وذلك عبر شركات المناولة المحليّة التي تمارس السمسرة باليد العاملة والتي تحرم طالب الشغل من أبسط حقوقه وتستغلّ حاجته إلى العمل.

في هذا السياق، يعلّق الخبير الاقتصادي والجبائي، الأسعد الذوّادي، قائلاً: إنّ التشريعات التونسيّة الخاصّة بالتشغيل هي التي شجّعت الانتهاكات الحاصلة في حقّ المعطّلين والعاملين على حدّ سواء، عبر سنّ القوانين التي تشجّع، بحسب منظور السلطة، على الاستثمار في البلاد وتتجاهل أبسط الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة لليد العاملة.

ليضيف بأنّ مشروع قانون الاستثمار الجديد والذي تمّ سحبه لاحقاً لتعديله دون المصادقة عليه حتّى هذه اللحظة، كرّس تهميش حقوق العمال وتجاهل معضلة البطالة التي تنخر الاقتصاد التونسيّ.

أمّا على المستوى الثاني، فيظهر المشغّلون المحلّيون، حيث تتفشّى ظاهرة استغلالهم اليد العاملة وتباطؤ النسق الاقتصاديّ للضغط أكثر على الأجور لتصل إلى مستوى أقلّ من الحدّ الأدنى الذّي حددّته الدولة بـ 165 دولاراً في الشهر. وتقول نوال التي تعمل مساعدة إداريّة في إحدى العيادات الخاصّة، إنه "لا يتجاوز أجر آلاف الفتيات في مختلف القطاعات الاقتصاديّة كمكاتب المحاماة والأطباء والمعامل التسعين دولاراً". وهو مبلغ لا يكفي مصاريف أيام معدودات في ظلّ الوضع الاقتصاديّ الصعب الذي تعيشه البلاد وارتفاع المعدّل العام للتضخّم ليبلغ 6% ويتجاوز الـ 10% في العديد من المواد الاستهلاكيّة كالوقود والأغذية.

كذا، يقول المهندس أيوب، إنّ العديد من زملائه العاملين في الشركات الخاصّة للمقاولات والبناء لا يتجاوز أجرهم 350 دولاراً، وهو ما اعتبره إهانة لأهل القطاع ككلّ وعامل إحباط بعد سنوات الدراسة الطويلة. ويضيف: "إن لم تقبل بذلك الأجر، فهنالك طابور طويل من المهندسين ينتظرون أن تتنحّى من طريقهم ليقبلوا ما رفضته".

مسألة أخرى وجب الوقوف عندها عند هذا الموضوع، هو موقف الدولة ودورها في حماية العامل من الاستغلال والفساد الذي ينخر سوق الشغل. فالطبيعيّ، وفق الذوادي أن تسعى الدولة لحماية الشغّيلة من تغوّل أصحاب المؤسّسات وأن تسعى لضمان حقوقهم، لكنّها ظلّت تلتزم الحياد السلبيّ لصالح المؤسّسات الخاصّة سعياً منها إلى استرضاء أصحاب الشركات.

تناسي الفساد
يمثّل السكّان الناشطون القادرون على الإنتاج ثلث عدد السكّان في تونس، حيث يبلغ عددهم ما يفوق الثلاثة ملايين ‏مواطن، ‏يتوزّعون بين القطاع العام الذي يستوعب 700 ألف موظّف والقطاع الخاصّ الذي يشغّل ‏ما يناهز 2.5 مليون طالب شغل من مختلف الاختصاصات والمستويات التعليميّة. وحسب ‏الإحصائيّات ‏الرسميّة تبلغ نسبة البطالة في تونس 15,2% من عدد السكان الناشطين، ثلثهم من حاملي الشهادات العليا.


هذه الأرقام التي وردت في تقارير المكتب الوطني للتشغيل لسنة 2014 والتي أكّدتها في ما بعد تقارير البنك المركزيّ، إلا ‏أن ‏التقارير تتناسى مكامن الفساد في آليات التشغيل، خصوصاً في القطاع الخاصّ، حيث يتمّ إخضاع طالبي الشغل ‏لشروط ‏مجحفة من قبل أصحاب العمل.‏


إقرأ أيضا:عمال موريتانيا في عيدهم: اسمعونا
المساهمون