الفيسبوك وتويتر وتهديد الكتابة الإبداعية

08 مارس 2015
معرض الكتب الرقمية في المكسيك (Getty)
+ الخط -
ثمة هوس متزايد وملحوظ بين أدباء اليوم بضرورة "الحضور والتواجد" على وسائل الإعلام الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر وغيرهما. إذا أردت أن تكون معروفاً لدى آلاف القراء فيجب أن يكون لديك آلاف من المتابعين على تويتر. وبرغم هذا الحضور المتزايد للكتاب والأدباء، فإن ما هو ملاحظ هو أن عشاق الإعلام الاجتماعي غير شغوفين بقراءة قصيدة رومانسية لشاعر ينشرها على تويتر، أو فصل من رواية لكاتب يصف فيه ليلة مقمرة وينزلها على صفحة الفيس بوك الخاصة به، أو يتألمون لنثر فيه سرد لعذاب أم فقدت ابنها في حادث سيارة.

لكنهم يسعدون لرؤية صورة واحدة تكفي عن ذلك كله وتوجزه، مع بعض الحقائق السريعة وربما المؤلمة عن حدث ما. هذا هو بالضبط ما يقوم به الفضاء الالكتروني بوتيرة سريعة، أعادت تشكيل طريقة تواصل الناس مع بعضها على أرض الواقع: الايجازالمخل والمتابعة ذات الايقاع السريع للاحداث والحياة. وهنا يتفق علماء النفس واللغة وأطباء الأعصاب على أن وسائل الإعلام الاجتماعية قد أثرت بالتأكيد على المستخدمين في عملية التفكير والقدرة على التركيز والانتباه. إذ يعتمد مجتمع الانترنت على الاختصارات والعلامات والرموز والصور بدلاً من الكلمات والأوصاف.

صحيح أنه وبرغم هذه الفقاعة المتضخمة حول وسائل الإعلام الرقمية، فإن الحقيقة المزعجة تظل تكمن في أن فجوة الاتصال بين المجتمعات الفقيرة والغنية آخذة في الاتساع. لكن حتى في المجتمعات الفقيرة فإن الاقبال العارم على الانتماء للعالم الافتراضي يتزايد بصورة كبيرة ومدهشة. ووسط تسارع الأشياء في وسائل الاعلام الاجتماعية والتكنولوجيات أو ما يدعى بالجيل الثالث 3G أو 4G، فإننا نشهد قفزة لكن ربما تكون الى المجهول ولا أحد يعلم تماماً متى سوف نهبط منها، او حتى نرتطم بقوة على الارض. فكل شيء يتحرك بسرعة رهيبة، بدءاً بالعلاقات المهنية والاجتماعية وحتى السياسية، وصولاً الى الشخصية التي تتعلق حتى في أدق تفاصيل الحياة اليومية.

وهكذا صديقي القارىء أو الكاتب فإنه من دون صفحة فيسبوك أو حساب إينستغرام، فسوف ينظر إليك هذه الايام على أنك تقليدي وغير مواكب للتكنولوجيا والتقدم ... وأيضاً "كسول". لكن عليك أن تتذكر أيضاً أنه بعد حوالى عقد من الزمن على استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي، فإن كثيرين ممن سبقوك صاروا يشعرون بأن ثمة أكلافاً عالية لا بد أن تدفع من وقتهم وجهدهم واستنزاف لمشاعر عاطفية ونفسية ترافقها توترات دائمة بسبب الادمان على صفحاتهم وحساباتهم في تويتر والفليس بوك. وقد تحولت حياتهم أو جزء منها على الأقل إلى أشكال آلية صرفة اثرت على سلوكياتهم وعلى أنماط الاتصال التي يجرونها مع الاخرين وحتى نظرتهم للأشياء من حولهم.

على سبيل المثال أدى انتشار استخدام كاميرا الهاتف الذكي ذات الدقة العالية الى زيادة الاعتماد على الصور من دون الكلمات. تويتر كذلك يقيد مستخدميه لاحتواء تعبيراتهم في 140 حرفاً (وليس كلمة) جنباً إلى جنب مع أربع صور. بدأت القصة منذ اكثر منذ عقدين من السنوات حينما جلب عام 1990 في وقت مبكر MSN Messenger وYahooGroups، والتي بدأت في تغيير طريقة الناس والتواصل مع بعضهم البعض. وفي وقت لاحق من العقد نفسه، أُدخلت خدمة الرسائل القصيرة (SMS) وسمحت للناس إرسال 160 حرفاً في الرسالة الواحدة. وتلك كانت اللحظة التي سمحت للفضاء الإلكتروني بأن يؤثر كثيراً في تعبيراتنا، وبناء الكلمات وقواعد اللغة في حياتنا. وأكبر دليل على ذلك أن اختصارات SMS ضُمنت مؤخراً في الطبعة الأخيرة من قاموس أوكسفورد الراقي للغة الانجليزية.

خلال السنوات التي تلت منحت غرف الدردشة الفرصة لوسائل الإعلام الاجتماعية الحديثة لخلق مجتمع افتراضي، وقد لا يتواجد بلد الآن أو ثقافة أو لغة في مأمن من تأثيرها. على سبيل المثال، اصبح استخدام الاختصارات التي أنشئت حديثاً مثلLOL ومعناها (ضحك بصوت عال) OMG (يا إلهي)، TTYL (أتحدث إليك في وقت لاحق) كلمات شائعة جداً. واستطاعت أن تقلل الحاجة إلى كتابة عبارات أطول في الفضاء الإلكتروني وقد اعتمدت هذه الأشكال أقصر التعبيرات وتم تبنيها في العديد من اللغات حول العالم، وبالتالي ظهر شكل جديد من أشكال اللغة العامية.

والسؤال هنا، كيف يستطيع كاتب النص الابداعي التعبير عن رأيه أو شخصيته في المزاج العام بما يتوافق من خلال بضع عشرات من الكلمات فقط؟ في حين أن العصر الجديد يلخص كل شيء بالصور الرمزية. ولكن في الوقت نفسه يقود الإفراط في التبسيط إلى استنتاج متسرع وهو أن هذه اللغة الكسولة سوف تحل محل الكتابة الإبداعية. لكن هذا ليس هو الواقع لسبب بسيط وهو أنه ليس كل السيبرانيين هم كتّاب روايات أو شعر، وأن اللغات هي مثل الكائنات الحية ويمكن أن تقاوم أو تستوعب التدخل الخارجي عليها.

مكنت وسائل الاعلام الاجتماعية الافراد من التواصل بشكل عفوي مع عدد أكبر بكثير من الناس على نطاق عالمي، وأخرجتهم من أفق المستوى المحلي. يقول ناثان برانزفورد، مؤلف ووكيل أدبي سابق في مدونة له "إنك لا تشعر بأن هناك ساعات كافية في النهار، أو أياماً كافية في الأسبوع، أو أسابيع كافية في الشهر، أو أشهراً كافية في السنة".

وإذا أخذنا القضية الآن من منظور أدبي بحت، فإن مصلحة الجمهور في الكتابة الإبداعية تتآكل في وسائل الاعلام الاجتماعية، ذلك ان هناك سحابة كثيفة من وسائل الاعلام الاجتماعية تحجب رؤية الافراد السيبرانيين عن الأدب. كذلك لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن صناعة النشر تحملت بالفعل أعباء الإنترنت. وأدرك الناشرون والبائعون على حد سواء قدرات التغيير الكامنة في الانترنت، وذلك بفضل آليات عديدة مثل الكتب الإلكترونية وكيندل. منذ أن أطلقت أمازون كيندل الأولى في عام 2007 حدث نمو كبير في سوق الكتاب الالكتروني، إذ وصلت مبيعات الكتاب الالكتروني في الولايات المتحدة إلى 90 مليون دولار في عام 2011، بزيادة قدرها 202٪ مقارنة بعام 2010.

وفي حين عانت صناعة اللغة والنشر من عواقب العالم الرقمي، فإن القارىء أيضاً عانى من التشتت بسبب فيضان المواد المنشورة على الانترنت.وأصبحنا نلاحظ بأن التركيز على القراءة أو الرغبة في إنهاء كتاب معين أمر يخضع أيضاً إلى وسائل الاعلام الاجتماعية السريعة حيث التحديثات تأتي في دقائق معدودة. وتتفق العديد من الدراسات العلمية الحديثة على أن التحول من الكلمات المكتوبة إلى صور ورموز أمر لا رجعة فيه. بحيث أصبحت العقول الشابة تجد بالفعل صعوبة في الكتابة على ورقة وقراءة الكتب المطبوعة.

بيد أن الجيل الجديد هو أكثر مرونة في استخدام الأدوات مثل الهواتف المحمولة. وقد كشفت الدراسات أن الجيل الأصغر سناً قد تكون ذاكرته أقل ولكن هي في الواقع أكثر إبداعاً (في حل المشاكل) من أقرانهم [عندما كانوا في سنهم]. جيل سيبراني حقيقةً يتفاعل أكثر مع الفيديو والفيسبوك وتويتر من الأحداث التي تجري في محيطهم مع أناس حقيقيين. وقد بدأت البحوث حول تأثير وسائل الإعلام الاجتماعية على الأطفال في الآونة الأخيرة، وبالتالي هناك الكثير لم يكشف عنه بعد.

ويبدو أن زوال الكلمات المكتوبة قد يتم بأسرع مما نتوقع بسبب التكنولوجيا الرقمية. وعندما ينخفض عدد القراء في معظم الأحيان لن يكون هناك مبدعون كبار مثل كافكا، شكسبير، وجبران خليل جبران. ولكي نتجنب التعميمات، يمكن للمرء القول إن زيادة انتشار الإنترنت أمر يشكل تحدياً أكثر خطورة على الأعراف الاجتماعية العالمية بما في ذلك كتابة القصص وقد يكون هذا التأثير أقوى من تأثير الثورة الصناعية. والمفارقة، أنه ومع ذلك، نعاني من قلة إدراك لهذا الأمر.

ومن المفارقات أن المبدعين قد أوقعوا أنفسهم في فخ وسائل الإعلام الرقمية. وتتنوع الأسباب لذلك: البعض لبيع كتبهم، والبعض الآخر يحاولون تبني التكنولوجيات الجديدة في الكتابة وسوى ذلك. ومع ذلك يوجد الكثير من الكتاب الذين باتوا يعانون الأرق عندما لا يمتلكون عدد متابعين كبيراً على الفيسبوك وتويتر.

في الواقع تضيف وسائل الإعلام الاجتماعية ضغطاً غير ضروري يساهم في ضياع وقتنا. وقد شهدت شخصياً العديد من العقول الكبيرة وهي تتحول إلى عقول جرداء والسبب هو إدمان وسائل الاعلام الاجتماعية. وللأسف، يخضع الإبداع في أيامنا هذه لرحيل دون سابق إنذار، ويترك الكآبة والقلق في أعقابه.
وعن تصاعد الأعراض الجانبية لاضطرابات النوم، أسلط الضوء على بعض تأثيرات وسائل الإعلام الاجتماعية التي قد تؤدي إلى الإرهاق الشديد.

صحيح أن معظم الكتاب يجب أن يستخدموا وسائل الإعلام الاجتماعية في هذه الأيام، إلا أنهم في حاجة الى وجود شبكة الإنترنت لتقديم وسيلة للتفاعل مع القراء. ولكن يجب أن يكونوا أذكياء بخصوص هذا الموضوع، حتى لا ينسوا أن مهمتهم الرئيسية هي كتابة الكتب.

معظم الكتاب لديهم رغبة لا تقاوم ليسمعوا من قرائهم. وعلى الرغم من عللها المتصاعدة فإن وسائل الإعلام الاجتماعي تقدم للكتاب واجهة للتفاعل مع القراء بطريقة حقيقية وصادقة، وسخية. وفي حال حدوث ذلك وتكون قاعدة جماهيرية، فان الكتب سوف تنتشر بطريقة أسرع.
وبغية الحفاظ على قاعدة متابعين في وسائل الاعلام الاجتماعية، قد يضطر الكاتب لكتابة مدونة يومياً. إلا أنه أمر صعب على الشاعر إنتاج قصيدة يومياً، وقد يسبب هذا الأمر له نضوباً من خلال هذه المشقة اليومية. لذا من الأفضل الاعتماد على التدوين بطريقة بطيئة بدلاً من تكثيف التدوين اليومي بطريقة قد تبدو مبالغاً فيها.

وفي السباق المحموم للانضمام الى قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، فإن الكتاب يكونون مندفعين بشدة للعمل بشكل مستمر. لكن عليهم أن لا ينسوا بأن العديد من عظماء الأدب خُلدت أعمالهم بعد وفاتهم، ومن دون وسائل اعلام اجتماعية، وأن العمل الأدبي المتسرع ذو مدة صلاحية قصيرة وهو مثل العملة الورقية، خاص جداً، ولكن لفترة محدودة من الزمن، قبل أن يتم استبداله وحرقه كالرماد.

(صحافي استقصائي، إسلام أباد)
المساهمون