سورية: شركات جديدة ناشئة وأخرى تصارع للبقاء

04 مارس 2015
تأثر بيئة الأعمال السورية (فرانس برس)
+ الخط -
لا تعتبر سورية اليوم بيئةً مناسبة لنمو قطاع الأعمال الذي تعرض على مدى السنوات الماضية إلى دمار واسع. بل إن البلاد ‏التي مزقتها الحرب، احتلت، وللعام الثاني على التوالي، أسوأ المراكز في قائمة مؤشر الاضطرابات الأهلية الذي يحلّل مخاطر ‏الاضطرابات على أعمال الشركات في 197 دولة، والصادر عن شركة "مابلكروفت" لتحليل المخاطر. ورغم أن تقارير كثيرة ‏تؤكّد تقلّص النشاط الاقتصادي في جميع القطاعات والمناطق السورية، واضطرار شركات كثيرة إلى إغلاق أبوابها، لا تزال ‏شركات ومؤسسات اقتصادية كثيرة تمارس نشاطها في سورية.‏ 

بيئة خطرة
ومع استمرار الحرب، تبدو العقبات التي تواجه الشركات العاملة في سورية غير محدودة، بدءاً من ارتفاع تكاليف الحماية ‏الأمنية من المخاطر، مروراً بتدنّي الإنتاجية العامة بسبب ظروف العاملين والبُنى التحتية في البلاد، وصولاً إلى صعوبة تأمين ‏المواد الأولية، سواء عبر السوق الداخلي الذي بات مقطع الأوصال أو عبر الاستيراد من الخارج. ‏
يشير نائب رئيس مجلس إدارة المنتدى الاقتصادي السوري تمام البارودي إلى حدوث تغيّرات كبيرة داخل قطاع الأعمال، إذ ‏فرضت "الظروف الحالية واقعاً جديداً على التجار والصناعيين". ويقول لـ "العربي الجديد": "لم نعد نشهد أي نشاط صناعي ‏ضمن المناطق الصناعية، كونها تقع في الغالب خارج المدن الرئيسية، وقد تحوّل جزء منها إلى داخل المدن على شكل ‏ورشات ومعامل صغيرة. كما باتت كافة النشاطات التجارية والصناعية مرهونة بالواقع المعيشي في سورية. بمعنى آخر، ‏يجري توجيه كل ما يتم إنتاجه إلى الاستهلاك المحلي وعلى النطاق الضيق". ‏
ويؤكد البارودي أن المؤسسات الكبيرة هي الأكثر تضرراً، كونها تعتمد على استيراد المواد الأولية من خارج سورية أو من ‏خارج المحافظة، كذلك تعتمد تلك الصناعات بصورة كبيرة على اليد العاملة، وهو أمر لم يعد ممكناً توفره في ظل الحرب في ‏سورية، فالتنقل والوصول إلى المصانع الكبيرة بات أمراً شبه مستحيل". ‏
يؤكد التقرير الأخير لمنظمة "الأسكوا" ما ذهب إليه البارودي، إذ يشير إلى تأثر الصناعة التحويلية الكبيرة وعلى نطاق واسع ‏جداً بالحرب المندلعة في سورية، ما أدى إلى انتقال المئات من المنشآت الصناعية إلى بلدان مجاورة. كذلك يشير التقرير إلى أن ‏‏"تدهور أسعار الصرف الاسمي لليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، وانتشار تهريب هذه العملات والتجارة بها في السوق ‏السوداء، أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة". ‏

مؤسسات ناشئة
لم تقتصر الخسائر والصعوبات على قطاع الصناعات الكبيرة، إذ تضررت المنشآت الصغيرة في حلب وفي ريف دمشق ‏بصورة كبيرة، وقد أفلست آلاف من تلك المنشآت، بحسب الباحث الاقتصادي معن الراعي الذي يؤكد لـ "العربي الجديد" أن "حجم ‏التحديات التي واجهتها عشرات آلاف المنشآت الصغيرة كان أكبر من طاقتها، وهو ما أدى إلى إفلاسها". ويضيف الراعي: ‏‏"بقيت المنشآت المتوسطة الحجم والكبيرة القادرة على المنافسة والصمود في سوق مضطرب، وذلك بعد أن نقلت منشآتها إلى ‏المدن الآمنة نسبياً التي يسيطر عليها النظام السوري، فيما انتقل بعضهم إلى مدينة عدرا الصناعية في ريف دمشق بعد أن شهد ‏الريف دماراً واسعاً وبات العمل فيه مستحيلاً".‏
ويرجح الراعي أن يكون "النقص في المعروض السلعي والخدمي بسبب هجرة الشركات أو دمارها أو تراجع إنتاجيتها أعلى ‏من تراجع الطلب الذي حصل أيضاً بعد نزوح السكان واستنزاف قدراتهم الشرائية". وقد تم سدّ تلك الفجوة بحسب الراعي عبر ‏تأسيس شركات جديدة تتبع في معظم الحالات إلى أفراد موالين للنظام، كانوا يديرون أعمالاً متواضعة من قبل، واستفادوا من ‏الحرب ليطوروا تلك الأعمال". وبالفعل شهدت العاصمة دمشق والمنطقة الساحلية تأسيس الكثير من الشركات الجديدة خلال ‏العامين الماضيين، وعملت بصورة رئيسية في قطاعات النقل والتجارة والخدمات. ولكن، ماذا عن تأسيس شركات إنتاجية؟ ‏يشير الراعي إلى أن تلك الشركات الناشئة كانت "تتجنّب العمل في قطاعات الإنتاج السلعي، وذلك لاعتماد تلك القطاعات بشكل ‏كبير على السلع المستوردة المرتفعة التكلفة، والتي تعترضها عقبات كثيرة؛ كالعقوبات الاقتصادية ومخاطر النقل".‏
من جهة أخرى، يلحظ تمام البارودي "ظهور طبقة جديدة من التجار والصناعيين، نشأت في ظلّ الصراع الداخلي في ‏سورية، مستفيدة من الأجواء السلبية". ويعتبر البارودي ظهورها بمثابة "الخطر الأكبر اليوم على قطاع الأعمال داخل ‏سورية". ويضيف: "لم يعد بوسع رجل الأعمال أو الصناعيين والتجار ممارسة نشاطاتهم السابقة في ظل الظروف الحالية، إذ ‏استغلت الفئة الجديدة التي ظهرت هذه الظروف، ووجدت الفرصة مناسبةً لكي تهيمن وتمارس نشاطاً تجارياً أو صناعياً أو ‏خدمياً، مستغلة قوة السلاح من جهة أو السلطة التي تحميها من جهة أخرى"، مشيراً إلى أن "ذلك ينطبق أيضاً على المناطق ‏الخاضعة لسيطرة النظام السوري والمناطق التابعة للفصائل المتناحرة الأخرى". ‏

إقرأ أيضاً: قطر: توظيف الفوائض المالية لخدمة الاقتصاد الرقمي
المساهمون