تونس ياسمينة الاحتفالات العربية

04 فبراير 2015
تونس تمزج بين الثقافة والسياحة (وكالة الأناضول)
+ الخط -
المسارح والمهرجانات في تونس ثقافة تضرب بجذورها عميقاً في التاريخ التونسيّ. فمنذ تأسيس قرطاج قبل 3 آلاف سنة، كان المسرح العنوان الأبرز لتلك المدينة والذي بقي فيما بعد شاهداً على عراقة الثقافة ومكانتها في تاريخ هذه البلاد، وليتحوّل إلى واحد من أكبر المهرجانات الدوليّة. ولكنّ كغيرها من الأنشطة، فإنّ للنشاط الثقافيّ أبعاده الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا بعدما تحوّلت المهرجانات من مجرّد تظاهرة ثقافيّة إلى استثمار سياحيّ وأداة لتنشيط الدورة الاقتصادية.

الدمج بين الثقافة والسياحة 
حول ارتباط المهرجانات الفنيّة والثقافيّة بعالم المال والأعمال، يستهلّ الخبير محمد ياسين السوسي حديثه بالإشارة إلى أنّ الهزّة التي عرفها القطاع السياحيّ بعد الثورة، دفعت بالمسؤولين في وزارة السياحة والمهنيّين إلى التفكير في تدعيم أسس السياحة التونسيّة التي تحوّلت إلى سياحة نمطيّة تقليديّة تعتمد على الفندقة والشاطئ لا غير. وهو نمط مستهلك لم يعد يغري السيّاح كما الماضي، وخصوصا من فئة الشباب الباحثين عن نوع من الديناميكيّة ورحلة سياحيّة مثيرة ومليئة بالنشاط. ليستطرد السوسي "من هنا كانت فكرة دمج الأنشطة الثقافيّة وخصوصا المهرجانات في صلب المنتج السياحيّ، لتتحوّل المواعيد الفنيّة والثقافيّة الكبرى إلى مواسم سياحيّة قصيرة تساهم في تدعيم الدورة الاقتصادية ككلّ".
يضيف السوسي، أنّ الدولة بدأت تولي اهتماماً كبيراً بالمهرجانات، وذلك عبر ضخّ المزيد من الأموال في ميزانية وزارة الثقافة المسؤولة عن تنظيم مختلف الأنشطة الفنيّة والثقافيّة الكبرى في البلاد. حيث تشير الأرقام الواردة في ميزانيّة سنة 2014 إلى ارتفاع ميزانيّة الوزارة المذكورة بنسبة 4% عن السنة السابقة لتبلغ 80 مليون دولار.

نمو مستمر للعائدات
أمّا عن عائدات هذه المهرجانات فهي في نموّ مستمرّ، حيث بلغت عائدات مهرجان قرطاج الدولي السنة الماضية على سبيل المثال ما يناهز 3 مليون دولار، وقد مثّلت الإعلانات التجاريّة ثلث العائدات الإجمالية. ويضيف الخبير السوسي أنّ الانعكاسات الإيجابيّة للمهرجانات لا تتوّقف عند مداخيل الحفلات أو الإعلانات التجاريّة، بل تشمل مختلف الأنشطة الاقتصاديّة التي تعرف انتعاشة كبرى طيلة العروض، خصوصاً المحال التجاريّة والفنادق وأصحاب سيارات الأجرة والمقاهي وغيرها من المرافق.
وقد استطاعت المهرجانات المستحدثة في بعض المناطق الداخليّة من دفع التنمية في تلك المدن الصغيرة، وتغيير ملامحها الاقتصادية، كمدينة طبرقة حيث يقام المهرجان الدولي لموسيقى الجاز، أو مدينة دوز الصحراويّة التي تحوّلت إلى قطب سياحيّ بفضل مهرجانها الشتوي وسياحة الصحراء حيث شهدت محافظة "قبلي" خلال الشهر الماضي ارتفاعاً في عدد السياح الوافدين عليها بنسبة 40.2% مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2014، حسب وزارة السياحة، ممّا جعل من هذا المهرجان متنفّساً حقيقيّاً للمدينة ساهم في التخفيف من وطأة البطالة وخلق مواطن شغل جديدة وتحسين البنية التحتيّة.

توفير فرص للشغل
في نفس السياق، تقول مديرة دار الثقافة في الضاحية الشمالية للعاصمة، جليلة عمامو، إنّ المهرجانات والعروض الفنيّة والثقافيّة تلعب دوراً اقتصادياً أساسيّاً، عبر الحفاظ على ديمومة العمل الثقافي والفنيّ الذّي يشغّل بصفة مباشرة ما يزيد على 30 ألف مواطن، موزعين على العديد من الاختصاصات كالمغنين والممثلين والمخرجين وفنيّي الصوت والصورة والإضاءة، وغيرها حسب إحصائيات وزارة الثقافة لسنة 2013. كما تشير إلى أنّ تونس تزخر بالمهرجانات السينمائية والفنية والتاريخية، والتي تسمي المهرجانات الصيفية في قرطاج والحمامات وغيرها من المدن التونسيّة التي تحوّلت قبلة للشخصيات المشهورة في العالم. وتشرح أنّ العدد الإجمالي للمهرجانات الدولية والمحليّة في تونس على مدار السنة يتجاوز المائتين في مختلف المجالات، هذا دون الأخذ بالاعتبار المبادرات الشبابيّة وعروض الشارع، وغيرها من الأنشطة المحليّة التي يبادر بها الشباب دون المرور بالأطر التنظيميّة الرسميّة.
ويلفت ناصر السدري، الذي يعتبر من مؤسّسي المهرجان التونسي للسينمائيّين الهواة، إلى أن تجربة المبادرات الشبابيّة تفيد أنها تدعم المشهد الثقافي والاقتصادي. وقال إن الموجة الجديدة من مهرجانات الشارع، استطاعت أن تخفّف من عبأ التكاليف التي تتحمّلها الموازنة العامّة لتمويل الأنشطة الثقافيّة في البلاد. فهذا النمط من المهرجانات نشأ من مبادرات فرديّة وبتمويل ذاتيّ، ولكنّه يحقّق في الآن نفسه عائدات مهمّة للدولة عبر تنشيط الأسواق المحليّة، والأنشطة التجاريّة التي يخلقها بالإضافة إلى الحدّ من بطالة أهل القطاع.
ويستطرد السدري قائلا إن هذه المهرجانات الصغيرة أعادت إحياء السياحة الداخليّة بالخصوص، عبر تشجيع المواطنين التونسيّين على التنقّل داخل البلاد لحضور تلك العروض التي تحمل طابعا مميّزاً عن نظيرتها الرسميّة في المحتوى والإخراج. بالإضافة إلى فرادة أماكن العرض التي تكون في الغالب إما المقاهي أو الشارع. وقد أعلنت وزارة السياحة في سنة 2013 أنّ السياحة الثقافيّة الداخليّة ساهمت بنسبة 18% من العائدات الإجمالية للمهرجانات والعروض الفنيّة المقدّرة بـ 140 مليون دولار. مشدداً على الضرورة الانتباه إلى أهميّة المهرجانات والاستعراضات في دعم موازنات الدولة، وقد عمدت الكثير من الدول إلى تحويل مهرجاناتها المحليّة إلى مناسبات دوليّة تستقطب ملايين الزوار.
دلالات
المساهمون