الأب والابن ونهب سورية

23 فبراير 2015
توريث احتكار الاقتصاد في إمبراطورية بشار (getty)
+ الخط -
أطلقت الحكومة السورية في السنوات الماضية "إصلاحات اقتصادية"، ادعت أنها تستهدف القضاء على احتكار النشاط الاقتصادي الذي كان ‏سائداً في زمن "اشتراكية البعث". ثم راحت تدعي محاربة ما يقوم به التجار من احتكار لبعض المواد والسلع. ‏أصدرت الحكومة قانون "المنافسة ومنع الاحتكار"، تبعه تأسيس مجالس ولجان وهيئات كانت وظيفتها الفعلية ملاحقة صغار التجار لتلقي الرشى منهم، ومتابعة التغاضي عن مخالفاتهم. الأهم أن تشريعات ‏الحكومة كانت تتجاهل وجود حيتان اقتصادية تحتكر الاقتصاد السوري، وتنهب موارد الدولة بشراهة استثنائية ‏وغير مسبوقة، انتقلت من عهد الأسد الأب لتتعزز في عهد الابن.‏


ارث الاحتكارات

يقول الباحث الاقتصادي، زاهر جميل، في حديث مع"العربي الجديد"، إن القطاع العام السوري "احتكر النشاط الاقتصادي ‏بدرجة كبيرة منذ استلام حزب البعث السلطة وحتى عقد الثمانينيات، لكن إنتاجيته كانت منخفضة جداً بسبب الفساد ‏الكبير الذي كان يحيط بكل تفاصيل القطاعات". ويضيف: "مع إطلاق قانون تشجيع الاستثمار في عام 1991، تم تحرير بعض القطاعات الاقتصادية، كصناعة النسيج والدواء، من ‏قبضة القطاع العام. لكن المؤسف أنه تم نقلها إلى قبضة بعض رجالات القطاع الخاص المرتبطين بالنظام، لتبدأ مرحلة ‏تشكّل الاحتكار الخاص في سورية".‏
وهذا ما يؤكده نائب رئيس مجلس إدارة المنتدى الاقتصادي السوري، تمام البارودي، لـ"العربي الجديد"، ويقول: "واصل ‏النظام السوري اتباع سياسة الاحتكار نفسها، لكنه طور الأسلوب والشكل". ويشرح: " في عهد حافظ ‏الأسد، كان النشاط الاقتصادي يعتمد على أشخاص مقربين من النظام، حيث انحصرت إدارة كل قطاع ‏اقتصادي في يد شخص واحد مثل استيراد الحديد والإسمنت وصفقات الأدوية، مع وجود شبكة صغيرة من ‏التجار المحليين أي وكيل واحد في كل محافظة. وبالتالي كان احتكار هذه الأعمال بيد أقرباء الأسد والمقربين منهم من ‏التجار المحليين".

وهم الانفتاح الاقتصادي
ومع تنامي فئة التجار والصناعيين وتوسع حجم إنتاجهم في الاقتصاد، انتهج ‏بشار الأسد سياسة الانفتاح الاقتصادي حيث اتخذ حزمة إجراءات لتوسيع الانفتاح والمنافسة، لكنه سرعان ما شرع في ‏تنفيذ "المرحلة الثانية من مشروعه، من خلال استغلال نفوذ وقوة شركات، رامي مخلوف، في قطاعات عديدة وحيوية، ‏من أجل الضغط على رجال الأعمال، وفرض عليهم دفع أرقام محددة للمساهمة فيما أسماه (شركة الشام القابضة) التي ‏كان يهيمن عليها".‏
خلال فترة حكم بشار الأسد، شكلت سياسة الاحتكار، سواء عبر سن قوانين أو عبر "التشبيح"، سمة النشاط ‏التجاري لرجل الأعمال الشهير، رامي مخلوف. وحاول الأخير، الذي يمثل مصالح العائلة ‏الحاكمة في سورية، الاستحواذ على وكالة "المرسيدس" للسيارات من شركة "أبناء عمر سنقر" وذلك بقوة الأمر الواقع، وفق البارودي. ‏وفيما اختارت الشركة الألمانية الانحياز إلى جانب شركة سنقر، ألغت الحكومة السورية، التي مثلت مصالح الطبقة ‏الجديدة خلال العقد الماضي، الوكالات الحصرية من خلال قانون يتذرع بـ "منع الاحتكار"، فيما كان الهدف الحقيقي ‏من هذا القانون هو تثبيت مخلوف كمحتكر وحيد في السوق السورية. ولدى تمسك الشركة الألمانية بالوكيل السوري، ‏أصدرت الحكومة تشريعات عقابية ضد شركة "مرسيدس"، منها منع استيراد قطع التبديل.
فشلُ رامي مخلوف حفزه ‏للاستيلاء على وكالة شركة "بي إم دبليو" للسيارات. بعد ذلك، ألزم وزارة الدفاع السورية بشراء كافة السيارات، ‏التي تم بيعها إلى الضباط المسرحين والمتقاعدين من شركة "بي إم دبليو"!
هكذا، أدت سياسات النظام السوري إلى التحكم الشديد بموارد الدولة ومؤسساتها، ونهبها لصالح طبقة رجال الأعمال ‏الجدد. وهي طبقة متحالفة مع بيروقراطية الدولة ومع الأجهزة الأمنية.
كان التأثير السلبي للاحتكار على أداء الاقتصاد السوري "واضحاً وجلياً" يقول البارودي. ‏أما جميل فيعتقد أن الاحتكار عمل على "تجميد تراكم الثروة لدى الدولة ‏السورية في الوقت الذي كان يراكم فيه الثروة لدى الأفراد المسيطرين عليها". ويضيف: "في سورية الأسد، احتكر رامي مخلوف ‏الخليوي، وحجب بذلك أموالا طائلة عن الخزينة، كان يمكن أن تستخدم في التنمية الاقتصادية".

اقرأ أيضاً: لا خصخصة الآن في لبنان..."ولا بعدين"
المساهمون