المطبخ التونسي لا يعرف الأزمات ‏

28 يناير 2015
المطاعم التونسية تجذب السياح (فتحي بلايد/فرانس برس)
+ الخط -
لا يمكن ‏الحديث عن أي بلد في العالم من دون التطرّق إلى خصوصيّة مطبخه. فالطعام ليس مجرّد غذاء أو حاجة بشريّة، بل تحوّل إلى أحد ‏المعالم السياحيّة التي تضاهي الآثار والمعالم الحضاريّة والمهرجانات المحليّة. 
تونس التي طالما راهنت على السياحة كأحد ‏القطاعات الإستراتيجية للاقتصاد الوطنيّ، لم تشذّ عن القاعدة، واستثمرت في مجال الأطعمة والمطاعم مستغلّة ثراء المطبخ ‏المحليّ الذي جمع بين جذور البلاد الأمازيغيّة وحضارتها العربيّة الإسلامية وتأثّرها بمحيطها المتوسّطيّ، وموقعها الجغرافيّ ‏القريب من أوروبا.‏
لقد راهنت الدولة على قطاع المطاعم بصنفيها السياحيّ والمحليّ نظراً لما يمثّله هذا القطاع من أهميّة على المستوى ‏الاقتصادي، حيث عملت الحكومات المختلفة على تعزيز القدرة التنافسيّة للمطاعم السياحيّة ودعم المشاريع الكبرى والصغيرة ‏في مجال صناعة "متعة الأكل"، وفتحت الباب على مصراعيه أمام الاستثمار الأجنبيّ والمحليّ، حتى يكاد لا يخلو شارع في ‏معظم المدن التونسيّة من مطعم أو محلّ للوجبات السريعة.‏
"خلال العشريّتين الأخيرتين، وبعد أن فتحت الدولة المجال أمام الاستثمارات الأجنبيّة والمحليّة، تطوّر قطاع المطاعم بشكل ‏مطرّد ليتحوّل إلى واحد من أهم الاستثمارات في النسيج الاقتصادي التونسي"، بهذا التوصيف استهلّ الخبير الاقتصاديّ محمد ‏ياسين السوسي حديثه مع "العربي الجديد"، ليستطرد قائلاً إنّ معدّل حجم النموّ في هذا القطاع ظلّ ثابتاً عند نسبة 2,3% ‏سنويّاً حسب بيانات وزارة السياحة رغم الهزّات الاقتصاديّة التي شهدتها البلاد عقب الثورة وتزعزع حالة الاستقرار الأمنيّ ‏والسياسيّ.
ويضيف السوسي أنّ المطاعم في تونس تنقسم إلى صنفين أساسيين، هما المطاعم السياحيّة التي تستهدف ‏بالأساس فئة السياح والطبقة الاجتماعيّة الميسورة، والمطاعم العاديّة أو الشعبيّة التي تمثّل 90% من مجمل المطاعم العاملة في هذا ‏القطاع.
إذ كشف بحث ميدانيّ للمعهد الوطني للإحصاء أنّ عدد المطاعم السياحيّة قد بلغ سنة 2013 نحو 400 مطعم منتشرة ‏في العاصمة التونسيّة والمناطق السياحيّة الكبرى على غرار المدن الساحليّة الشرقيّة. أما المطاعم الشعبيّة فقد بلغ عددها ‏بحسب نفس الدراسة 4020 مطعماً في كافة الأراضي التونسية، وتستحوذ العاصمة على النصيب الأكبر منها بما يزيد عن 3087 ‏مطعماً شعبياً. ‏
كما يساهم هذا القطاع في توفير قرابة 12 ألف موطن شغل ‏بصفة مباشرة في مختلف الاختصاصات، كالطبخ والمحاسبة وخدمة الحرفاء. هذا بالإضافة إلى تأثيره على مجمل القطاعات ‏الأخرى التي ترتبط بأنشطة المطاعم كتجارة المواد الغذائيّة والتجهيز المنزليّ وعمال الصيانة الكهربائيّة، وغيرها من الأعمال ‏الضروريّة لتجهيز المطاعم وصيانتها.‏
ازدهار قطاع المطاعم في تونس، كان لا بدّ أن يرتبط بنسق استهلاكيّ مرتفع كي يظلّ وجهة استثماريّة مغرية. ويقول صاحب سلسلة مطاعم "أم كلثوم" في منطقة ‏الحمامات السياحيّة، محمد علي سلامة، إنّ المطاعم والأكلات التونسيّة تمثّل عامل جذب أساسيّ للسيّاح الأجانب وحتّى ‏للتونسيّين الذين يبحثون عن تجربة أكلات قد لا يتقنون إعدادها أو للتمتّع بمذاق الطعام في مطاعم راقية وصحيّة.
وفي ‏المقابل، فإنّ الخدمات المميّزة للمطاعم السياحيّة في تونس وجودة الأكلات المقدّمة فيها، هي العامل الرئيسيّ في ازدهار هذا القطاع ‏ونموّه رغم الصعوبات الاقتصاديّة التي تشهدها البلاد منذ ثلاث سنوات. أما بالحديث عن الأسعار وكلفة تلك الوجبات التي ‏قد تتجاوز 100 دولار للوجبة الواحدة، فيجيب سلامة بأنّ هذا الصنف من المطاعم هو بالأساس موّجه ‏لفئة معيّنة من المستهلكين الذين هم بالأساس السيّاح والطبقة الميسورة في تونس، وبالتالي فإنّ تلك الأسعار تلائم قدرات ‏تلك الفئة من الحرفاء وتتوافق مع مستوى الخدمات وجودة الأكل المقدّم.‏
من جهة أخرى، تقول العضوة في الجامعة التونسية ‏لأصحاب المقاهي والمطاعم، سميرة البوعلي، والتي تمتلك مطعماً في جهة لافييات من تونس العاصمة، أنّ ازدهار القطاع يعود لتغيّر عادات ‏التونسيّين الغذائيّة، "حيث أنّ 44% من التونسيّين يتناولون وجباتهم المختلفة خارج المنزل، نظراً لضغط العمل الذي يمنعهم ‏من العودة لمنازلهم لتناول الوجبات المنزليّة بالإضافة إلى خروج المرأة للعمل وصعوبة التنسيق بين المطبخ والمكتب في ‏الوقت الحاضر".‏
وفي هذا السياق، يعلّق الخبير في قطاع المطاعم والفندقة منصف المنقعي، على وضعيّة قطاع المطاعم في تونس قائلاً إنّ "‏المطاعم الشعبيّة تحوّلت إلى أحد المرافق الأساسيّة وجزء من الخدمات الضروريّة للموظّفين والعاملين في مختلف القطاعات. ‏إذ أنّ ضيق الوقت وضغط العمل واستحالة التنقّل في العاصمة أوقات الذروة التي تمتد طوال ساعات الظهيرة، دفعت ‏التونسيّين إلى هجر الأكل المنزليّ والاستعاضة بالمطاعم الشعبيّة التي توفّر أصنافاً مختلفة من الأكلات والأطباق والوجبات ‏السريعة. هذا بالإضافة إلى أسعارها المتدنيّة بصفة عامة والتي لا تتجاوز في معظم الحالات دولارين ونصف". ‏
ويضيف منصف أنّه يجب الأخذ بالاعتبار أنّ المطاعم الشعبيّة استطاعت الحفاظ على هذه الأسعار المغرية نظراً ‏لاستفادتها من دعم الدولة للمواد الغذائيّة المختلفة "ممّا مكّنها من المحافظة على هامش الربح المرتفع نسبيّاً والإفلات من ‏ارتدادات الأزمة الاقتصادية التي أدّت إلى غلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخّم لتصل إلى حدود 10% بالنسبة للمواد ‏الاستهلاكيّة". ولكنّ الخطر الأساسيّ، وفق منصف، يكمن في تواصل الأزمة ونسق الارتفاع السريع للأسعار، والذي يهدّد بصفة جديّة ‏مستقبل هذا القطاع في تونس.
المساهمون