وتر سورية الجريح يرفّه لبنان

19 يناير 2015
لاجئ سوري يرفض التخلي عن آلاته الموسيقية (getty)
+ الخط -
لا يختلف اثنان على أن الأزمة السورية التي دخلت عامها الرابع أرست متغيرات والتزامات جديدة على الساحة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللبنانية. ولم يأت السوري خالي الوفاض خلال نزوحه جراء القصف والأوضاع الأمنية في بلاده، إذ تسلح بعادات وتقاليد وموروثات بعضها يساعده على تحمل ظروف اللجوء الصعبة. 
ولعل الموسيقى وآلاتها، من أبرز ما أحضره السوريون معهم من بلادهم، إذ يمكن ملاحظة "العازفين" يفترشون أرصفة الكورنيش البحري لمدينة بيروت، وحولهم يتجمهر عدد من المستمعين. وكذلك الحال في شارع الحمراء... وفي حين يمارس بعض "العازفين" هوياتهم للترفيه، يستخدمها عدد منهم كطريقة لزيادة المدخول عبر العزف في الحانات البيروتية في مقابل أجر محدد.

نمو سوق الآلات الموسيقية
وقد ساهم انتشار "العازفين" في شوارع بيروت في إعادة الحياة إلى بعض المحال اللبنانية التي تبيع الآلات الموسيقية. ما حرك سوق الموسيقى التي كانت تشهد ركوداً خلال السنوات الماضية، خصوصاً في ما يتعلق بحركة مبيع الآلات الموسيقية الشرقية، التي يتقن السوريون العزف عليها.
ويؤكد عبد الله شاهين، وهو صاحب شركة لبيع الآلات الموسيقية أن "غالبية اللاجئين من موسيقيين أو عازفين مبتدئين، حضروا بما عليهم من ملابس من سورية، لذا كان لا بد من شراء الآلات وصيانتها في المحال والمتاجر اللبنانية. ما رفع نسبة المبيعات بعدما كان بعض الآلات التقليدية الشرقية التي يستخدمها السوريون، على شفير الانقراض".
وفي هذا السياق، يشير أحمد الحصري وهو عازف سوري نزح إلى لبنان إبان الأزمة لمتابعة تعليمه، إلى أن الموسيقى الغربية ساهمت في "تهميش" الآلات الشرقية، إذ إن الغيتار اليوم حل مكان العود في قلوب الشباب العربي عموماً واللبناني خصوصاً، مؤكداً أن "الحب السوري لهذه الآلات شجع بعض اللبنانيين على تعلم العزف عليها".
وبشأن الإقبال على شراء الأعواد والبزق، يقول شاهين إن "السوريين يفضلون البزق السوري، وخصوصاً صناعة ابراهيم سكر"، مؤكداً أن "البزق يشهد إقبالاً أكثر من العود في الوقت الحالي".
ويشرح شاهين أن ارتفاع كلفة الصناعة اللبنانية ساهم في تغليب وتفضيل الآلات السورية، فالعود السوري على سبيل المثال يتراوح سعره ما بين 200 إلى 260 دولاراً، بينما يبدأ سعر العود اللبناني بـ 250 دولاراً وصعوداً.

حانات شرقية
وبشأن التوزيع الديمغرافي الموسيقي، يشرح شاهين أن سكان حلب وسكان الأرياف بشكل عام يفضلون الآلات الشرقية عن غيرها، خصوصاً أن حلب تعد مدينة الآلات الشرقية، حيث تتركز فيها مصانع معظم الآلات التي تصدر إلى لبنان.
ولم تمنع الأزمة السورية من استيراد هذه الآلات، إذ "إن حركة الاستيراد لم تتأثر بإغلاق الحدود، ولكن الأثر الفعلي حصل، عندما قرر إبراهيم سكر نقل مصنعه من حلب لأسباب أمنية".
وفي هذا السياق، بدأت شوارع ومدن لبنان بالتأقلم مع الموسيقيين السوريين، إذ لجأت بعض المقاهي والمطاعم اللبنانية إلى توظيف فرق موسيقية سورية تحترف العزف على الآلات الشرقية، الأمر الذي ساهم في ارتفاع الإقبال على هذه المقاهي.
وفي السياق نفسه، يشير خالد عنتر، وهو أحد رواد هذه المقاهي إلى أن الوجود الفني السوري في لبنان "أسهم في اختلاط الأمزجة الفنية، ما أسفر عن وجود تنوع لم يكن متوافراً بهذه الطريقة الملحوظة. فأصبح بالإمكان اليوم أن تتوجه إلى الحانة التي تعكس مزاجك الشخصي، وهناك خيارات تبدأ بالموسيقى الشرقية وصولاً إلى موسيقى الميتال" الغربية".
ولكن هذا الإقبال المستجد، لا ينفي معاناة محال بيع الآلات الموسيقية في لبنان، وخصوصاً بيروت، التي تشهد تراجعاً مستمراً في المبيعات. وخصوصاً بعدما أصبحت التكنولوجيا تنافس هذه الآلات. فاليوم ومع التطور التقني أصبح تعلم الموسيقى والعزف على الآلات لدى الجيل الجديد من الشباب عملاً من الماضي، فحلّ الكومبيوتر و"الآيباد" عوضاً عن المدرّس. إذ يمكن لأي شخص تنزيل برنامج مجاني يمكّنه من تعلّم العزف وبتقنية عالية.
المساهمون