"مووك" ثورة في التعليم عن بعد

30 ديسمبر 2014
دورات مفتوحة تصل إلى الملايين من مستخدمي الإنترنت (GETTY)
+ الخط -
كانت وستظل عملية نقل العلم والمعرفة مسألة حيوية في المجتمع البشري وأحد شروط استمرار تطوره وبالتبعية فإن استمرار تطوير وسائل التعليم ونقل المعرفة هي من أهم التحديات التي تواجه البشر، ويعد "التعليم عن بعد" إحدى الوسائل التي يسعى البشر من خلالها لنشر العلم ومساعدة الناس على تخطي عقبات المكان والزمان التي تحول دون ذهابهم إلى الجامعة أو مراكز التعليم، فبدأت هذه الفكرة في أميركا في أواخر القرن التاسع عشر عن طريق استخدام البريد والمراسلات ثم تطور الأمر في عشرينيات القرن العشرين، حيث أصبحت الجامعات تبث برامجها التعليمية عبر موجات الراديو ثم انحسرت هذه الأداة وحل محلها المحاضرات المتلفزة في السبعينيات. ثم أحدث انتشار الانترنت في التسعينيات تطوراً كبيراً في مجال التعليم عن
بعد، وبدأت تعقد الندوات العلمية عبره، وفي عام 2005 عندما بدأ سلمان خان، مؤسس "أكاديمية خان" فيما بعد، بشرح بعض المسائل الرياضية والعلمية لأحدى قريباته عن طريق مقاطع فيديو قصيرة على موقع يوتيوب فحققت أرقام مشاهدات عالية جدّاً أحدثت تغييراً كبيراً في أدوات التعليم عن بعد. 

ثم تطور الأمر أكثر فأكثر في عام 2008 حينما أطلق جورج سيمنز، المحاضر بجامعة أثاباسكا في كندا أول دورة أو "كورس" مفتوح عبر الانترنت (مووك) التحق به أكثر من 2000 طالب بشكل مجاني تماماً، واعتبرت هذه الخطوة هي القطرة الأولى في غيث الدورات المفتوحة عبر الانترنت MOOCs التي تعد ثورة حقيقية في هذا المجال، بدأت بعدها الكيانات الربحية وغير الربحية في العمل على تقديم العديد من الدورات التعليمية المفتوحة عبر الإنترنت وكانت دورة "الذكاء الاصطناعي" التي قدمتها شركة Udacity عبر موقعها هي البداية الحقيقية لتلك الثورة، حيث التحق به أكثر من 150,000 شخص ثم دخلت، أيضاً، على الخط الجامعات اللامعة من مختلف دول العالم، الآن، بضغطة زر يستطيع أي شخص في العالم يملك جهاز كمبيوتر ووصلة انترنت أن يلتحق بدورات تعليمية عالية الجودة تقدمها العديد من الجامعات والمؤسسات المتميزة في العالم، في أي مجال يهمه بداية من الفلك حتى الصحة العامة وتغذية الإنسان مروراً بالأدب والتاريخ والفلسفة وحتى الذكاء الاصطناعي وتصميم ألعاب الكمبيوتر والبرمجة والأهم، بالطبع، أنها مجانية ومتاحة للجميع. 


لكن كيف يعمل الـ "مووك"؟ 
كلمة MOOC هي اختصار لـ massive open online course وترجمتها هي
دورات هائلة مفتوحة عبر الإنترنت، وفي حين أن الدورات التقليدية عبر الإنترنت تكون بمقابل مادي وتُقدم لعدد صغير من الأشخاص لضمان التفاعل الجيد مع المحاضر، فإن الدورات المفتوحة تقبل أعداداً هائلة من المتعلمين، لذا فإنه من المستحيل للمعلمين أو المؤسسة المانحة للدورة التفاعل مع كل هذا الكم من الطلبة، وبالتالي فإنها تعتمد على تفاعل الطلبة بعضهم مع بعض على المنتدى الخاص بالدورة ويتم تقييم الفروض والتدريبات عن طريق الطلبة أيضا فيقوم كل طالب، إلى جانب إنجاز فروضه وتقديمها في الموعد المحدد، بتقييم عدد معين من الفروض التي أنجزها زملاؤه حتى تحسب له الدرجة كاملة. أما بالنسبة لوسائل التدريس فإنها تتنوع ما بين المحاضرات القصيرة التي تترواح مدتها من 8 إلى 12 دقيقة والنصوص المطبوعة، سواء كانت مفتوحة المصدر أو خاصة بالدورة فقط بالإضافة إلى اللقاءات مع الأساتذة عبر الإنترنت. كل ما على الطالب فعله للبدء في دورة تعليمية مفتوحة عبر الإنترنت هو التسجيل في أحد المواقع أو المنصات التي تقدم هذه الخدمة. 

من هم أكبر مقدمي خدمة الدورات المجانية عبر الإنترنت (مووك)؟ 
إيديكس edX: 
هو موقع أطلقه معهد ماساتشوستس للتقنية، وهو مشروع غير هادف للربح ويقدم أكثر من 240 دورة تعليمية مفتوحة عبر الإنترنت منها على سبيل المثال: مقدمة في التطور البشري، وأفكار القرن العشرين، ومقدمة في علم الحاسوب. 

كورسيرا Coursera: هو مشروع هادف للربح تقوم فكرته على الربط بين المؤسسات التي تريد تقديم دورات تعليمية مفتوحة عبر الإنترنت كالجامعات والمعاهد العلمية وبين الطلبة من جانب آخر، ويعد كورسيرا، الآن، من أكبر مقدمي خدمة المووك على شبكة الإنترنت، فقد سجلت الأرقام في أكتوبر 2014 أن الموقع أصبح لديه أكثر من 10 ملايين مستخدم وأكثر من 800 دورة تعليمية مفتوحة مقدمة من 114 مؤسسة تعليمية. 

يوداستي Udacity: 
مؤسسة هادفة للربح تقدم دورات في مجالات مختلفة، وقد بلغ عدد مستخدمي الخدمة أكثر من مليون ونصف مستخدم يتوزعون بين 203 دول حول العالم ، وقد بدأت المؤسسة في استحداث خدمات صغيرة إلى جانب الدورات المجانية في مقابل مادي كالحصول على شهادة إتمام أو دورات أكثر تخصصاً وحرفية، وتقدم يوداستي 26 دورة مجانية مفتوحة و12 دورة متخصصة بمقابل مادي. 

أليسون ALISON: 
مقدم خدمات التعليم عن بعد وهي مؤسسة غير هادفة للربح تم تأسيسه في مدينة جالوي في أيرلندا وخلافاً للمشاريع المرتبطة بالمؤسسات التعليمية الأمريكية السابق ذكرها فإن أغلب مستخدمي الخدمة هم من الدول النامية، وتعد الهند الأسرع تزايداً في عدد مستخدمي الخدمة، ويقدم الموقع أكثر من 600 دورة تعليمية مفتوحة تخدم أكثر من 3 ملايين مستخدم، وهو يعد أكبر مقدم لهذه الخدمة خارج الولايات المتحدة الأمريكية. 

وبالرغم من المميزات العديدة التي تقدمها فكرة الدورات المفتوحة عبر الإنترنت من المساعدة في نشر العلم والمعرفة لمن يريدها في الوقت وبالكيفية التي تناسبه فإن الأمر لم يسلم من الانتقادات، وأبرزها هو ضعف التواصل بين المعلم والطالب وذلك بسبب الأعداد الضخمة التي
توجه إليها تلك الخدمة، وقد أدى ذلك إلى ضعف أداء الطلبة مقارنة بالدورات التعليمية التقليدية سواء في حرم الجامعة أو غير المجانية عبر الإنترنت فقد أوضحت إحصاءات موقع كورسيرا أن أقل من 10% فقط هم الذين يكملون الدورات المفتوحة إلى النهاية، كما وجهت انتقادات أخرى لعدم دقة الطريقة المتبعة -تقييم الأقران- في تقييم الطلاب خصوصاً في العلوم الانسانية، وهي تعتمد على طلاب غير مؤهلين لتقييم الفروض والامتحانات. لكن يرد المؤيدون للفكرة أن الأمر ما زال في بدايته وحتما سيتم تطوير الكثير من آلياته. 

ماذا عن عالمنا العربي في هذا المجال؟ 
أما على مستوى العالم العربي فإن إحصاءات هذه المواقع تبين أن معدلات انتساب الطلاب من قارتي آسيا وأفريقيا أقل بكثير منها في أوربا وأمريكا الشمالية باستثناء الهند التي حققت معدلات مرتفعة في عدد الطلاب المستخدمين لخدمة المووك، وقد فطن موقع كورسيرا على سبيل المثال إلى أن اللغة تشكل حاجزاً كبيراً في التفاعل مع كل هذه الدورات المفتوحة المتنوعة لذا أطلق مبادرة لترجمة الدورات التي يقدمها إلى لغات مختلفة، وذلك عبر إنشاء مجتمع من المتطوعين من مختلف اللغات ليقوموا بترجمة المحاضرات المتاحة على الموقع، لكن لا تزال حركة الترجمة الخاصة باللغة العربية ضعيفة. 

أما عن المبادرات العربية في هذا، فإن مواقع مثل إدارك ورواق تقدم دورات تعليمية مفتوحة ذات مادة مميزة وباللغة العربية والتي يؤمل أن تلحق بالمشاريع الكبيرة المزدهرة في أمريكا وأوروبا من حيث رصانة المادة العلمية وتنوعها وجذب مزيد من الطلاب العرب. 
دلالات
المساهمون