نصب الحريّة

03 نوفمبر 2014
نصب الحريّة
+ الخط -
كانتْ التماثيلُ البرونزيّة الأربعة عشر المجوّفة التي عملها الفنّان، ستوضعُ بالترتيب لتُقرأ الجداريّة من اليمين إلى اليسار كما تُقرأ اللغة العربيّة. أتتْ التماثيل من روما، ومعها إيطاليّ مُختصّ بلِحام البرونز، إذ يبدو أنّ أحفادَ الآشوريين والسومريين لم يعودوا من العارِفين؛ الأصلُ أن السومريين أوّل من عملَ تماثيلَ مجوّفة من البرونز.

قال الفنّان محمّد غني حكمت (1929-2011)، إن تنفيذَ التماثيل تمّ في مشغلِه في روما، وأنه آثر أن يُخفي خبر موتِ سليم عن اللحّام الإيطالي، لئلا يعزف عن الذهاب إلى بغداد، فمن سيلحمُ قطعًا فنيةً لفنّان رحلَ، ولن يتسنّى له رؤيةَ إنجازه، يزيّن ساحة التحرير في بغداد عبد الكريم القاسِم.

المصبوبات على يافطةٍ مغلّفةٍ بالمرمرهائلةٍ (50* 8)، صمّمها المعماري رفعتْ الجادرجي، مستلهِمًا يافطات تلك المناسبة التي من أجلها طُلب من سليم إقامةَ نصب الحريّة؛ ثورة تموز عام 1958. في المنتصف تمامًا مصبوبةٌ برونزيةٌ لجندي قوّي، يحطّم قضبان السجن: هي الثورة. قبلها حصانٌ جامحٌ صارِخ، ورجالٌ يحاولون لجمَه: ما قبل الثورة. وبعدها فلاحٌ وعاملٌ: ما بعد الثورة.

ثمّة تِمثال ذاك الطفل الذي أحبّه سليم، وقيلَ إنه نحتَ له وجهًا يُشبه وجه ابنته زينب. الشمس التي تعلو رأس الجندي، شمسُ تموز، هي رمزُ البداية الجديدة "الصحيحة"، لعلّ منها جملة مسبّقة الصنع: مستقبلٌ مشرقٌ.
 
منفصلٌ متصلٌ هذا العملِ الفنّي كقصائد الشّعر الجيدة. كلّ تِمثالٍ على حدة يمثّل قصّةً منفصلةً، وإذ رُتبتْ المصفوفات البرونزيّة كما شاءَ نحّاتُها، جاءت الجداريّة متصلة، ذات تكوين بديع.

كان سليمُ مشغولًا بالمصبوبات البرونزيّة، وفي بغداد كان ثمّة من يتملّق القاسم؛ ربّما على الفنّان وضعَ مجسّمٍ لكَ في النصب، ربّما عليه وضعَ مُحيّاك في قرصِ الشمس.

عملُ النحّات مجهدٌ متعبٌ، والإشاعات والدسائِس تفتكُ بقلبِ الفنّان، الذي رفضَ وضعَ وجه الحاكِم في شمس الحريّة، فزادَ منسوبُ القهرِ في قلبه، ومضى قبل أن يرى نصب الحريّة في بغداد.

بعد عام 2003، لم تعد أعماله في مكانِها في المتحف، حيثُ ثمّة قاعة باسمِه. نُهب المتحف وسُرقت بعض الأعمال، وكان الأميركيون وقتها يؤدّون دور الحرّاس.

وفي عام 2011 قال الإيطاليون إنّ النصب آيلٌ للسقوطِ. صحيح، إذ تعرّض لرصاصات البعثيين، بعد الإطاحة بقاسم. وضعضعته الانفجارات التي لمّا تتوقف في بغداد.


المساهمون