ياسين القباطي:" صدقة جارية" لإصلاح المؤسسات الحكومية

24 نوفمبر 2014
الدكتور ياسين القباطي (العربي الجديد)
+ الخط -
في عام 2011 ، التحق الدكتور ياسين القباطي بالثورة الشعبية ضد نظام علي عبد الله صالح، وأصبح من أبرز قياداتها.
في يونيو/حزيران من عام 2013 تعرّض الطبيب القباطي لمحاولة اغتيال، عندما داهم عيادته شاب يحمل خنجراً ووجه 13 طعنة في أنحاء متفرقة من جسده. قيل إن الجاني مريض نفسياً. وأكد الطبيب القباطي أن دوافع هذه العملية سياسية، وأنها محاولة اغتيال.
عودته من الموت مثّلت منعطفاً جديداً للطبيب الذي كافح لفترة طويلة مرض الجذام الذي انتشر لسنوات في اليمن. قرر القباطي تكريس حياته الجديدة لمحاربة الفساد. ومنتصف عام 2014 أطلق الطبيب مبادرة شعبية ضد الفساد تحت اسم "صدقة جارية".
مثّلت المبادرة بدعة جديدة لم تكن مألوفة من قبل في اليمن؛ إذ إن مفهوم الصدقات ترسّخ في أذهان الناس بأنه نوع من الإنفاق، في حين أن المبادرة حوّلت مفهوم الصدقة من العطاء إلى الرقابة الشعبية، بما من شأنه تحسين الأداء في أجهزة الدولة ومحاربة الفساد.
وهذا نص المقابلة التي أجرتها "العربي الجديد" مع الدكتور ياسين القباطي:

1 * كيف نشأت مبادرة "صدقة جارية" في اليمن؟ ولماذا انطلقت هذه المبادرة؟
في يونيو/حزيران من عام 2014، أطلقنا مبادرة "صدقة جارية"، بهدف متابعة مسؤولي المكاتب في المؤسسات الحكومية في مدينة تعز، وتذكيرهم بمهامهم. حيث بدأنا النزول إلى الشارع، ونقل معاناة الناس إلى المسؤولين بشكل مباشر، ومعالجتها معهم. أطلقنا المبادرة بعد أن أصابنا اليأس من إصلاح المؤسسات الحكومية التي تحولت إلى جهات ابتزاز. وشجعها سكوت المجتمع على التمادي أكثر في الفساد.

2 *ما هي آلية عمل فريق المبادرة؟ وهل هناك تجاوب من قبل المؤسسات مع مطالب المواطنين التي تقومون بنقلها إليهم؟

نعم، تم تشكيل فريق المبادرة من ناشطين في مختلف المجالات. وضم الفريق عشرات الأطباء والمهندسين والأدباء والصحافيين والمحامين والفنانين وشباب متطوعين. والنتائج كانت مذهلة منذ اليوم الأول لزيارتنا الجهات الحكومية. الموظفون كما المواطنين تفاعلوا بإيجابية مع المبادرة، وقدموا لفريقها قوائم موثقة بالأخطاء والمشاريع المتعثرة.

3* وما هي الوسائل لتحقيق أهدافكم؟ وكيف تصلون إلى مرحلة وقف الفساد؟
لسنا جماعة مسلحة تستخدم القوة، وإنما نحن فريق مدني يستخدم لغة الحوار. ولذا وجدنا تفاعلاً كبيراً من قبل المجتمع. وكذلك، عدد كبير من مدراء المؤسسات الحكومية، شعروا بأن الرقابة تلاحق كل أعمالهم، وبالتالي لم يسعهم سوى التفاعل معنا. وفعلياً لم نكن نتوقع هذا التجاوب مع الحملة، خصوصاً أننا كنا قد فقدنا الثقة بالمسؤولين والمؤسسات.
نعم نستطيع ملاحقة الفساد، فقد خاطبت فريقي وكل الناس، بأن الجميع قادر على إصلاح الأوضاع في بلدنا. مؤسسات الدولة هي مكاتب لخدمتنا، ونحن ندفع رواتب المسؤولين فيها من مالنا العام، لكي يخدموا المجتمع، لا لكي يتحولوا إلى أسياد عليه.
وسنواصل زياراتنا للمسؤولين، حتى ترتفع حساسيتهم للمشاكل، ويعرفوا أن في مدينة تعز، بل في كل المدن اليمنية، شعبا لن يسكت عن المطالبة بحسن الأداء، ونحن مستمرون.

4* ما هي المجالات التي شملتها أعمال المبادرة؟ وهل وصلتم إلى نتائج إيجابية ملموسة؟

شملت أعمال فريق المبادرة مجالات مختلفة في الصحة والأمن والزراعة وإنهاء الأزمات ومتابعة المشاريع المتعثرة. وقد ساهمنا خلال الفترة الماضية في إنهاء أطول أزمة وقود في المدينة خلال يوليو/تموز الماضي.
فقد أغلقت محطة الوقود الرئيسية في المدينة والتي تتبع أحد أكبر رجال الأعمال في البلاد. وفتحت بعض المحطات، واصطفت أمامها طوابير طويلة من السيارات. وأثمرت جهود فريق "ص. ج" (أي صدقة جارية) بالتعاون مع رجال أمن وعمال من داخل المحطة الرئيسية عن اكتشاف ثلاثة ملايين ليتر بنزين مخبأة في مستودعات تابعة للتاجر.
كما ساهمت المبادرة في القبض على تجار السوق السوداء للمحروقات في القطاع الشمالي للمدينة.

5 *كيف اكتشفتم النقطة المخفية في أزمة الوقود على أرض الواقع؟
أزمات الوقود مفتعلة. والمبادرة لم تقم سوى بإفشال خطة منظومة أثارت الأزمات، وقمنا بحماية المحطات من "صعلكة" وسطوة العصابات المسلحة.

6 *ما هي الأعمال التي نفذتها المبادرة حتى الآن؟
في المجال الصحي قام فريق المبادرة، وبتمويل من تجار المدينة، بترميم وتأهيل قسم الطوارئ في المستشفى الرئيسي للمدينة (الثورة). وتم افتتاح قسم النساء والولادة في مستشفى الثورة بعد أن كان مغلقاً لمدة أربعة أشهر متواصلة، وجاء افتتاح القسم بعد جهود مضنية بذلها الفريق.
ويعمل الفريق على إعادة تأهيل وتشغيل قسم الغسيل الكلوي في المستشفى الجمهوري، وهو ثاني أكبر مستشفى في المدينة، بعد توقف لأشهر بسبب الإهمال وتقادم الأجهزة.
وفي الجانب التعليمي قدم الفريق تصوراً عن المشروع الاستراتيجي الضخم "مدينة العلوم والتكنولوجيا"، الذي اقترحه أحد العلماء اليمنيين في ألمانيا. ووجد المشروع تجاوباً من قبل المحافظ، وسيقام المشروع على مساحة واسعة 18000 متر في إقليم الجند. ويمكن اعتبار هذا المشروع بداية الغيث لبناء صرح جامعي ألماني في اليمن، من أجل تحسين الوضع المتردي للتعليم الأكاديمي. وشملت جهود فريق المبادرة جوانب النظافة والتشجير وتحسين الشكل الجمالي للمدينة، بالإضافة إلى مكافحة التهريب.

7*هل هناك أمثلة عن طبيعة الفساد الإداري، من خلال زياراتكم الميدانية؟
هناك أمثلة عديدة، من خلال زيارة فريق المبادرة لمستشفى الثورة في المدينة، وجدنا أن روائح الجثث في ثلاجات الموتى تزكم الأنوف. وجدنا 60 جثة متعفنة. جثث تجمعت منذ عام 2008 بسبب مشاكل أمنية وجنائية وقضائية وعجز الإدارات السابقة.
حالة الثلاجة مأساوية وكارثية، بسبب الانقطاع الكهربائي المتواصل، وعدم تشغيل المولد الكهربائي بشكل سريع، ما أدى إلى مشكلات في عمل المستشفى، ومنها مشكلة الثلاجات.
قالت إدارة المستشفى إن النيابة العامة ترفض إصدار تصريح بدفن الجثث. وقد توجهت إلى مكتب رئيس النيابة العامة وتكلمت معه حول أزمة الثلاجات. وقال إن السبب هو أن المجلس المحلي للمدينة لم يدفع مستحقات جريدة الجمهورية الرسمية، ولذا رفضت الصحيفة نشر إعلانات الدفن. وقال إن قيمة الإعلان لمدة ثلاثة أيام في صحيفة الجمهورية يصل إلى 450 ألف ريال (حوالى 2500 دولار). وقد دفعت قيمة الإعلان، وتم دفن الجثث، ونعمل على مشروع توسعة وإعادة تأهيل ثلاجة المستشفى.

8*هل لديكم توجه لنشر المبادرة خارج نطاق مدينة تعز إلى محافظات أخرى؟
فعلياً، امتدت جهود فريق المبادرة جنوباً إلى مدينة عدن، وهي العاصمة الاقتصادية لليمن وميناؤها الرئيسي على البحر العربي. حيث وصلت للفريق بلاغات عن سفن بحرية تقوم بتهريب النفط اليمني، وعن فساد في شركة مصافي عدن التي تقوم بشراء كميات كبيرة من النفط لتغطية احتياجات السوق المحلية. حيث كشف فريق المبادرة عن قيام الشركة بشراء النفط من سفن تهريب في عرض البحر.
وقد رفع فريق المبادرة رسالة مدعمة بالوثائق الى النائب العام للجمهورية والى نيابة الأموال العامة وتم التحقيق مع مسؤولي الشركة ونشر قوات لمكافحة التهريب النفطي.
إن نجاح المبادرة شجع انتشارها في محافظات أخرى. حيث إن محافظ محافظة إب (100 كم شمال تعز)، تواصل معنا وطلب تشكيل فريق للمبادرة في المحافظة، بهدف متابعة اعمال السلطة المحلية، وتفعيل الرقابة الشعبية.
التفاعل الإيجابي مع المبادرة سيدعم الرقابة الشعبية التي يجب أن تمتد إلى جميع محافظات الجمهورية، حتى نوقف جرائم الفساد والعبث بالمال العام.

9* هل أصابك اليأس من تحقيق ثورة فعلية في اليمن في ظل ما يشهده الربيع العربي من انحراف عن مبادئ الثورات؟
الثورة ضد نظام صالح كسرت حاجز الخوف، وذاق الناس طعم الحرية بعد 33 سنة من الكذب والخداع. وعقب رحيل صالح استعجل الناس حدوث التغيير، وأصابهم اليأس من أداء الحكومة. وكنت أقول إن الثورة الفرنسية لم تحقق أهدافها في ظرف عام، وإن من انتظر 33 سنة لن يضره أن ينتظر ثلاث سنوات، وبالتأكيد سيتحقق التغيير.
وقد أطلقت هذه المبادرة كخطوة لتحريك المجتمع في اتجاه المطالبة بحقوقه وانتزاعها. وأعتقد أن الثورة الحقيقية هي في مكافحة الفساد وتحسين الخدمات الأساسية والحياة المعيشية للمواطنين.
أنا أعتبر أن هذه المبادرة هي نتاج ثورة اليمن ضد نظام علي عبد الله صالح، وهي تحمل رسالة أن الثورة ضد الفساد والإهمال مستمرة، ولن تتوقف إلى أن تحقق أهدافها.

10 * كم يمكن أن يربح الاقتصاد اليمني في حال الخفض من نسب الفساد فيه؟
إن هذه المبادرة تعمل على تفعيل الرقابة الشعبية، ومتابعة أعمال الإدارة العامة، وهي بالتالي تساهم في حماية المال العام. وهذا بالتأكيد يعمل على دعم الاقتصاد الوطني.

11 *هل الفساد موجود فقط على المستوى الإداري؟ وكيف يمكن مواجهة الفساد على المستوى الرسمي؟
من خلال زياراتنا الميدانية للمؤسسات الحكومية، وجدنا أن الفساد استفحل، وبأشكال متعددة. فهناك انعدام للمسؤولية، وغياب للأمانة، وانعدام الولاء، وتفشي ظاهرة الرشوة. كذلك يتم اعتماد المشاريع وفقاً للعلاقات الشخصية ونسبة العمولات.
الفساد يهدر الأموال، ويؤدي إلى تعثر المشاريع، ويقود انتشار الفساد الإداري إلى أضرار إدارية واقتصادية وسياسية واجتماعية. ولذا جعلت محاربة الفساد قضيتي. ويمكن محاربته كما نفعل من خلال تفعيل الرقابة الشعبية على مؤسسات الدولة.
المساهمون