الأجور والثورات

24 نوفمبر 2014
الشعوب العربية في الميادين تطالب بالإصلاحات(فرنس برس/getty)
+ الخط -
شكلت الثورات والانتفاضات العربية هاجساً مرعباً لأصحاب رؤوس الأموال المسيطرين على دفة الاقتصاد. حيث هددت أصوات المُفقرين في الميادين، قوى الفساد المتحالفة مع أنظمة الحكم. وذلك بعدما حملت الثورات الآمال في تحقيق مطالب العدالة الاجتماعية في العمل والأجر. كذلك رفعت مطالب توفير الخدمات وهي المطالب التي رفعتها الحركة الاجتماعية وفي القلب منها الحركة العمالية.

محاولات إجهاض الثورات
الانتفاضات أربكت النظم بلا شك، وأفقدتها قدرتها على السيطرة في مسار الأمور. في هذه اللحظة كان الهدف الأساس لأنظمة الحكم امتصاص الصدمة والحفاظ على النظام الاقتصادي الذي يخدم طبقة محدودة العدد.
استوعبت النظم صدمة أن يخرج الناس للميادين، وبدأت في تنفيذ مخططات إجهاض الثورة بالتصدي لمطالبها الاجتماعية والديمقراطية... لكن محاولات التصدي لم تفلح دائماً .
فقد احتلت قضية الأجور في مصر منذ 2008 حيزاً كبيراً من اهتمام الحركة السياسية، حيث تم تدشين حملة رفعت شعارات "حد أدنى للأجور 1200 جنيه". كما تصاعد الاهتمام الشعبي بها منذ صدور حكم قضائي في 2010 يوصي بإقرار حد أدنى لا يقل عن 1200 جنيه. حددت الدراسات الاقتصادية هذا المبلغ عن طريق حساب تكلفة سلة من السلع والخدمات الأساسية.
كما مثلت قضية عدالة الأجور في مصر أحد المطالب الشعبية الأساسية في سنوات حراك ما قبل الثورة، وتمظهر هذا المطلب في مئات التحركات الاجتماعية المطالبة برفع الأجور أو صرف المستحقات المالية من بدلات وحوافز ونسب العمال من الأرباح.
وظلت قضية الأجور مطلباً محورياً للحراك العربي. لهذا أصدر عدد من الدول العربية قرارات برفع الحد الأدنى للأجر.
وبعد صراع طويل في مصر منذ 2008 لم يقر الحد الأدنى سوى في 2013، وطبق فعلياً في بداية 2014 على أن يكون 1200 جنيه (170 دولاراً تقريباً). وذلك رغم صدور حكم بنفس المبلغ في 2010، الأمر الذي يعني أن قيمة الأجر إذا تم قياسه بنسب التضخم الآن لن يتجاوز حدود ما طرحته وزارة القوى العاملة في 2008 وهو 750 جنيها مصريا.
وفي السياق ذاته، أقر مجلس الوزراء اللبناني رفع الحد الأدنى للأجر من 500 ألف ليرة لبنانية (333 دولاراً) إلى 675 ألف ليرة لبنانية (450 دولاراً) بينما ارتفع في الجزائر عام 2012 من 15 ألف دينار(حوالى 177 دولاراً) إلى 18 ألف دينار (حوالى 213 دولاراً). وفي الأردن زاد إلى 190 ديناراً أي ما يعادل267 دولاراً.
وأمام تحدي الحراك العربي اتخذ العديد من دول الخليج قرارات تخص رفع الأجور، حيث مثلت هذه القرارات رسالة مفادها أنكم لست في حاجة لتحركات احتجاجية من أجل تحسين الظروف الاقتصادية كما حدث في مصر وتونس واليمن.
هذا المسار يضعنا أمام عدد من الحقائق أولها أن القضايا الاقتصادية هي قلب الحراك السياسي الذي تبلور في العديد من الدول العربية. وأن الأنظمة العربية تحاول استيعاب تلك المطالب عبر تنازلات شكلية لكنها تنازلات مرتبطة بمدى وضوح وتبلور الحراك وقدرته على رفع شعارات ثورية حقيقية.
على جانب آخر، تظل قضية الأجور وربطها بالأسعار هي قضية المواطن العربي الذي يواجه سلطات تقف ضد هذه المطالب بشدة. لأن رفع الأجور يعني ارتفاع قيمة العمل والتوسع في التشغيل وتقليل نسب البطالة، وبالتالي تقليل أرباح الفئات التي تنهب شعوبها.
هذا التتبع لقضية الأجور في الوطن العربي يطرح سؤالاً: هل يمكن أن نقول إن قصة الأجور انتهت وسوف ترضى الشعوب بهذا الوضع؟
بالطبع لا، لأن مؤشرات الاقتصاد ومسارها ينتج عنهما ارتفاع في الأسعار. لذا سوف يجد كافة العاملين بأجرٍ أنفسهم أمام معضلة أن الأجر لا يكفي متطلبات الحياة، وبالتالي لا فكاك من عودة الحراك المطالب بزيادة الأجور.

*باحث فى الأنثربولوجيا الاجتماعية
المساهمون