مهما يكن

28 أكتوبر 2014
الجدار في بيت جالا، تصوير الكاتب
+ الخط -
حتّى ونحن عالقون داخل مصيدة جدار الفصل العنصري، فإننا -نحن الفلسطينيين- وأينما كنّا، لا نزال متشبثّين بجوهر السؤال: من نحن ومن أين جئنا؟
نحتفظ أنا وعائلتي بأرشيفٍ صغيرٍ من الصور، التقطت بعضها في مسقط رأسي بيت جالا، البلدة الصغيرة لِصق بيت لحم في الضفّة الغربيّة. تساعدُ هذه الصور على تخيّل كيف أثّر الجدار على البنية التحتية للمكان، وعلى الناس الذين سُجنوا داخله. تختزن هذه الصورة آلافاً من الكلمات.
قبل عام 1948، كانت -المنطقة التي تسمّى اليوم- الضفّة الغربية تخضع لقيود، في ما يخصّ رخص البناء فيها، بموجب قوانين الانتداب البريطاني، الذي عدّ بعض أجزائها منطقةً تُستغلّ للأغراض الزراعية. أمّا اليوم فيعيش غالبية الفلسطينيين فيها باعتبارها أراضي حضرية، وإن كان لدى السلطة الفلسطينية الكثير لتقوله في هذا الصدد، فالواقع أنها ما تزال مجبرة على الحصول على قبول الإسرائيليين وموافقتهم القانونية عن وضع أي مخطط أو مشروع موضع التنفيذ في المنطقة ج. وهو ما يعني أن تمرّ تلك القرارات من خلال مدير "وحدة التخطيط المركزية" الذي -مثل غالبية من موظفيه- هو أحد سكّان المستوطنات الإسرائيلية.
بيت جالا لصق بيت لحم، ولكن في الواقع، لو كنتَ طائراً ونظرتهما من علٍ، فإن هاتين البلدتين تؤلّفان مع بيت ساحور ثالوثاً إن شئت، أو مثلثاً خاضعاً لجهة إدارية مدنية واحدة. والسبب أن الجدار تمّ بناؤه حولهنّ، فلم يكن من مفرٍ إلا وأن تُدمج البلدات الثلاث معاً بصورة شبه قسرية، الأمر الذي ظهرت آثاره في ما واجهته البلديات من مشكلات هائلة لدمج بناها التحتية معاً من دون أي تخطيط مسبق. هكذا تمّ إجبار الفلسطينيين على العمل بما هو متاحٌ لهم.
لكنني لمستُ تفاوتًا في ردود فعل الناس الذين يعيشون هنا، وأبرزها، كان الأكثر تفاؤلاً. فالأكثر شبابًا والأصغر سنًا هم الذين يبذلون أقصى الجهود، فيفتحون مطاعم صغيرة، ونوادي ودكاكين وحانات، كلّما استطاعوا لذلك سبيلاً. وإذ يأتي فنانون كثر من أنحاء العالم لإظهار تعاطفهم معنا -نحن الواقعين في فخّ الجدار- لا يجدون سوى الجدار، فيرسمون كتاباتهم "الغرافيتي" عليه. 
هذا ما فعله فنان الغرافيتي الشهير بانسكي، إذ استعمل الجدار كما لو كان قماشة لإحدى لوحاته.
تختزنُ الصورة آلافاً من الكلمات، وبعض الغرافيتي أيضاً. ثمّة واحدة منها على الجدار الفاصل، عبارة عن كلمة واحدة لكن كُتبت بطريقة معكوسة، فبدت كما لو أنها واقعة على الجانب الخارجي للجدار: "مهما يكن".
لكم أحبُها، إذ إنها تبيّن كيف أننا -نحن الفلسطينيين- نرى أن العالم الخارجي تجاهلنا. لكن مهما بدت الأمور قاتمةً حزينةً، ولا أمل يرجى، فإن الناس داخل الجدار -وأجرؤ على القول- يعيشون حياتهم. فما هي الحياة إن لم تقدّم أفضل ما لديك، مهما يكن؟
المساهمون