نيوزلندا وفن إدارة الأزمات

15 يونيو 2015
رغم الأزمات استمرت نيوزلندا في توفير الخدمات لمواطنيها(فرانس برس)
+ الخط -
عانى الاقتصاد النيوزلندي من فترة ركود قصيرة في عامي 2008 و2009، بسبب اشتداد الأزمة المالية العالمية. حيث أدت حالة عدم اليقين التي سيطرت على البيئة المالية والاقتصادية العالمية إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي لنيوزلندا بواقع 2.9٪.

وعلى غرار العديد من الاقتصادات المتقدمة، هوت الاستثمارات الأجنبية وثقة المستهلكين بالتزامن مع ارتفاع تكلفة الائتمان المصرفي وبقاء أسعار المنازل مرتفعة. سعت الحكومة المنتخبة في عام 2008، والتي يقودها الحزب الوطني الذي أعيد انتخابه لولاية ثالثة في سبتمبر/أيلول 2014، إلى رفع الأداء الاقتصادي طويل الأجل من خلال خمسة محفزات رئيسية: بناء اقتصاد أقوى، الاستثمار في البنية التحتية، تقديم خدمات عامة أفضل، إعادة بناء مدينة "كرايستشيرش" (أكبر مدينة في الجزيرة الجنوبية من نيوزيلاندا)، وبناء نيوزيلندا جديدة أكثر أماناً.

اقرأ أيضا: الشراكة.. سر نجاح كندا!

وعلى الرغم من استعادة الاقتصاد العالمي قوته في عام 2010، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً، حيث عاد ليتباطأ بشكل ملحوظ جراء عدم قيام الحكومة الصينية بإجراءات تحفيزية لاقتصادها، والآثار الاقتصادية المدمرة التي تسبب بها الزلزال الذي ضرب اليابان في عام 2011، إضافة إلى توالي ظهور مشاكل مرتبطة بقضايا الديون السيادية الأوروبية.

على الرغم من ذلك، أدى ارتباط الاقتصاد النيوزلندي المتزايد في المناطق الاقتصادية الأسرع نمواً في العالم، خاصة أستراليا والصين، إلى استقرار صادراتها على نحو تجاوز أكثر التوقعات تفاؤلاً، حيث ارتفع عدد الشركاء التجاريين لنيوزيلندا بواقع 3.4٪ في عام 2013 و3.8٪ في عام 2014.

منذ البداية، استجاب بنك الاحتياطي النيوزيلندي للأزمة عن طريق خفضه سعر الفائدة الرسمي من 8.25٪ في 2008 إلى نسبة متدنية بلغت 2.5٪ في نهاية أبريل/نيسان 2009، وقيامه بإدخال تعديلات مصرفية سريعة لضمان عدم توقف تدفق السيولة إلى القطاع المصرفي. في هذا الصدد، سعت الحكومة إلى تقديم ضمانات مصرفية هدفت إلى استعادة الثقة في القطاع المصرفي، وقامت، أيضاً، بتخفيض ضريبة الدخل في 2008، أتبعتها بمزيد من التخفيضات الضريبية في 2009. وشملت التدابير قصيرة الأجل، التي اتخذتها الحكومة، إقامة مشاريع البنية التحتية، وحزمة إغاثة مؤقتة ساعدت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم من الخروج من آثار الأزمة.

اقرأ أيضا: التجربة الهولندية

لكن في فبراير/ شباط من عام 2011، ضرب مدينة "كرايستشيرش" على الجانب الشرقي من الجزيرة الجنوبية، زلزال مدمر بدرجة 6.3 على مقياس ريختر، حيث لقي حوالي 200 شخص مصرعهم في ثاني أعنف الكوارث الطبيعية في تاريخ نيوزيلندا. تسبب الزلزال، بما في ذلك الهزات الارتدادية اللاحقة، في أضرار كبيرة في المباني والبنية التحتية، ولا سيما في منطقة الأعمال المركزية والأجزاء الشرقية من "كرايستشيرش".
 
قدرت الحكومة التكلفة الإجمالية لإعادة البناء بنحو 42 مليار دولار أميركي (حوالي 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي السنوي)، تم تغطية أغلبها من شركات التأمين الخاصة وهيئة الزلازل المملوكة للحكومة. على الرغم من الاختلالات الكبيرة الناجمة عن الزلزال، كان أثر ذلك على النشاط الاقتصادي أقل مما كان متوقعاً، حيث تمكنت العديد من الشركات من الانتقال السلس من منطقة الأعمال المركزية المتضررة إلى مناطق أخرى أقل تضرراً، لتواصل أعمالها بشكل طبيعي، وهو ما يفسر عدم تأثر الإنتاج الأولي والتصنيعي للدولة بشكل كبير.

كان لزلازل "كرايستشيرش"، في البداية، تأثير سلبي على سوق العمل، ظهر ذلك جلياً مع تراجع حجم العمالة في المدينة بواقع 8٪ أواخر عام 2011. لكن هذا التأثير بدأ يعكس اتجاهه السلبي خلال عامي 2012 و2013، حيث شهد حجم العمالة في "كرايستشيرش" ارتفاعاً بنسبة 5٪ و6٪ على التوالي. إضافة إلى ذلك، أدى التوسع في عملية إعادة بناء المدينة بوتيرة قوية قدرها 11٪، في عام 2014، إلى تراجع ملحوظ في معدل البطالة في المدينة إلى 3.1٪ بعدما بلغ ذروته في 2012 مسجلاً 6.7%.

اقرأ أيضا: أميركا.. وثقافة العمل

الأمر اللافت، حقاً، أن نظام الرعاية الاجتماعية الحكومي بقي محصناً أمام هذه الأزمات، بما في ذلك حق الجميع في التعليم الابتدائي والثانوي المجاني، وحصول جميع السكان على خدمات صحية مجانية. علاوة على ذلك، شكل إعادة إعمار "كرايستشيرش" دافعاً إيجابياً إضافياً للنمو على مدى السنوات القليلة المقبلة، وذلك من خلال المشاريع الإسكانية والتجارية التي شرعت الحكومة في إقامتها بالشراكة مع قطاع خاص أثبت حيويته.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون