الطفل السوري... المستقبل الذي نحلم به

04 مايو 2016
نجدة الطفل السوري واجبة على الجميع(Getty)
+ الخط -
انفطرت قلوبنا حزناً ونحن نتابع مأساة قصف حلب الحبيبة، وارتبكت عقولنا أمام المشهد الدامي وصور القتلى والجرحى، لنحاول البحث عن إجابة: ما الذي نحتاج أن تركز عليه عدسات ضمائرنا فلا ننشغل أبدا عنه في وسط تلك التفاصيل الكثيرة الدامية؟.
 
وإجابةَ عن هذا السؤال: نتصور أننا نحتاج أن نركز – من بين تلك التفاصيل - على "الطفل السوري"، ولا نقصد هنا ذلك الطفل الذي قُتل تحت أنقاض القصف، أو غرق مسافرا في قارب في البحر، لأن هؤلاء أحياء عند ربهم الآن يعيشون حياة أفضل من حياتنا، وإنما نقصد الطفل السوري الذي لا يزال حيا بيننا، يعاني من صدمة موت الأبوين أو الأخوة أو الأصدقاء، ويبحث عن الحياة الكريمة والتعليم والصحة.

يتوقع كثير من المحللين موجة جديدة من الهجرة السورية بعد ذلك القصف، فهل نحن مستعدون لاستقبال هذا الطفل في أوطاننا وبيوتنا؟ هل يمكن أن نشارك في رسم مستقبل أفضل له بعد أن سلبته الحرب كل شيء ولم يبق له سوى الأمل في المستقبل؟ أم أننا سنتقاعس عن هذه المسؤولية فلا نكون أقل جُرما ممن سلبه حاضره وماضيه.

كيف يمكن أن نكون جميعا أمهات وآباء للطفل السوري في محنته؟ وكيف يمكن أن نوجه طاقة الحزن وجلد الذات بداخلنا إلى جهد نافع حقيقي؟ هل يمكن أن نرفع شعارا ونطبقه عمليا: "كيف تكون أبا أو أما أو أخا لطفل سوري؟" وذلك لأن هذا الطفل يحتاج دعما نفسيا إضافيا – حتى لو كان أبوه على قيد الحياة – لأن حجم الكارثة يتطلب تدخلا أكبر، ولأن الأب نفسه قد يكون في حاجة للمساندة.



بدائل الدعم والمساعدة
هناك بدائل عديدة، نستطيع أن نقدم منها قدر وسعنا من أجل مستقبل هذا الطفل، ومن أجل تلبية احتياجاته، وهي:
1. هذا الطفل يحتاج أبا أو أخا يقدم له الدعم المادي، ليكفل له المأوى والمعاش والتعليم.

2. يحتاج أن نتفهم أزمته النفسية ونتعلم فن التعامل معها، فلا نفرط في الإشفاق عليه فنشعره بالضعف والدونية، ولا نفرط في الخوف من مشاكله فنعامله على أنه جرثومة حاملة للعقد النفسية فنعزله عن أبنائنا أو نلبس كمامة وقفازات ونحن نتعامل معه خوفا من انتقال مشكلاته لأبنائنا، المسألة أبسط من هذا، فهو طفل طبيعي يحتاج منا أن نكتسب مهارات المربي للتعامل معه؛ ثم نوظف تلك المهارات في دعمه وإعطائه الثقة بنفسه، ودفعه لتطوير مستقبله. يحتاج لمهارات التواصل، التعاطف، الثواب والعقاب، الاستماع، التوجيه، اكتشاف القدرات، معرفة الاحتياجات والخصائص والاحتياجات السنية.

3. يحتاج متطوعين في الجمعيات الأهلية التي تعمل مع اللاجئين (من يساعده في دروسه، يصحبه في رحلة، يحكي له قصة، يصنع له مسرحا، يلعب معه، يرسم ويلون، يشتري له الهدايا والألوان....).

4. يحتاج أن نفتح له أبواب الكسب، من عمل أو تدريب (إن كان سنه مناسبا لذلك).

5. يحتاج أن تمنحه الشعور بأنه في وطنه، عفيف مصون، محفوظ الكرامة، وأن نربي أبناءنا على حب واحترام "أخوتهم" السوريين، وأن نحدثهم عن سورية الجميلة، وعن شعبها وتراثها. ونربيهم على أن اللاجئ عزيز النفس، ليس متسولا، وإنما هو في أزمة ربما تمر بها أنت غدا، وأن وقوفك بجانب أخيك هو واجب ومسؤولية وأمانة وضعها الله على كتفيك، وليس منةَ أو تفضلا.

6. يحتاج ألا نشعر تجاهه بالضيق من هذا الضيف الذي جاء يقاسم أبناءنا فرص العمل في المستقبل ولا ينتمي لبلادنا ولا يحمل لها ولاء. ونحن نشعر بذلك الضيق لأننا ننسى أننا لسنا أصحاب الأرض ولسنا أصحاب الرزق، فإنما هي أرض الله وليست أرضنا وليس من حقنا أن ندعي ملكيتها، وإنما الرزق هو رزق الله الذي خلق الماء والهواء، لنؤدي واجب الشكر بعدم البخل بنعم الله على الآخرين.

7. ربما يحتاج لتدخل متخصص إذا كان يعاني من الصدمة، بسبب ما رآه من مشاهد مروعة أو بسبب فقده للوطن أو الأهل أو الأصدقاء، ويحتاج للتنفيس والعلاج باللعب والدعم الفردي والجماعي.

8. يحتاج أن يعرف أن دوام الحال من المحال، وأن الأزمة ستنكشف يوما، وأن عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية بلغ نحو خمسين مليون قتيلا، ومع ذلك أصبحت الدول المهزومة دولاً عظمى خلال عقود قليلة.

9. يحتاج أن يحلم لنفسه بمستقبل أفضل على أرض سورية أو في أرض الله الواسعة، وأن يتعلم قصص الكثيرين من المنكوبين الذين استطاعوا أن ينجحوا ويتجاوزوا جراحهم وتستمر حياتهم.

10. يحتاج أن يعرف أن عدل السماء قد يقع في الدنيا الفانية، وقد يؤجله الله للآخرة الباقية، ولكنه واقع حتما.



الدور التربوي وأدوار أخرى
نعم هناك آلاف الأطفال الذين قتلوا في الحرب الوحشية في سورية، ولكن هناك ملايين الأطفال الذين لا يزالون على قيد الحياة، وهم المستقبل، فلنفتح لهم أوطاننا وبيوتنا وجهدنا وأوقاتنا وأموالنا، ونركز في دعمهم قدر استطاعتنا، ونوجه غضبنا في أن نقدم النفع لهم، "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

وإن ما أشرنا إليه هنا هو الدور التربوي تجاه الطفل السوري، ولا شك أن هناك أدوارا أخرى سياسية وإعلامية وإغاثية تجاه القضية، ولكنها قد تكون أدوارا خاصة بالبعض دون الآخر، أما الدور التربوي فهو دور جميع أفراد المجتمع، كل قدر استطاعته وعلمه.

ولكننا لكي نستطيع أن نقوم بأي دور إيجابي – سواء كان تربويا أو إعلاميا أو سياسيا أو اجتماعيا - يجب أن نربي أنفسنا أولا على بعض الأفكار الحاكمة ونضعها نصب أعيننا:

أولا: لا نسمح لمشاهد الدمار والخراب أن تستدرجنا نحو الشعور بالعجز، فإن الذي يزرع البذور لا يرى أشجارا فورية، وهو ربما لن يراها في حياته، ولكنه يعلم أنها ستطرح يوما ما (إن كان يتبع الطريقة الصحيحة في الزراعة أو كان يتعلم من كبواته).

ثانيا: لا نختزل سبب الأزمة في شخص ثم ننفس عن غضبنا بالاكتفاء بالدعاء عليه، لأن سبب الكارثة أكثر تعقيدا من مجرد شخص، كما أن الاكتفاء بالدعاء عليه ليس هو دورنا في الحياة، لأن الأرض هي مكان للعمل، وإن دورنا فيها ليس مجرد أن نطلب من السماء أن تتولى مسؤولياتنا.

ثالثا: لنتذكر أن الكارثة التي يعيشها الوطن العربي حاليا هي نتيجة قرون من التراجع والتخلف، وبالتالي فإن الإصلاح سيستغرق "طريقا طويلا" من التخطيط والعمل الجماعي والابداع والتضحية.

ونختم بكلمة الأب مانويل - الراعي السابق لكنيسة اللاتين بغزة: "ازرع العدالة.. إذن أنت تقاوم، أطعم الجائع واسق العطشان.. إذن أنت تقاوم، صلِّ.. إذن أنت تقاوم، افرح.. إذن أنت تقاوم".



المساهمون