لا بأس من أن يخاف الطفل من أبيه وأمه

04 ابريل 2016
مهارة اختيار الكلمات أمر تربوي يمكن تعلمه (Getty)
+ الخط -
ذكرنا في الجزءين السابقين من سلسلة كلمات تهدم وكلمات تبني الموجهة للآباء "عندما يفهم الحمار ستفهم أنت"... لا تقل هذا لطفلك، "عندما يفهم الحمار ستفهم أنت"...(2) أن الكلمة قد تبني إنسانا، ولكنها أيضا قد تهدمه، وأشرنا إلى أن "الكلمة" - وهي وسيلة التواصل الأساسية بين الآباء والأبناء -إن لم نبذل جهدا لاختيارها بعناية، فقد لا تصل رسالتنا المقصودة أو ربما تصل ممسوخة مشوهة.

وبدأنا نلقي الضوء على بعض تلك الكلمات التي تهدم، وفي المقابل الكلمات الأخرى التي تبني، فتحدثنا عن كلمات 1) المقارنة، 2) الرفض، 3)الاعتمادية، 4)اليأس واللعن. 5)التعميم، 6) قتل الإبداع، 7) الغرور والحقد والتفرد 8)المنّ.

وفي هذا الموضوع نتناول الكلمات المتعلقة برسم صورة للمربي نفسه، فنركز على أربعة أنواع من تلك الكلمات: كلمات التهديد والقمع (المربي المسيطر المرعب)، وكلمات الكمال (المربي الإله)، وكلمات الضعف (المربي العاجز)، وكلمات الإهمال (المربي المهمل). ثم نتناول على التوازي الصور البناءة المقابلة لهذه النماذج الأربعة.

9- كلمات التهديد والقمع:

وفي الحقيقة، إن قدرا من الخوف مطلوب، فلولا الخوف من الفشل لما كان النجاح. ولا بأس من أن يخاف الطفل من أبيه أو أمه، وخاصة في الطفولة الأولى حيث الثواب والعقاب وبدائل العقاب هي وسائل أساسية في تعديل السلوك (حسب المدرسة السلوكية لبافلوف وسكينر). ولكن هناك فرق بين أن يشعر الطفل بقدر ما من الخوف البناء إذا جاز التعبير- وبين أن يرسم المربي لنفسه دائما صورة (المسيطر المرعب).

هذا المربي المسيطر المرعب يبالغ في استخدام كلمات التهديد والقمع، في كل صغيرة وكبيرة، ليس لديه ترتيب أولويات في معالجة الأخطاء، ليس لديه مساحات للتغافل وأخرى للتنبيه الخفيف وثالثة لبدائل العقاب. لقد قام بضبط الإرسال على موجة واحدة وهي التهديد والقمع. "سترى الويل إذا فعلت كذا"، "سأمسح بك الأرض إذا صدر منك كذا"، "سأحرمك من كذا"، "سأجعلك عبرة أمام إخوتك"، "سأفضحك أمام أصدقائك"، "إذا لم تفعل ما أمرتك به لن ترى مني إلا العذاب".

وهكذا يرسم المربي لنفسه في وجدان الطفل صورة المسيطر المرعب، الذي لا يزرع في قلب ابنه إلا الكراهية تجاهه، ثم الكذب وانقطاع التواصل، ثم التمرد عليه بمجرد أن تسنح الفرصة في القريب العاجل جدا.

بينما على الجانب الآخر نجد صورة المربي المتوازن الذي يستخدم التهديد بشكل محدد، يمكن تطبيقه، مناسب لحجم الخطأ، خال من الإهانة والانفعال، مثل القاضي العادل عندما يحكم على متهم؛ فنحن لا نرى قاضيا متوازنا يصرخ أثناء النطق بالحكم، أو حتى يهين المتهم، أو يحكم بالإعدام في كل القضايا على جميع المتهمين!! القاضي يصدر حكمه بهدوء، وكذلك الأب والأم: "سأضطر لحرمانك من نصف مصروفك لمدة يومين إذا فعلت كذا" ، "لا تدفعني لحرمانك من النادي هذا الأسبوع إذا فعلت كذا"، "سأخاصمك تماما لمدة ثلاثة أيام إذا كررت كذا"... محدد، متنوع، يمكن تطبيقه، بدون إهانة وانفعال.

10- كلمات الكمال

وهي كلمات يستخدمها "المربي الإله"، الذي يحاول أن يقنع أبناءه دائما بالتالي: "أنا عمري ما أخطأت"، "أنا لم أحصل في حياتي على درجات منخفضة"، "أنا محبوب من كل الناس" ... لأن هذه الصورة الكاذبة غالبا لا يصدقها الطفل فيعتبر أباه نصابا؛ وخاصة لأنه يراه على حقيقته كل يوم ليس بهذا القدر من الكمال، والنتيجة هي انقطاع التواصل بينهما، وكأن لسان حال الطفل يقول له: "حسنا.. أنت إله ولكني في الحقيقة لست إلها مثلك، وبالتالي فإن تجربتك غير مناسبة لي".. أو غالبا يقول في ضميره: "أنت كاذب وغير واقعي".. وحتى إذا صدقه فإن هذا قد يضر، لأنه يعتبر تنصيبًا لمثل أعلى لا يخطئ، وهذا أمر مرهق وضاغط ومحبط.

الأفضل أن يشعر الطفل أن هذا المثل الأعلى رغم أنه من لحم ودم يصيب ويخطئ - إلا أن له أوجه نجاح وتميز تستحق أن يحتذى بها، وله أيضا تجارب فشل تعلم منها فأصبح أفضل. لذلك فلنستخدم مع أولادنا كلمات "بشرية واقعية"، مثل: "أنا تعثرت في كذا ولكني اجتهدت وأصبحت أفضل".. أو "أنا آسف لأني أخطأت بالأمس في كذا".. واعلم أن ابنك سيراقبك، وهو لن يطلب منك أن تكون إلهًا، ولكنه سيطلب منك كما تطلب أنت منه أن تجتهد نحو الأفضل، وفي اللحظة التي تتوقف فيها عن تطوير نفسك سيتوقف هو أيضا.

11- كلمات العجز

وكما أن نموذج المربي الإله هو نموذج هدام، فأيضا إن نموذج المربي العاجز يهدم. والعجز له علامات، فكلمات الصراخ والانفعال والانهيار (خاصة من الأم) هي علامات عجز، فالأم التي تصرخ وتنهار وتبكي ينظر إليها أبناؤها على أنها مختلة ضعيفة. أمثلة "يا رب أموت"، "ربنا يريحني منكم"، مع الصراخ واللطم والشتائم...

ومن علامات العجز أيضا كلمات السلبية والجهل، وهي كلمات الأب والأم اللذين لا يعرفان شيئا، ولا يضيفان جديدا، وكلما سُئلا سؤالا قالا "لا أعرف"، وكلما لجأ إليهما الطفل للمساعدة في حل مشكلة لا يقدمان حلا وإنما يزيدان المشكلة تعقيدا. بينما على الجانب الآخر هناك كلمات تبني، مثل: "لا أعرف اجابة هذا السؤال، ولكن يمكن أن نبحث معا من خلال كذا" .. أو "اعطني فرصة لأسأل وأجيبك" ... أو "هذه مشكلة، أقترح لحلها كذا.. ما رأيك"...

12- كلمات الإهمال

عندما يتحدث الابن فلا يجد من يصغي أو ينظر في عينيه، أو يجد كلمات مثل: "أنا مش فاضية لك" أو "امشي من وجهي الآن ألا تراني مشغولة"، وعندما يقع الابن في مأزق أو أزمة (حتى وإن كانت تافهة من وجهة نظرك ولكنها كبيرة عنده)، فيجد من يقول: "هو احنا فاضيين لهذه المشاكل التافهة!!" أو "مش وقته نبقى نتكلم بعدين" (ولا يأتي بعدين هذا)، أو "يعني أترك الأكل لأجلس معك؟" "يعني أترك عملي الذي ينفق عليكم لأسمع هذه الأحاديث التافهة؟".

وكذلك عندما يسأل الطفل السؤال الشهير "لماذا؟" حول الظواهر الكونية أو التاريخية أو الجغرافية أو الحياتية من حوله؛ هذا السؤال المبارك الذي يبني لدى الطفل مهارات التفكير المنطقي والتحليلي والنقدي؛ عندما لا يجد إجابات، أو تكون الإجابات من كلمات الإهمال مثل "هو أنت كل شيء تسأل فيه" "صدعتني بأسئلتك" "هو أنا فاضي لأسئلتك دي"، فهذه كلمات تهدم.

بينما على الجانب الآخر نجد كلمات تبني وهي كلمات الاهتمام "هذا سؤال جميل"، "هذه مشكلة تحتاج أن نجلس ونفكر في حلها"، "أنا مهتمة جدا بالاستماع لهذا الموضوع، لكن أنا الآن في المطبخ وهذا لا يجعلني أسمع بتركيز، هل تعطيني فرصة نصف ساعة فقط"...

وأخيراً، نكرر: الكلمات تهدم وتبني، فاحرص على اختيار كلماتك مع أبنائك.


المساهمون