الولايات المتحدة.. حملات إنترنت توقف الامتحانات

01 يوليو 2015
أصبح من حق الأهل سحب أبنائهم من الامتحان (Getty)
+ الخط -
إن وسائل الاتصال الحديثة مكّنت شرائح عديدة من التواصل وتبادل الأفكار والآراء، بل وتنظيم أنفسها على الأرض لأخذ موقف جاد تجاه القضايا المجتمعية التي تشغلها. ومع توافر تلك الوسائل، أصبح ممكناً الآن للآباء والمهتمين بقضية التعليم توحيد جهودهم وتنظيمها للضغط على صنّاع القرار وإحداث تغييرات صغيرة متتابعة من أجل تحسين وضع التعليم في بلادنا.

ونعرض هنا لتجربة ناجحة قامت بها كيانات أهلية في مدينة شيكاغو، أكبر مدن ولاية إلينوي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث قامت في 2004 بتنظيم حملة كبيرة لمقاطعة واحد من أشهر امتحانات الولاية لطلبة المدارس العامة. وسنفصّل في ما يلي الأسباب والوسائل التي جعلت منها حملة ناجحة حققت أهدافها.

الاختبارات القياسية
ولفهم سياق الحملة، سنعرض للجدل الدائر حول الاختبارات القياسية في أميركا، حيث تتعرض تلك الاختبارات لنقد لاذع من قبل كثير من أولياء الأمور والمعلمين والمهتمين بقضية التعليم عامة، ورغم أن الاختبارات القياسية هي الوسيلة المعممة في جميع مدارس الولايات المتحدة لما تفرضه من معايير ثابتة وظروف شبه متساوية لجميع الطلاب، إلا أنها أصبحت مصدر سخط بسبب ما يراه المنتقدون بأنه يفرض على المعلمين تحضير الطلبة للامتحان.

وهو ما يعتبر تدريساً من أجل الامتحان وليس من أجل التعلّم، كما أن الامتحانات القياسية تلغي الفوارق الذهنية والمهارية بين الطلاب وتقدم امتحاناً واحداً لتقييم الجميع، بالإضافة إلى الاقتطاع من وقت الشرح والتدريس لأجل الإعداد للامتحان وإجرائه، كما أن سيطرة بعض الشركات الخاصة على وضع تلك الامتحانات جعل البعض يتشكك تجاه مصداقيتها، ويرى أن الأمر ليس خالياً تماماً من المتاجرة وتحقيق أعلى الأرباح ولو على حساب الطلبة وجودة تعليمهم.

توعية الأهالي
من أجل تلك الأسباب وغيرها، قامت أربع منظمات أهلية مهتمة بأمر التعليم بمدينة شيكاغو، على رأسها اتحاد للمعلمين وآخر لأولياء الأمور، بتوحيد صفوفهم تحت كيان سموه "أكثر من مجرد علامة"، (More Than a Score)، للتعبير عن سخطهم إزاء نظام الامتحان داخل المدارس الحكومية في مدينتهم، وقادوا حملات مستمرة ضد نظام الامتحانات أملاً منهم في طرح مزيد من الأسئلة حول جدواها وتوعية الأهالي بحقوقهم وحقوق أبنائهم، وتعتبر حملة "أوقفوا الأي سات"، (Ice the ISAT)، واحدة من أنجح حملاتهم، حيث تعاونت الكيانات الأربعة وعبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وفيس بوك ومواقع التدوين وخدمة قوائم البريد الإلكترونية، من أجل تشجيع الأهالي لمقاطعة الامتحان.

بدأت المنظمة حملتها بجمع البيانات عن عدد الاختبارات وقوانين الولاية بهذا الخصوص والتمويل، وقامت بنشر هذه المعلومات التي انتشرت انتشاراً واسعاً، بعدها حددت الحملة المشكلة الأساسية التي يركزون عليها ألا وهي الكم الكبير من الاختبارات القياسية، ثم طرحت الحل كما تراه وهو إلغاء امتحان ISAT الذي لا ينبني عليه أي عمل، ورغم ذلك ما زال يفرض على الطلبة دخوله، وقد راعى مسؤولو الحملة أن يكون الهدف منها ملموساً ويستطيع الأهالي تحقيقه سواء فرادى أم مجتمعين، واستخدم منظمو الحملة لغة أمر جازمة تبدو واضحة في شعارها (مستفيدين من نتائج الدراسات الحديثة)، ما أدى لزيادة التفاعل وإعادة نشر المنشورات الإلكترونية على نطاق أوسع.

المكسب الأول
بعد هذا النجاح المبدئي، صدر رد من رئيس مجلس إدارة المدارس الحكومية في مدينة شيكاغو على إطلاق الحملة، وهو ما جاء في صورة خطاب تهديد للأهالي بأن مقاطعة الامتحان سيترتب عليها ذهاب الطلبة إلى الفصل الدراسي الصيفي، لكن الخطاب أقر من ناحية أخرى بحق الأهل في سحب أبنائهم من الامتحان، وهو ما اعتبرته الحملة مكسباً لها.

انتقلت الحملة بعد ذلك لخطوة الفعل على أرض الواقع وهي الخطوة اللازمة لنمو أي حملة واستمرارها، حيث استثمر المنظمون الصدى الجيد الذي حققته الحملة على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي في دعوة الناس إلى فاعلية مجمعة، فكانت نقطة انطلاق جديدة فحددوا الوقت والمكان ووسائل التواصل مع المنظمين وكيفية المشاركة في الفاعلية عن طريق حسابات الحملة الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا إلى جانب العديد من الفاعليات الأخرى على مدار الحملة لدعم المعلمين والطلبة الذين قاطعوا الامتحان.


مواقع التواصل
وخلال مدة الحملة القصيرة نسبياً، استفاد المنظمون أقصى استفادة ممكنة من الأدوات التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي، مثل إعادة تداول الأخبار والمعلومات والحقائق عبر إعادة النشر على موقعي الفيس بوك وتويتر (شير وريتويت)، وأصبح كل حساب شخصي للمشاركين في الحملة يعيد نشر الروابط والحقائق وتفاصيل الفاعليات من بعضهم البعض وذلك يعطي زخماً ويعطي فرصة أكبر للنقاش حول القضية.

ومن المميّزات التي تقدمها أدوات التواصل الحديثة ميزة التعليق الشخصي على المعلومات التي يتم تشاركها، فعندما أصدر منظمو الحملة بيانات تحمل الحقائق القانونية والمعلومات اللازمة للأهالي لمعرفة كيفية سحب أطفالهم من الامتحان، جرت مشاركة هذه المعلومات من أولياء الأمور مصحوبة بتعليقاتهم عن تجاربهم مع الأمر وردة فعل المدرسة ورأيهم الشخصي في ما واجهوه.

تتيح هذه الوسائل أيضاً ميزة غير موجودة في الوسائل التقليدية لإدارة الحملات، وهي تعميق أواصر العلاقات بين داعمي الحملة، فإذا تداول المشاركون آراءهم وتجاربهم الخاصة، كما ذكرنا سابقاً، فإن هذا يضفي طابعاً غير رسمي على شكل التعامل، وهو ما يصعب إيجاده سريعاً في حالة اعتماد الحملة على المنشورات الورقية والبوسترات والمسيرات فقط، وقد حدث أثناء الحملة بالفعل أن امتنع 40 معلماً في مدرسة "ماريا سوسيدو" عن مراقبة امتحان، وسرعان ما تم دعم هؤلاء المعلمين في وجه الإجراءات التعسفية ضدهم من قبل الإدارة عبر الحسابات الالكترونية للمشاركين في الحملة، وتم تنظيم لقاء للغرض ذاته، فكان له أثر كبير في نفسية المشاركين.

إعلام المواطن
كما يعد إعلام المواطن أحد أبرز نقاط القوة في طفرة وسائل التواصل الحديثة التي نشهدها الآن، وقد استفادت الحملة جداً من هذه النقطة، فكانت حسابات المشاركين في فاعليات الحملة مصدراً مهمّاً وسريعاً لتناقل الأخبار، وأصبحت الأخبار الصغيرة المتناثرة على هذه الحسابات هي التغطية الرئيسية للحملة تنافس بها وسائل الإعلام التقليدية.

استثمرت الحملة أيضاً بعض التكتيكات الالكترونية مثل نشر عريضة الكترونية يستطيع الداعمون توقيعها لإيقاف الامتحان واستخدام الوسم أو الهاشتاج بكثرة على موقع تويتر ليحقق موقعاً متقدماً من حيث كثرة الاستخدام على الموقع، فتم إطلاق آلاف التغريدات في يوم واحد لدعم الحملة.

اختتمت الحملة نشاطها وقد حققت نجاحاً كبيراً، حيث قام حوالي 2000 طالب بمقاطعة الامتحان، وفهم آلاف آخرون معلومات أكثر عن الامتحانات القياسية، وجرت دعوة جميع المشاركين لحفل ختامي لتقدير جهودهم وعملهم الشاق، فقد نص البيان الصحافي للمنظمة من أجل إعلان إطلاق الحملة أن مهمة المنظمة "هي توعية الأهالي بحقوقهم وقدرتهم على مقاطعة الامتحان"، وهذا ما حققوه بالضبط.

________
ترجمة لبحث قامت به الباحثة في جامعة لانكستر البريطانية Dar Fieberg

اقرأ أيضا:
إدماج الأهل في التعليم.. السهل الممتنع

هل ينجح أولياء أمور مصر في تمردهم؟
كابوس الثانوية العامة.. وداعا
لماذا يفشل طلبة المغرب في البكالوريا؟
المساهمون