ادرس كما تشاء ولن تجد عملا!

27 أكتوبر 2015
مخرجات الجامعات لا تتفق واحتياجات سوق العمل (Getty)
+ الخط -
تحتاج المناهج التعليمية المغربية، على غرار باقي الدول العربية، إلى تطوير يواكب انفتاحها على مختلف القطاعات الاقتصادية لضمان إدماج حقيقي لخريجي الجامعات والمعاهد والمدارس، خاصة أمام اتساع الفجوة بسرعة كبيرة بين تلك المناهج والقدرات والكفاءات اللازمة للانخراط في سوق الشغل وتلبية حاجياته. 

وبالرغم من وضع برامج رسمية لتحديد الحاجيات الآنية والمستقبلية، فإن مشكل عدم ملاءمة الشهادات لسوق العمل، بقي عالقا إلى أجل غير مسمى، في انتظار تسليح الخريجين بكفاءات ومهارات مهنية عالية لخلق "المقاول الناجح" القادر على رفع نسبة المردودية البشرية في ميدان تخصصه. 

اتباع لا ابداع
تغيّب اختلالات البرامج التعليمية بالمغرب، إمكانية تحديد السياقات التعليمية لتحقيق رهانات الفعالية والمردودية، في غياب بوصلة ومؤشر الخيارات الإستراتيجية الكفيلة بدعم تنزيل الممارسة التربوية على أرض الواقع، عبر ربط المؤسسات التعليمية بحاجيات سوق الشغل، في ظل الفجوة بينهما. 

ويعدد الأستاذ الجامعي محمد المقدم، أسبابا مختلفة للفجوة، مؤكدا أن أغلب الأنظمة السياسية العربية، تسعى إلى إنتاج وإعادة إنتاج إنسان يفتقد القدرة على النقد والتفكير المستقل داخل مجتمعه، الذي يبدو فيه مسلوب الإرادة، ينشد الاتباع لا الإبداع، لأن حكامه وأنظمته تابعة وغير مستقلة في قراراتها السياسية. 

ويضيف أن النظام التعليمي ومناهجه، يبقى في المغرب وغالبية الدول العربية، مجرد "آلية تسمح بدمج الفرد في الجماعة بطرق قد تختلف، أو تبرير ممارسات سياسية للماسكين بزمام الحكم، أو تشويه وقلب الواقع العربي بخلفيات سياسية"، ما يجعله "تابعا" إلى الحكام الذين يأتمرون بأوامر صندوق النقد الدولي، قبل أي تفكير في ملاءمته مع سوق الشغل. 

أقرأ أيضاً:جامعات المغرب العربي.. نمطية تعليم وتخريج عاطلين


تعطل الرهان 
يرتبط تعطل رهان الفعل التربوي المنتج، بشروط تدفع في كثير الأحيان، إلى التشاؤم من الآفاق المستقبلية للمدرسة المغربية لاسيما العمومية منها، ذلك أن "المناهج التعليمية ليست مجرد مبادئ أو توجيهات أو خطوط عريضة تؤطر العملية التربوية، بل أدوات تمزج بين ما هو نظري والمهارات التطبيقية التي هي أساس التعلم" يقول بوجعة كرمون، أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي في مكناس. 

ويزيد مفسرا "المنهاج الدراسي يفترض أن يكون تشخيصا لحالة كل متعلم من حيث سلوكه العقلي والوجداني والعاطفي والنفسي، ودرجة إدراكه، فضلا عن مهاراته في القراءة والتحليل والاستنتاج وغيرها من القدرات المهارية التي قد تكتسب، وتحديد الصعوبات التي تتطلب منه بذل مجهودات أو تفاعلات معينة في وضعيات مختلفة". 

لكن ذلك يبقى مجرد حلم تبخر أمام عدم اعتماد سياسة حقيقية لرصد معوقات التربية في علاقتها بسوق الشغل، يعنيها اكتساب قدرات علمية تؤهل المتعلم للانخراط في القطاع الإنتاجي والتمكن من آليات الإبداع والتفكير الحر، طالما أن هذه المنظومة التربوية تبقى في عمقها مجرد "نتاج مسار طويل من التجريب والاختبار وسيرورة من التقدم والتعثر والتوعك". 

زاد البطالة 
يرى إدريس تهال، الباحث في علم الاجتماع، أن معظم خريجي المدارس لاسيما العمومية منها، يجدون صعوبة كبيرة في ولوج سوق الشغل، في غياب أي مبادرة تراعي ميولاتهم وتوجهاتهم في دراستهم، ما يجعلهم يبحثون عن فرص للعمل كيفما كان بغية طرد شبح البطالة والبحث عن موارد مالية للعيش. 

وولد هذا الوضع، جيوشا كبيرة من العاطلين من العمل بشهادات جامعية عالية، ممن يتحولون إلى زاد يغذي سوق البطالة بالمغرب، بمن فيهم حاملو شهادات الليسانس والماستر والدكتوراه ممن ألفت العاصمة المغربية الرباط، احتجاجاتهم اليومية للمطالبة بشغل غالبا ما يكون في حالة إيجاده، بعيدا عن تخصصاتهم العلمية. 

ويؤكد تهال أن تطوير المنهاج التربوي، ضروري ويجب أن يراعي مهارات وقدرات التلاميذ والطلاب للتسلح بمختلف آليات مواجهة عدم الاعتراف بتلك المهارات، وميولات الخريجين، مبرزا أن الاحتكاك والاستكشاف الذاتي للمعلومة والتعامل مع الأشياء، سبيل أنجح لإثبات المهارة دون الحصول على الشهادة. وحجته عشرات المهنيين في حرف تقليدية، برعوا في مجالات تخصصهم دون أي دراسة أو تكوين. 

اقرأ أيضا:ماليزيا وتركيا.. قبلة الطلبة العرب بعد فشل الثورات

صورة نمطية 
تبدو الجامعة المغربية أقل تنافسية في مجال إعداد الطلاب لممارسة المهن المختلفة، مقارنة مع القطاع الخاص الذي يشكل وجهة الراغبين في تكوين جيد يؤهلهم لولوج مناصب تتطلب مهارات ومؤهلات رفيعة، متحملين وأسرهم تكاليف الدراسة الباهظة خاصة في الجامعة الأورومتوسطية بفاس وجامعة الأخوين بإفران. 

وفي ظل اختلال التوازن بين إمكانات الجامعات العمومية والخاصة، احتد التنافس لتخريج كفاءات منتجة قادرة على الإسهام في التنمية وزيادة الإنتاجية واستيعاب مستجدات العلوم والتقنيات الحديثة، لمحو الصورة النمطية الملتصقة بجامعات عريقة، اختصت في "تخريج" العاطلين دون آفاق مستقبلية لتشغيلهم. 

وما زال خريجو الجامعات والمؤسسات التعليمية العمومية، خارج سوق العمل، يبدعون أشكالا مختلفة للاحتجاج في العاصمة الرباط أملا في شغل مولود من رحم غضبهم، بعدما وجدوا أنفسهم خارج ما يحتاج له هذا السوق من مهارات لا تتوفر في طلاب تخصصات إنسانية وأدبية ونظرية "لا تغني ولا تسمن من جوع". 

ارتباط ملغوم 
يرى بوجمعة كرمون أن البرامج التعليمية "موغلة في النظري، ولا تحقق الانسجام المطلوب مع سوق الشغل"، ما عزاه إلى كيفية تعاطي الدولة مع المؤسسات التعليمية والطاقات البشرية غير المتعلمة، التي تتوفر على حس كبير في التفنن والإبداع ينبغي استثماره في الحقلين الاقتصادي والاجتماعي وغيرهما. 

ومقابل ذلك يرى زميله محمد المقدم أن عدم الاعتراف بالمهارات الذاتية للشخص، نتيجة لعدم استقلالية النظام السياسي والتعليمي، لأن "التأشير الرسمي على إبداعات الشباب، يصطدم بارتباط ملغوم بين المسؤولين والمؤسسات الاقتصادية الغربية، ما يجعل توجيه الباحث المبدع، إلى شركات أجنبية أقرب من استثمار قدراته وطنيا". 
وتبقى السبل التي تسمح بإثبات تلك المهارات، بنظره، "حلولا فردية لا مؤسساتية"، إذ "يمكن للمبدع أن يتصل بمؤسسات حرة وطنية إن وجدت، أو متعددة الجنسيات، فإن لم يجد فمراكز البحث والإبداع الأجنبية تحتاج إلى الطاقات الشابة خاصة في ظل شيخوخة الموارد البشرية بهذه المراكز البحثية". 
جهود رسمية 

انخرط المغرب منذ مدة في مبادرات مهمة لتعزيز فرص الشغل من خلال الملاءمة بين الكفاءات المهنية وأنظمة التعليم لاسيما العالي منه، مع حاجيات سوق العمل، والزيادة في إمكانات الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، وضمان لعب الجامعة والمعاهد، دورهما في إعداد الكفاءات والأطر في المهن المختلفة التي يحتاج لها المجتمع والمؤسسات الاقتصادية. 

وأكدت فايزة السباعي، نائبة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في مدينة فاس، أن الإطار العام للبرامج التعليمية السائرة في مجال ملاءمة "ما يدرس نظريا بالمطلوب فعليا"، "لم يكتمل بعد"، مستدركة "لكن تم إحداث شعب توجيهية جديدة تفي بالحاجة إلى تكوينات دقيقة للتلاميذ والطلاب في مختلف المهن والوظائف، مطلوبة في سوق الشغل". 
ومن بين مثل هذه المبادرات، الليسانس والبكالوريا "المهنية" اللتان تتيحان لتلاميذهما تكوينا تطبيقيا في المهن التي اختاروها، و"البكالوريا الدولية" التي ستعود بتلاميذها إلى عهد سابق في تدريس مواد علوم الحياة والأرض والعلوم الفيزيائية والرياضيات، باللغة الفرنسية، بتنسيق مع المعاهد الثقافية الفرنسية بالمغرب. 

تحديد الأدوار 
يرى محمد دالي مدير أكاديمية التربية والتكوين بجهة فاس وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن الارتقاء بمهن التربية والتكوين، رهين بالرفع من جودة أداء الفاعلين والممارسين في المجال، مؤكدا أن إصلاح المدرسة المغربية يفرض إعادة تحديد أدوارها ومهامها المرتبطة بسوق الشغل. 

وأبرز أن هذه الرؤية المستقبلية ذات المدى البعيد، وضعت "اقتراحات تهم مداخل للإصلاح، تتمثل أساسا في جعل التكوين الأساسي إلزاميا ومهنيا، حسب خصوصيات كل مهنة، وإرساء تكوين وتأهيل مدى الحياة المهنية، ونهج حكامة جيدة في تدبير المسار المهني"، مع الحفز المادي والمعنوي للفاعلين وضمان إشراف مؤسسات قائمة الذات، على عملية التقييم. 
ولإنجاح هذه المبادرة، يقترح تحديدا دقيقا للمهام الموكولة إلى الهيئات المشرفة، وإرساء إطار مرجعي لكيفية اكتساب المهارات التي يتطلبها إنجاز مختلف المهام وتحديد المواصفات العامة والنوعية واعتماد مدة زمنية تتلاءم وطبيعة المهام المطلوبة لتكوين قبلي يهيئ لمزاولة المهنة بشكل يجعل الحصول عليه، مقوما إلزاميا

اقرأ أيضا:هكذا هربنا من جامعاتنا العربية


المساهمون