عمال صالونات "الكوافير" التونسية: 12 ساعة وقوفاً ومعاملة لاإنسانية

28 يوليو 2016
مهنة الحلاقة شاقة في تونس (مارتن بورو/ فرانس برس)
+ الخط -
يشغّل قطاع الحلاقة في تونس الآلاف من الأيدي العاملة المتخصصة وغير المتخصصة. ورغم قوننة هذا القطاع وفق كراس شروط أصدر بقرار من وزير التجارة والصناعات التقليدية في 27 إبريل/ نيسان 2009، إلا أنه لا يزال يعتبر، وفق شهادات العاملين فيه، هشاً من حيث مقومات العمل والتغطية الاجتماعية والضمانات المالية، خصوصاً للعاملات في الصالونات.
 
تقول عواطف إنها كانت تعمل في محل حلاقة في أحد الأحياء الشعبية بتونس العاصمة، كما عملت في القطاع لأكثر من عشرة أعوام في مجموعة صالونات حلاقة وتجميل، من دون أي ضمانات قانونية أو تغطية اجتماعية وبأجر يومي لا يتجاوز 15 ديناراً تونسياً،
مقابل أكثر من 12 ساعة من العمل الشاق، ووفق معادلة تزيد فيها الأجرة أحياناً ببعض الدينارات شهرياً، هذا عدا المعاملة غير الإنسانية وتجرّؤ أصحاب المحلات على إهانة العاملات أمام الزبائن.

وتعتبر عواطف أن العمل كأجير وبصيغة غير قانونية وبلا أي ضمان للحقوق المادية والاجتماعية على غرار العقود والعطل والامتيازات المهنية والترقية، كلها أسباب تدفع بمئات العاملين في القطاع إما إلى مغادرته أو للانتقال إلى العمل لحسابهم الخاص ولو بأبسط الوسائل والتجهيزات، وعبر تشغيل يد عاملة غير متخصصة.

ويشرح محمد، العامل في صالون حلاقة وتجميل للنساء، أنه انطلق بمشواره المهني مع أكبر الصالونات الموجودة بالبلاد، ورغم ذلك تعرض للاستغلال المادي والمعنوي من قبل صاحب المحل، وقد عمل بأجرة يومية لم تتجاوز 10 دينارات تونسية وبعدد ساعات عمل تبدأ من العاشرة صباحاً حتى حدود العاشرة ليلاً. مضيفاً في الوقت نفسه أن صاحب المحل كان يتقاسم معه المكافآت التي يمنحها إياه زبائن الصالون.
بفعل ذلك، أسس محمد اليوم مشروعه الخاص ويشغل معه 4 عاملات متخصصات بعقود عمل قانونية وامتيازات شغلية، وفق ما ينص عليه كراس الشروط الوظيفي الخاصة بقطاع الحلاقة.
أمام ما يعانيه الحلاق أو الحلاقة من مشاكل في ممارسة المهنة في تونس، فيقول رئيس الغرفة الجهوية للحلاقة بمحافظة قابس، فتحي السبوعي، إن الحلاق أو العامل بمجال الحلاقة والتجميل، سواء كان من أبناء الاختصاص أو غيره يعاني من مشاكل انعدام الإطار القانوني والتنظيمي للقطاع.

إذ لا يتمتع الحلاق، وفق ما ينص عليه كراس الشروط، بالحق في تملّك الأصل التجاري للصالون في حال أراد فتح صالون خاص به، حتى ولو بقي يعمل فيه أكثر من 40 سنة، ما يمنح صاحب المحل حق استرجاع محله في كل لحظة وفي ظرف 15 يوماً بمجرد رفع دعوى قضائية استعجالية لاسترداد المحل.

وبرغم أن العاملين والعاملات في القطاع يحملن على عاتقهن مسؤوليات عائلية، إلا أنهن يعانين من ضعف المدخول ومن المنافسة الشديدة من قبل الدخلاء على القطاع، الذين يعدون بالمئات. كما يعانين من غياب التغطية الاجتماعية، ما جعل الحلاقين يطالبون في مناسبات عديدة بتعديل كراس الشروط لتضمينه الحق في التغطية الاجتماعية.

وبرغم أن الحلاقة تعد من المهن الشاقة حيث يمتد دوام العمل وقوفاً لأكثر من عشر ساعات يومياً، مقابل يوم واحد للراحة الأسبوعية، ورغم ذلك فإن سن التقاعد حدّد بـ65 سنة
مقابل دفع متوجبات وضريبة على الدخل تقدر بـ126 ديناراً كل فصل طيلة 40 سنة، للتمتع بمعاش تقاعدي قدره 120 ديناراً شهرياً، ما يعتبره الحلاق أقصى درجات الاستغلال المادي.
ورغم مساعي الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، إلا أن مشاكل الاستغلال المادي والمعنوي ما زالت متفاقمة، يعززها ضعف أو بالأحرى غياب الأرضية القانونية والتشريعية الضامنة لحقوق العاملين بالقطاع، سواء من أصحاب المحلات الذين يعانون مشاكل في تمويل مشاريعهم بسبب فرض تمويل ذاتي يقدر بـ30% من رأس مال المشروع، ما يجعل الانتقال للملك الخاص في مجال الحلاقة أمراً صعباً.

ويقول الخبير الاقتصادي معز الجودي، لـ"العربي الجديد"، إن قطاع الحلاقة في تونس قطاع هش، وإن الضمانات الاجتماعية والمالية فيه تكاد تكون غائبة، على اعتبار أن التعامل مع كراس الشروط مسألة شكلية لا تخضع للمراقبة القانونية.
ويشدّد الجودي على أن مئات محال الحلاقة غير القانونية وغير الخاضعة لكراس الشروط تشغّل مئات الحلاقين والمساعدين دون ضمانات وعقود قانونية، ما يجعل من العلاقة المهنية في ما بينهم هشة مادياً واجتماعياً، ليتعمق الاستغلال وتتفشى المعاملة السيئة بين صاحب الصالون والعامل.

وعلى الرغم من أهميته الوطنية واكتساحه المجال العالمي بخبرة الكفاءات النسائية والرجالية
حيث تتوزع العمالة فيه بين 75 في المئة من النساء و25 في المئة من الرجال، وفق إحصاءات الغرفة الوطنية للحلاقة، لا يزال القطاع يشكو من حالة فوضى ومشاكل في صفوف العاملين فيه غير المتمتعين بأي تغطية اجتماعية أو وضعية مهنية قانونية، وذلك باستثناء بعض صالونات الحلاقة الشهيرة والقليلة العدد.

ويوضح نائب رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية خليل الغرياني، أن قطاع الحلاقة يشكو كغيره من القطاعات من بعض النقائص والتجاوزات، وأن أصحاب الصالونات يعانون من مشاكل التمويل والاستمرارية في ظل المنافسة الشديدة من أصحاب الصالونات غير القانونيين، الذين يضاربون عبر خفض الأسعار وتشغيل يد عاملة غير متخصصة بأجر زهيد وأيضاً عبر محلات غير جاهزة وغير خاضعة لمقاييس السلامة والجودة المنصوص عليها في كراس الشروط.
المساهمون