الأزمات التونسية لم تكبح طموح الأشخاص ذوي الإعاقة

18 ابريل 2016
ذكرى الثورة التونسية التي رفعت مطلب العدالة الاجتماعية (الأناضول)
+ الخط -
مصطفى التبري، شاب من تونس العاصمة، تعرض لإصابة خطيرة إثر حادث مروري في سن مبكرة، أجبر على ملازمة الكرسي المتحرك مدى الحياة. على نقيض القصص النمطية، أصرّ هذا الشاب بعد تحسن وضعه الصحيّ، على العودة إلى مقاعد الدراسة، لم يكتف بشهادة الثانوية، بل نال شهادة هندسة الميكانيك وتكنولوجيا السيارات. يصف هذا الأخير رحلته الدراسية قائلاً: "كنت أشعر بالضيق من نظرات الشفقة كلما أدخل الفصل، ومرت بي لحظات من اليأس نتيجة الصعوبات التي واجهتها في التنقل أو السكن أو خوض بعض الامتحانات العملية. لكنّ الدعم العائلي ومواقف الأصدقاء، وإصراري على مواصلة الحياة بشكل طبيعي، مكنني من اجتياز المرحلة الصعبة".
بعد التخرج، لم يسع التبري للحصول على بطاقة "شخص معوق" تضمن له معونة شهرية زهيدة، بل واصل مسيرته عبر إطلاق مشروعه الخاص، وفتح ورشة للتشخيص الإلكتروني للسيارات. ويضيف: "لم أهتم بالبيروقراطية التي كادت تجهض حلمي، ولم أهتم بتشكيك المسؤولين في مكاتب التشغيل وبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة بقدرتي على النجاح، إلى أن تمكنت في نهاية المطاف من الحصول على قرض، مكنني من افتتاح مشروعي الخاص". اليوم، توفر الورشة لمصطفى التبري استقلاله المادي عن عائلته التي أعانته كثيراً خلال السنوات الأولى بعد تعرضه للحادث، وتحولت مؤسسته الصغيرة إلى مورد رزق لثلاثة شبان آخرين أنقذهم إصرار هذا الأخير على النجاة من البطالة.
بين عجز الدولة وتقصيرها، وحالة الانكماش الاقتصادي، ونظرة الشفقة التي يغدق بها المجتمع عليهم، يتحول واقع الأشخاص من ذوي الإعاقة إلى ما يشبه الاحتضار البطيء. لكن قلة من هؤلاء، استطاعت كسر هذا الواقع وأخذت بزمام المبادرة لتجعل من الإعاقة محفّزاً نحو تحدي الواقع المحبط، وخلق نجاحات اقتصادية ومهنية.
يصّر منير البريكي، الناشط في جمعية أمل للإحاطة الاقتصادية والاجتماعية بذوي الاحتياجات الخاصة، على أنّ المجتمع ما يزال يرى ذوي الإعاقة أشخاصا عاجزين، رغم أنّ هذه الفئة تمثل وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية ما يناهز 2% من سكّان البلاد، أي ما يقارب مئتي ألف تونسي وتونسية.


ويقول: "أعطت هذه الشريحة من المواطنين المثال لكثير من التونسيين على مستوى النجاحات التي حققوها سواء في المجال الثقافيّ أو الرياضيّ، وخصوصاً على الصعيد المهني والاقتصادي. ففي هذا الجو من الإحباط الاقتصادي، استطاع الأشخاص ذوو الإعاقة أن يظهروا قدرتهم لا على العمل فحسب، بل على توفير فرص عمل للآخرين".
مروة خطت الطريق نفسه الذي اختاره مصطفى التبري في النجاح وإن اختلفت التفاصيل. هذه الشابة التي وُلدت صماء وبكماء، لم تستسلم للواقع، حيث انخرطت في سن الخامسة عشر للتدرب في معهد خاص بتنمية مهارات الأشخاص ذوي الإعاقة، واختارت تعلم الخياطة والتطريز على القماش لتفتتح بعد سنوات ورشتها الخاصة وصالونها لتأجير فساتين الزفاف. تواصل محدثتنا عن طريق إحدى الفتيات التي تعمل معها لتروي نجاحها في مسيرتها المهنية، فتشدد على أن الدولة تقصّر في تأمين تكافؤ الفرص للأشخاص ذوي الإعاقة، فبعد مرحلة التدريب المجانية، لا تتواصل المرافقة والدعم، ويصطدم المتدرب بعوائق وممارسات إدارية تتعارض مع القوانين المسنونة والدعاية الرسمية التي تروج لها اللجنّة التي توفرها الدولة لهذه الشريحة الاجتماعية. وتضيف مروة: "استطعت فتح مشروعي بمساعدة والدتي، التي اقترضت من الجميع كي تمنحني أملاً جديداً في الحياة، وفي المقابل عملت جاهدة كي لا أخيب ثقة أهلي".يقول الباحث الاجتماعي التونسي ناصف العمدوني لـ "العربي الجديد": "بات من الضروري مراجعة مجالات العمل، لإدراج إجبارية تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، وإرساء منظومة معلومات وطنية تضمن النفاذ الى المؤشرات، وتتيح وضع برنامج عمل لإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في مجالي التكوين المهني والتشغيل". ويشير العمدوني إلى أن الإحصاءات عن هذه الشريحة غير دقيقة، حيث لا تعترف الدولة سوى بالمسجلين لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، والبالغ عددهم تقريباً 210 آلاف مواطن، في حين يسقط من حسابات الدولة عشرات الآلاف في المناطق الداخلية للبلاد، والذين تزداد معاناتهم نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، وغياب أي حضور لمؤسسات الدولة لدعمهم وفق أسس تكافؤ الفرص.
وحول دعم الدولة للأشخاص ذوي الإعاقة، يقول العمدوني إن الدستور التونسي نص في الفصل 39 على أن تحمي الدولة ذوي الإعاقة من أي شكل من أشكال التمييز. ورغم وضوح النص، إلا أن معدل البطالة في هذه الشريحة يتجاوز 70%. 
ورغم نص القانون على ضرورة إدماجهم في الوظيفة العمومية، إلا أن نسبة الأشخاص من ذوي الإعاقة المنتدبين في القطاع العام ما بين عامي 2012 و2015 لم تتجاوز 2.9% من العدد الإجمالي للموظفين.

المساهمون