افتتاح السويس يرعاه لصوص

05 اغسطس 2015
أحمد عز رمز عصر الفساد أثناء حكم مبارك يعود
+ الخط -
رغم اختلاف التقييمات الاقتصادية لمشروع توسيع قناة السويس، فإن الدعاية الواسعة للمشروع تكشف العديد من زوايا السياسات الاقتصادية وطبيعة البناء السياسي للحكم. المشروع ذاته بالطبع يحتاج نقاشاً مستفيضاً، لكن ثمة مظاهر بسيطة تكشف لنا طبيعة البناء السياسي الاقتصادي وحلفاءه بعد الثورة، منها مساهمة ورعاية رجال أعمال الرئيس المخلوع حسني مبارك في حفل الافتتاح. ولعل هذه الرعاية المزعومة تفتح لنا الباب لتلمس الخيط الواصل والجامع لبلدان الثورات والانتفاضات العربية.

أسباب الثورة ذاتها متشابهة في الدول العربية، احتلت فيها الأوضاع الاقتصادية البائسة عاملاً أساسياً للتمرد. الأزمة الاقتصادية اعتبرها الثوريون مربط الفرس. فهي الركن الأساس وسبب خروج الملايين للشارع، وبالتالي يجب أن يكون التغيير شاملا تغيير الوضع الاقتصادي. أو بالأحرى، التغيير بالأساس جوهره التغيير الاقتصادي. أما أعداء الثورة، فينكرون الأزمة فيما مضى، ويعتبرونها وليدة ونتاجاً مباشراً لاندلاع الثورة التي تسمي لديهم انتكاسة أو فوضى مدبرة لإسقاط النظم. فالثورات في وجهة نظرهم، أدت لتدهور أحوال البلدان العربية اقتصادياً، ونشرت العنف والفوضى والتخلف.

المؤسف أن الثورة المضادة وقواها عادت بأشكال مختلفة. لم تعد للحكم بشكل كامل أو بنفس صورتها القديمة، لكن تلك القوى تزحف خطوة بعد الأخرى، مستفيدة من بؤس وتخلخل أوضاع قوى الثورة.

الفساد والنهب وإهدار المال العام الذي كان سمة غالبة في الدول العربية، عاد الآن ولكن بثقة أكبر في الوجود والتمظهر السياسي في دوائر السلطة. عادت قوى الاستغلال والفساد والاستبداد، وتقوم الآن بتسوية ملفات فسادها. لا اختلاف كبير في مضمون عمليات التسوية في البلدان العربية. نظم الحكم الآن ومن كانوا يحكمون فعلياً قبل عام الثورات يخلقون شبكة مصالح اقتصادية واحدة... ففي تونس تحضر السلطة لإقرار قانون التصالح مع رجال الديكتاتور بن علي. يركز القانون التونسي على التصالح في قضايا نهب الأموال والثروات. في مصر نفس الحالة تقريباً، تحت مسمى آخر وهو قانون الكسب غير المشروع، والذي يسعى لإنهاء المحاكمات التي تتم مع رموز فساد عصر مبارك فيما يعرف بالتصالح أيضاً.

أما في ليبيا، وتحت وقع التحارب الأهلي يتم التحضير لقانون مشابه يعفي مسؤولي نظام القذافي من العقاب. التصالح مع الفساد واندماج الفاسدين وناهبي ثروات الشعب، هو عنوان مشترك وهدف واضح لنظم أتت نتاج إخفاق وضعف قوى الثورة. تلك القوى التي انشغلت عن الاقتصاد ومحاسبة من ارتكب الجرائم في حقها من الفاسدين.

تنتهك النظم الحاكمة حق الشعب في المحاسبة، يستخدم سيف القانون لكسر الحق في الحساب والتقاضي. ليس أدل على ذلك أكثر من مشهد الاحتفال بما اصطلح تسميته قناة السويس الجديدة، حيث خرجت الأخبار تنقل لنا صورة رجال الأعمال المصريين يرعون حفل الافتتاح. كان على رأس الرعاة كيانات اقتصادية بنيت في عصر مبارك بفضل سياسات نهب أطلق عليها مصطلح امتيازات. وعبر تلك الامتيازات تمت عمليات نهب واسعة للأراضي والثروات بل وأموال المصارف.

اليوم تسطع الكيانات الاقتصادية لمجرمين فاسدين كواجهة للاحتفال بالمشروع الملاحي. تقف مجموعات طلعت مصطفى إلى جانب مجموعات أمين التنظيم السابق لحزب مبارك، أحمد عز، لدعم احتفال المشروع الملاحي.

أحمد عز، رمز عصر الفساد أثناء حكم مبارك يعود اليوم إلى نفس الصفوف التي كان في مقدمتها قبل الثورة. عز الذي دفع كفالة الخروج من السجن والبراءة بالتقسيط رغم نهبه المليارات، يمن اليوم على الدولة بما يجود به جيب الحاوي مما نهب في السابق.

منطق اللصوص وسلطتهم تتلخص في قول المناضل الفلسطيني غسان كنفاني: "يسرقون رغيفك، ثم يعطونك منه كسرة، ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم، يا لوقاحتهم!". أما منطق النظم فلا يتلخص بمقولات التسامح أو العفو أو التصالح كما جاء بمشروعات القوانين الثلاث، ولكنه يتلخص في رسالة بسيطة مفادها أن المتصالح والمعفي عنهم ليسوا مجرمين، وإنما شركاء، وأعمدة نظم تخلخلت ولكنها لم تسقط بعد.
(باحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية)
المساهمون