من الطوارىء إلى البراميل

22 يوليو 2015
البراميل المتفجرة في سورية تأتي على البشر والحجر (Getty)
+ الخط -
لطالما اقترن مفهوم الاقتصاد بمعاني البناء والعمران والتنمية، حتى بات الدافع الأساسي وراء تطور النظرية الاقتصادية يتلخص بتحقيق رفاه الإنسان وسعادته من خلال تأمين حاجياته وإشباع رغباته. وعلى صعيد السياسات الحكومية، في الدول ذات التقاليد الديمقراطية تسعى الحكومات لحشد كل موارد الدولة والمجتمع لتحقيق هدف رفاه مواطنيها في حالات السلم وتأمين سلامة مواطنيها وسيادة أراضيها في حالة الحروب بتحويل اقتصادها إلى اقتصاد الحرب. وعليه فالقاعدة العامة هي تحقيق رفاه الناس وتبقى حالات الحروب والطوارئ استثناء.

في سورية، ومع تسليم السلطة لحافظ الأسد تم تكريس حالة الطوارئ التي تعيشها البلاد منذ انقلاب البعث عام 1963 لدرجة أن كل مفاصل الحياة اليومية أصبحت حياة طوارئ ابتداءً من طابور الخبز الصباحي وصولاً إلى نشرة أخبار الثامنة مساءً. في ظل قوانين الطوارئ وخلال ثلاثين عاماً ابتلع نظام الأسد الاقتصاد السوري مستخدماً كل وسائل الترغيب والترهيب والإفساد وإباحة الرشوة وتقويض المحتوى القيمي للمجتمع. ليقضي بشكل تام على طبقة الرأسمال الوطني لصالح طبقة من الأغنياء الجدد جلهم من أبناء عسكر النظام ومن تحالف معه من مختلف البيئات والطبقات. وعبر شعارات حماية الاقتصاد الوطني والمساهمة بالمجهود الحربي وحشد كل طاقات الوطن والمجتمع لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو، تم تحويل ثروة السوريين إلى جيوب نظام الأسد وأزلامه.

الصفة الغالبة على نظام الأسد في حقبتيه كانت مسألة البيع والسمسرة، بيع كل شيء والسمسرة على كل شيء من الوطن إلى الإنسان مروراً بالمواقف. لقد بدأ حافظ الأسد مزاد البيع ببيعه الجولان مقابل كرسي سورية، لينتهي بصفقة التخلي عن لواء إسكندرون لتركيا وتسليمها عبد الله أوجلان مقابل ضمان استمراره وعائلته في الحكم. أما بشار فبدأ عهده بعملية بيع شاملة لسورية لكل من يدفع، تارة لتركيا ومرة لبعض الدول العربية وانتهاءً بإيران التي كانت تنتظر هذه الفرصة لتتمكن من كل مفاصل الدولة السورية وبالأخص الأجهزة الأمنية. أخيراً ومع تمكن الثورة السورية من عنق النظام وانعدام أي أمل له بالاستمرار لجأ لبيع أراضي سورية وأنقاضها لشركات الإعمار ووكالات مشاريع التقسيم والدويلات.

سيدخل نظام الأسد الابن التاريخ بوصفه أول من ابتكر وسائل قتل لشعبه رخيصة اقتصادياً ورخيصة أخلاقياً، مؤسساً بذلك لـ "اقتصاد البراميل ". ضمن هذا الاقتصاد يختصر النظام كل شيء بالبراميل المتفجرة بوصفها أفخر ما أنتجته عقلية الاستبداد الأسدي لتدمير أكبر قدر ممكن من عقارات سورية ومنشآتها وإحداث شروخ ديمغرافية وجغرافية قد ترسم حدود المستقبل في مشاريع التقسيم المشتهاة.
(باحث سوري)
المساهمون