الشعب التونسي يتقشف والمسؤولون "يفلتون" الحزام

10 يونيو 2015
البطالة ترتفع برغم الوعود (فرانس برس)
+ الخط -
"شدّوا الحزام"، "من واجب المواطن التقشّف في الفترة الراهنة" أو "الدولة تعاني من ضخامة كتلة الأجور"، بهذه العبارات التي طغت على الخطاب الرسميّ، يحاول المسؤولون إقناع الناس بحجم معاناة الدولة نتيجة تضخّم النفقات على الأجور التي "تستنزف موارد الدولة وتعمّق عجز الموازنات العموميّة" بحسب تعبيرهم. لكن هؤلاء المسؤولين أنفسهم بدءاً من رئيس الجمهوريّة مروراً بالوزراء، فنواب الشعب "المبذّر" لم يتطرّق أحدهم إلى الميزانيات المخصّصة لهم مقارنة بمرتّبات مواطنيهم.


تقول الخبيرة الماليّة، نجوى الهمّامي، لـ "العربي الجديد"، إنّ ميزانيّة رئاسة الجمهورية التونسية بلغت سنة 2015 ما يقارب 40 مليون دولار، في حين يبلغ راتب رئيس الجمهوريّة 14 ألف دولار شهرياً، دون احتساب المنح والامتيازات. وتضيف، أنّ بقيّة مصاريف الرئاسة تتوزّع بين موظّفي القصر والعناصر الأمنيّة ونفقات التصرّف والتنقّل وغيرها. لكنّ ما يثير الاستهجان بحسب الهمامي هو حجم الامتيازات التي يحظى بها الرئيس حتّى بعد مغادرته الحكم حسب قانون سنّه بن عليّ ولم يتغيّر حتّى بعد الثورة، إذ يتمتع رئيس الجمهورية بعد انتهاء مهامه بمخصصات تعادل المنحة المخوّلة لرئيس الجمهورية المباشر، هذا بالإضافة إلى الامتيازات العينية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية المباشر كالسكن والأعوان المكلّفين خدماته ومصاريف صيانته والمصاريف المتعلقة بالهاتف والتدفئة واستهلاك الماء والغاز والكهرباء ووسائل النقل والأعوان المكلّفين السياقة والأمن. أمّا في حالة وفاة رئيس الجمهورية تتمتع قرينته الباقية على قيد الحياة بمخصصات تساوي 80% من المنحة المخوّلة لرئيس الجمهورية المباشر تضاف إليها 10% عن كل ابن قاصر.

اقرأ أيضا: حسين العباسي:تونس تعيش بوادر ثورة ثانية

لتستطرد الخبيرة الهمّامي قائلة، إنّ الوزارات بدورها تمثّل وجهاً آخر من وجوه إهدار المال العمومي، بحسب تعبيرها، حيث يحظى الوزراء وكبار الموظّفين في مختلف الوزارات بامتيازات من ضمنها الراتب الذّي يناهز بالنسبة للوزير الواحد 2200 دولار شهرياً، و1800 دولار بالنسبة لكاتب الدولة، كما يتمتّع كلاهما بسيارتين، الأولى إدارية والثانية لأغراض شخصية. هذا علاوة على مصاريف الأمن وتذاكر السفر والاتصالات المجانيّة.


وتضيف، أنّ جهاز مراقبة المصاريف العموميّة كشف، خلال السنة الماضية، عن حجم تكاليف استغلال السيارات الإدارية، وخصوصاً السيّارات ذات استعمال مزدوج تمنح بصفة استثنائيّة للاستعمالات الشخصيّة للوزراء وكبار الموظّفين، حيث تستهلك هذه السيّارات حوالي 50 مليون دينار لتعبئة البنزين فقط.

مجلس نوّاب الشعب لم يكن بدوره استثناء، حيث بلغت ميزانيّة السلطة التشريعيّة لسنة 2015 ما يناهز 15 مليون دولار، من ضمنها 4.5 ملايين دولار مخصّصة لنفقات التصرّف والأجور المخصّصة للنواب الذّين يتقاضون شهرياً 1200 دولار. في حين يتضاعف الراتب بالنسبة لرئيس المجلس ونائبيه. امتيازات النواب لا تتوقّف عند الأجر في بلد لا يتجاوز فيه الأجر الأدنى 150 دولاراً ليصل إلى 400 دولار، إذ يتمتّع النوّاب بمجانية استعمال وسائل النقل، كما يحظون بـ 30% من مخصّصاتهم الشهريّة حتى بعد انتهاء المدّة النيابيّة.

اقرأ أيضا: البوعزيزيون...مهمشو تونس ينتحرون والفقر يخنق الأحياء

في هذا السياق، يعلّق النقابيّ، منجي بوذينة، على الموضوع ساخراً من دعوات المسؤولين الحكوميّين إلى التقشّف قائلاً: "إنّ المواطن صار بلا حزام حتّى يشدّه، في حين يتمتّع هؤلاء بامتيازات ورواتب خياليّة بالنسبة لمستوى المعيشة للتونسيّ العاديّ، ويضيف السيّد منجي، أنّه في الوقت الذّي ترتفع فيه التحذيرات الحكوميّة من تواصل العجز وتدهور الوضع الاقتصاديّ وتفاقم المصاريف العموميّة وعجز الدولة عن الإيفاء بتعهّداتها ومخصّصات الإنفاق، فإنّ أجر رئيس الجمهوريّة يبلغ 90 مرّة، تقريباً، ضعف متوسّط مستوى الأجور في تونس، "فمن عليه أن يبدأ في التقشّف؟".
دلالات
المساهمون