ضريبة الفول: هدية النظام المصري لآكلي "الفراخ"

27 مايو 2015
تلويح بفرض ضرائب على الفول والطعمية (Getty)
+ الخط -
"همّا بياكلوا حمام وفراخ، واحنا الفول دوّخنا وداخ"، حتى هذه المعادلة الغذائية التي طرحها الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم في قصيدته "هما مين واحنا مين"، لم تعد واردة في مصر، في ظل التلويح بفرض ضريبة ستطاول محال الفول وسترفع من سعر هذا الطبق، لتتراجع معه "دوخة" الشبع لدى الفقراء. إلا أن الشرخ الاجتماعي بين "همّ" و"نحن" يبقى ويزدهر، إذ إن تأجيل زيادة ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة، سيجعل من أثرياء مصر يتناولون "بدل الفرخة عشرة"!

"ضرائب الفول والطعمية"
وما بين تأجيل الضرائب الرأسمالية على البورصة، وتعديل أسس المحاسبة على المنشآت الصغيرة، التي اشتهرت في مصر باسم " ضرائب الفول والطعمية"، يعيش المواطن المصري حالة من الفقر والمعاناة.


يقول الخبير الاقتصادي رضا عيسى، إن الغاء الضرائب الرأسمالية، يؤكد استمرار النظام الاقتصادي ذاته منذ عهد مبارك. ويضيف: "على الرغم من أن المصريين كانوا في انتظار طرح رؤية مخالفة لما كان يطرحها مبارك، خاصة في ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، إلا أنهم يتلقون الصدمة تلو الأخرى باستمرار السياسات ذاتها التي كان يضعها أحمد عز وجمال مبارك قبل الثورة، بل إن الامر أصبح أسوأ مما كان عليه".

يدلل عيسى على ذلك بأنه قبل إصدار قانون الضرائب في 2005، كانت الأرباح الرأسمالية التي تحققها الشركات والناتجة من بيع وشراء الأسهم في البورصة تخضع للضرائب بنسبة 34%، مثلها مثل أي أرباح أخرى للنشاط الصناعي أو التجاري، والآن يرفض رجال الأعمال الخضوع لضريبة 10% من الأرباح، لتسايرهم الحكومة والنظام السياسي في مطالبهم بتأجيل فرض هذه الضريبة.

يشير الخبير الاقتصادي إلى أنه إذا نظرنا إلى توزيع الضرائب في مصر فسنجد أن 56% من الضرائب يدفعها العمال والموظفون، بينما تدفع ثلاث هيئات حكومية 28% من الضرائب، أي من إيرادات قناة السويس، وشركات البترول، والبنك المركزي. في الوقت الذي تحصّل الدولة 16% فقط كضرائب من الشركات التابعة للقطاع الخاص، إضافة الى القطاع شبه العام، ما يعني أن القطاع الخاص في مصر وأصحاب المليارات لا يدفعون سوى نسبة تتراوح من 10-12% من الضرائب.

يتساءل عيسى عن معنى العدالة الاجتماعية في دولة رضخت لمطالب رجال الأعمال بوقف ضرائب على البورصة، في حين تسرب خبر رفع الضريبة على المنشآت الصغيرة، بما فيها محلات الفول، وهي الأكلة الأكثر شعبية والأقل ثمناً في مصر، إضافة إلى العمل على رفع الضريبة على القيمة المضافة.


يقول عيسى، في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد"، إن فرض ضريبة على محلات الفول والطعمية والمحلات الصغيرة سيؤدي إلى تحصيل الدولة ما يقرب من 30 مليار جنيه سيدفعها المواطن من دخله بصورة مباشرة، ما سيرفع الأسعار ويخفض من القدرة الشرائية. وهذا السيناريو بدأ فعلاً في ارتفاع أسعار البنزين والطاقة والكهرباء والسلع الأساسية.

رفع الضرائب على المقهورين
يقول الباحث في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، علي عبد التواب، إن تراجع الحكومة عن فرض الضريبة الرأسمالية على البورصة والسعي إلى فرض ضرائب جديدة على المنشأة الصغيرة، التي يعتمد عليها المصريون في حياتهم اليومية يطرح العديد من التساؤلات حول من يحدد السياسة العامة للدولة.

يؤكد عبد التواب أنه في الوقت الذي كان فيه على الدولة أن تقوم بتوسيع القاعدة الضريبية لإنعاش الخدمات العامة المتردية والوفاء بالالتزامات الدستورية، بزيادة الإنفاق على بنود مثل التعليم لـ 3% والصحة لـ 4% من الناتج القومي، تقوم بتأجيل أو إلغاء الضرائب على البورصة وتفرضها على الفقراء، وهو ما يؤكد أن صاحب القرار وتحديد مصير مصر بعد ثورتين هم رجال الأعمال، لا المطالب الاقتصادية والاجتماعية لغالبية المصريين.


يشير الباحث الاقتصادي إلى أن هذا التراجع عن فرض ضريبة على البورصة ليس الأول ولا الأخير، حيث إنه تم التراجع عن فرض ضريبة على توزيعات الأسهم، وذلك أيضاً بحجة وجوب مراعاة الظروف الدقيقة لاقتصاد البلاد والحاجة لجذب الاستثمارات الأجنبية، "وهذا الحديث ما هو إلا بمثابة ادعاء من قبل الحكومة، حيث تسعى من خلال ترسانتها الإعلامية إلى إقناع المواطن البسيط بأن ارتفاع مؤشر البورصة سيجد له فرص عمل وسيرفع من مستواه المعيشي، وهو أمر ليس صحيحاً على وجه الإطلاق".

ويعتبر الباحث في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن السياسة الضريبية في مصر لا تأتي إلا بمزيد من الفقر، حيث تؤدي في النهاية إلى الاقتراض من الخارج، وبالتالي تحميل المواطن عبء الاقتراض من خلال غياب الخدمات وفرص العمل. إضافة إلى أنها تسعى دائماً إلى زيادة الأعباء الضريبية على المواطن العادي المستهلك للسلع والخدمات.

ويشرح أن الضريبة على القيمة المضافة مثلاً، هي ضريبة غير مباشرة تفرض على السلع والخدمات، بنسب موحدة على كافة المواطنين من دون تفرقة بحسب قيمة الدخل، ما يتسبب في زيادة الأسعار، وزيادة معدلات التضخم. وبحسب تصريحات وزارة المالية، يتسبب تطبيق الضريبة على القيمة المضافة في زيادة نسب التضخم بمعدلات تتراوح من 2-3%، وهي معدلات ضخمة جداً، مقارنة بمعدل التضخم السنوي المحقق في مصر.


يجسد الموظف في شركة إعلانات، خليل وربي، أزمة ضرائب الفول والبورصة وضريبة الاستهلاك. يؤكد وربي أن الفقراء فقط يدفعون الضرائب، لاسيما الموظف والعامل في القطاعين الخاص والعام. حيث يفرض عليه حسم ضريبي على الاستهلاك، إضافة إلى الاستقطاع من مرتبه من قبل المؤسسة التي تشغله لكي تدفع بماله الضريبة المفروضة عليها.

ويتساءل وربي "يقولون إن الضريبة تعزز التنمية، أي تنمية يتحدثون عنها، وهم يسعون إلى تشريد مئات الآلاف من العمال، من خلال رفع الضرائب على المنشآت الصغيرة التي تشكل القاعدة الأكبر لتشغيل العمالة في مصر؟ ألم يفكر متخذ القرار في مصير هؤلاء؟ ألم يفكر ولو للحظة واحدة أن المتعاملين في البورصة هم من أغنى أغنياء العالم؟".

ينهي الموظف حديثه بالتأكيد على أن "العدالة الاجتماعية لا تقول بأن يدفع موظف يتقاضى 1500 جنيه ما يزيد على 150 جنيهاً شهرياً ضريبة، في حين يعفى الساويرسيون (نسبة إلى عائلة ساويرس) من دفع ضريبة على أرباحهم المليارية".
دلالات
المساهمون