عقيدة الهجرة: ضحايا الحرب والجوع "قرابين للبحر"

11 مايو 2015
الهجرة تستنزف الرواح والعقول العربية (العربي الجديد)
+ الخط -
ما الذي يدفع الآلاف، إن لم نقل الملايين، من الشباب العربي إلى الاستمرار في التفكير في الهجرة؟ أو الهرب من دولهم إن صح التعبير؟ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول الغربية، وخاصة الأوروبية منها، متأزمة. والوضعية الاقتصادية في دولها لم تعد تغري ركوب قوارب الموت والاتجاه نحو يابستها.

فنسبة النمو، حسب ما صرح به مجموعة من المسؤولين والخبراء خلال المؤتمر الاقتصادي العالمي الأخير في "جاكرتا" عاصمة إندونيسيا، لن تتجاوز في أحسن الأحوال 2% لدى معظم دول القارة العجوز. أما نسبة البطالة، فقد وصلت في صفوف مواطني الدول الأوروبية إلى 11%، كما جاء في تقرير نشرته "ورلد إيكونوميك فورم"، مطلع العام الحالي. بل أورد التقرير ذاته رقماً صادماً، وهو أن 90% من العاملين في وظائف مؤقتة بدول جنوب أوروبا، عبروا عن اضطرارهم إلى ذلك، بسبب الانعدام التام لفرص العمل.


ومع ذلك، لا تزال الهجرة نحو "الفردوس الأوروبي المفقود" حلما يغازل بعنف الشباب العربي. ولعل ما وقع خلال الشهر المنصرم، حين غرق أكثر من 700 مهاجر في عرض البحر الأبيض المتوسط، من بينهم مواطنون من دول عربية، دليل على أن الخوف من الواقع الاقتصادي والاجتماعي، زادت جرعته بسبب الأوضاع الأمنية التي أصبحت معاناة إضافية لسكان القطر العربي.

ويرى منسق حركة "أنفاس الديمقراطية"، منير بن صالح، أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها أوروبا، وانعدام فرص العمل، وعودة عدد كبير من الجالية العربية في الخارج، عوامل لم تمنع حضور حلم الهجرة لدى الشباب العربي.

ويقول بن صالح، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إن الأسباب الثقافية اليوم والخوف من الحروب، باتت عوامل دفع رئيسية في اختيار الشباب للهجرة نحو الدول الغربية. ويزيد المتحدث ذاته، أن قناعة توفير هذه الأخيرة للحد الأدنى من شروط العيش الكريمة، مثل التغطية الصحية، والتقاعد، والخدمات العمومية المجانية، تساهم في ارتفاع أعداد المهاجرين.

وكشف تقرير صادر عن "مجموعة البنك الدولي" خلال عام 2014، أن البلدان التي شهدت أحداث الربيع العربي، عرفت بعد انتكاسة مساره ارتفاعاً كبيراً في معدلات الهجرة.

ووصل عدد المهاجرين العرب حول العالم، حسب تقرير صادر عن جامعة الدول العربية، 30 مليون مهاجر حتى عام 2013. أي أن 5% من مجموع سكان المنطقة العربية يعيشون خارج دولهم، وذلك حسب الأرقام الرسمية فقط، ودون احتساب جحافل المهاجرين السريين واللاجئين الهاربين من جحيم حروب المنطقة.


وقالت "منظمة الهجرة العالمية"، في تقرير صدر عنها العام الماضي، "إن عام 2014 الأكثر دموية في تاريخ الهجرة غير الشرعية، حيث وصل عدد ضحاياها إلى 4868 مهاجراً فارقوا الحياة بطرق مختلفة". وأضاف التقرير ذاته أن الأزمات التي تشهدها كل من دول ليبيا، العراق، سورية، والسودان، رفعت بشكل غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية أعداد النازحين والمهاجرين غير الشرعيين، والذين وصل عددهم إلى 16.4 مليون نسمة خارج دولهم.

ويرى الخبير الاقتصادي، الدكتور غابي بجاني، أن ظاهرة الهجرة، سواء الشرعية أو غير الشرعية اليوم، أصبحت تتجاوز البحث عن ظروف اقتصادية واجتماعية مناسبة للعيش. بل غدت منفذاً للاستمرار في الحياة، والبحث عن العيش في ظروف إنسانية، مهما كان حده الأدنى.

ويضيف الخبير بجاني، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن تزايد عدد النازحين والمهاجرين، نتاجه حالة اليأس، وانفراد الأقلية في العالم العربي بالثروات، بالإضافة إلى حالة الإحباط التي تلت ثورات العديد من الشعوب العربية. ويشدد المتحدث ذاته على أن الشاب العربي مقتنع بأن أوروبا والدول الغربية بشكل عام تضمن له مساواته مع مواطنيها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.


ويفسر الباحث في السوسيولوجيا بـ"مركز مدى المغاربي للدراسات والأبحاث الإنسانية"، زكريا أكضيض، استمرار حضور الهجرة إلى أوروبا، رغم الأزمة الاقتصادية كفكرة وفعل، بسبب هيمنة ثقافة النموذج الأوروبي على وعي الأفراد سياسياً واقتصادياً. وذلك نظراً لقدرة الغرب على تدبير اختلافاته وصراعاته السياسية. هذه الصورة، وبحسب أكضيض، حافظت على مكانتها، بل تم الإعلاء من شأنها لدى الحس العربي المشترك، بالنظر إلى ما آلت إليه أوضاع التغيير في المنطقة العربية. فوضع حرب "الكل" ضد "الكل" الذي آلت إليه المجتمعات العربية جعل من أوروبا ملاذا للفارين الحالمين بالتمتع بالحريات وتحقيق المشاريع الفردية.

ويضيف أكضيض أن ثقافة النموذج الأوروبي يحتك بالوعي العربي، فعند عودة المهاجرين من أوروبا إلى بلدانهم، حيث ترسخ العودة لدى الأبناء فكرة الهجرة كخيار للترقي الاجتماعي، نظرا للاحتفال الرمزي والمادي الذي يبديه أهل العائدين من بلاد أوروبا.

ويؤكد الباحث في السوسيولوجيا أن نمط التنشئة الاجتماعية العربي، يرسخ بشكل مباشر وغير مباشر، فكرة الهجرة في وعي الأبناء والتي تحولت إلى عقيدة.

إقرأ أيضا: المرأة اليمنية في معركة صعبة أمام الرجل
المساهمون